Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-170)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } [ قيل ] تأذن : أي : قال ربك : [ ليبعثن ] . وقال أبو عوسجة : { وَإِذْ تَأَذَّنَ } هو من الأذان ، أي : أعلم ربك . وقوله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ … } الآية قال : نزلت هذه الآية بمكة في شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الكفار كانوا يمنعون من دار الإسلام واتباع محمد - عليه الصلاة والسلام - فوعدهم الله ليبعثن عليهم من يقاتلهم ويأخذ منهم الجزية إلى يوم القيامة ؛ جزاء ما كانوا يمنعون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإجابة له فيما يدعو إليه . وقال قائلون : هو في بني إسرائيل ، وهو ما قال : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ … } [ الإسراء : 4 ] إلى قوله : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] أخبر إن عادوا عدنا ، ولم يبين إن عادوا عدنا بماذا ، ثم بين في هذه الآية بقوله : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } . وقال قائلون : هذا إنما كان في هؤلاء الذين سبق ذكرهم في قوله : { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] . قال أبو بكر الأصم : الآية لا تحتمل في هؤلاء ؛ لأن من آمن منهم لا يحتمل ذلك ، ومن صار منهم قروداً لم يحتمل - أيضاً - بعد ما صاروا قروداً ، فهو - والله أعلم - على الوجهين اللذين ذكرناهما . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } . يأخذهم في حال أمنهم ، ليس كما يأخذ ملوك الأرض قومهم بعد ما يتقدم منهم إليهم تخويف ، فعند ذلك يأخذونهم بالعذاب . أو أن يقال : سريع العقاب ، أي : عن سريع يأخذهم عقابه . وقوله : { لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } : لمن كفر وكذب ، غفور رحيم : لمن آمن وصدق بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } . يحتمل : فرقناهم في وقت بعد ما كانوا مجموعين . ثم يحتمل الجمع وجهين : كانوا مجموعين ثم تفرقوا ، فصار بعضهم كفاراً وبعضهم مؤمنين . أو كانوا مجموعين في المكان والمعاش والماء والكلأ ثم تفرقوا ، فصاروا متفرقين في المكان والمعاش وغيره . أو كانوا في الدين واحداً ، ثم صاروا أصحاب أهواء . ويحتمل قوله : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } أي : أمة بعد أمة ، وجماعة بعد جماعة ، بعضهم خلفاء لبعض ؛ على ما ذكر : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } . وقوله - عز وجل - : { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } . فإن كان قوله : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } في الدين والمذهب ، فيكون تأويله : [ منهم الصالحون المؤمنون ، ومنهم دون ذلك الكفار ، ويكون قوله : { دُونَ ذٰلِكَ } أي : غير ذلك كقوله يعيدونها دون الله أي : ] غير الله . وإن كان في المعاش ، فبعضهم دون بعض في المعاش ؛ وسع على بعض المعاش ، وشدد على بعض وضيق ، فيكون بعضهم دون بعض في المعاش والرزق . أو بعضهم دون بعض في الدين ، بعضهم على الصلاح ، وبعضهم أصحاب أهواء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } . ابتلى بعضهم بالخصب والسعة ، وبعضهم بالشدة والضيق ؛ ليذكرهم الموعود من الثواب في الحسنات ، ويزجرهم الموعود من العقاب عن السيئات . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . يتوبون ويرجعون عن ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فهو يخرج على وجوه : أحدها : بلوناهم بالنعم والخصب والسعة ؛ ليعرفوا فضل الله وإحسانه فيرجعوا إليه بالشكر والثناء ، و { وَٱلسَّيِّئَاتِ } ، أي : بالبلايا في أنفسهم أو المصائب والضيق ؛ ليعرفوا قدرة الله وسلطانه ، فيرجعوا إليه بالتضرع والفزع والدعاء والتوبة . والثاني : معناه : أي : بلوناهم بالحسنات والسيئات ؛ ليتقرر عندهم أن غيرهم أملك بهم من أنفسهم ، فيرجعوا إليه [ بتسليم ] النفس لأمره وحكمه . والثالث : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } المؤمن منهم والكافر ، حتى إذا رأوا الاستواء في الدنيا وفي الحكمة التفريق بينهم ، فيضطر الجميع إلى الإيمان بالبعث ؛ إذ خروجهم من الدنيا على سواء . والرابع : أنه إنما جعل النعيم في الدنيا ليعرفوا لذّة الموعود في الآخرة ، وكذلك الشدة ، فابتلاهم بالأمرين جميعاً ؛ ليستعدوا للرجوع إلى الموعود لهم في الآخرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } . قال قائلون : هو صلة قوله : { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } ، والصالحون هم الذين آمنوا بالله ، وحفظوا حدوده وحلاله وحرامه ، { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ } يعني : الصالحين { فَخَلَفَ } لم يحفظوا حدوده ومحارمه . وقال قائلون : هو صلة ما تقدم من ذكر الأنبياء والرسل ؛ كأنه أخبر أنه خلف من بعدهم خلف ، يعني : خلف الرسل والأنبياء { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } وهو كما ذكر في سورة مريم ، وهو قوله : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } [ مريم : 59 ] وإنما ذكر هذا من بعد ذكر الأنبياء والرسل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } علموا ما فيه . { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } . إن أهل الكتاب كانوا يأخذون الدنيا على أحد وجوه ثلاثة : منهم من كان يأخذها مستحلاًّ لها ؛ كقوله - تعالى - : { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } [ مريم : 59 ] . وكقوله : { إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 34 ] . ومنهم من كان يأخذها بالتبديل ، أعني : تبديل الكتاب ؛ كقوله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ … } الآية [ آل عمران : 78 ] ، وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [ البقرةِ : 79 ] . ومنهم من كان تناول على ما تناول أهل الإسلام على قدر الحاجة ، وهاهنا لا يحتمل الأخذ إلا أخذ الاستحلال أو التبديل ، والأخذ بالاستحلال - هاهنا - أقرب ، كانوا يأخذون عرض هذا الأدنى مستحلين له . { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } يحتمل هذا وجوهاً : يحتمل ما قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] . فيغفر لنا ؛ كانوا يستحلون أموال الناس ويأخذونها ، ثم يقولون : سيغفر لنا ؛ لأنا أبناء الله وأحباؤه . والثاني : يحتمل أنهم قالوا : سيغفر لنا ، مع علمهم أنه لا يغفر لهم ؛ لما كان في كتابهم ألاّ يغفر لهم إذا تناولوا مستحلين . أو أنهم إذا عوتبوا على ما فعلوا قالوا : سيغفر لنا . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } . يحتمل قوله : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ } أنهم إذا استحلوا ذلك أضافوا ذلك إلى الله ، وقالوا : الله أمرنا بذلك ، فقال : ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ، أي : لا يضيفوا إلى الله ما استحلوا . أو أن يقال : أخذ عليهم ألاّ يقولوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقال بعضهم : قوله : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } فيما يوجبون على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يزالون يعودون لها ، ولا يتوبون عنها . قال بعضهم : قوله : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } قال : يأخذونه إن كان حلالاً أو حراماً { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } ، وقال : قوله : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } سوء { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } بعد أنبيائهم ، ورثهم الله الكتاب ، وعهد إليهم في سورة مريم { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } [ مريم : 59 ] { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } ، وهو ما ذكرنا . وقال القتبي : الخلف : الرديء من الناس ومن الكلام ؛ يقال : هذا خلف من القول . وقوله - عز وجل - : { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } . أي : قرءوا ما فيه وعلموه . { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أي : يتقون الشرك ، أو يتقون مخالفة الله ومعاصيه ، أفلا يعقلون ما في كتابهم أن ترك مخالفة الله خير في الآخرة . ثم أخبر عن المؤمنين فقال : { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ } ما فيه من الحلال ، والحرام { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِين } .