Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 163-166)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قال بعض أهل التأويل : القرية التي كانت حاضرة البحر هي أيلة . وقال آخرون : أريحا . ولسنا ندري ما تلك القرية ، وليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة ؛ إذ لا منفعة لنا في معرفتها ، ولو كانت لنا حاجة إليها لبين لنا عز وجل . وقوله : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ … } . أمره بالسؤال عنها ، ثم كان هو المبين لهم بقوله : { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } ، والسؤال هو الاستخبار ، والإخبار أبداً إنما يلزم المسئول دون المستخبر ، لكن الاستخبار يكون من وجهين : أحدهما : ابتداء إخبار . والثاني : طلب التصديق ، فهاهنا لم يحتمل ابتداء الخبر ، وهو على طلب التصديق ؛ كأنه قال : ألم يكن كذا ؛ فيقولون : نعم ؛ يصدقونه بما يقول لهم . وقال قائلون : لم يأمره بالسؤال حقيقة ، ولكنه على التمثيل ؛ كأنه قال : لو سألتهم يقولون لك كذا ؛ كقوله : { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [ البقرة : 211 ] ليس على الأمر أن اسألهم ، ولكن لو سألتهم كان كذا ، وأجابوك بكذا ، فعلى ذلك هذا . وقوله - عز وجل - : { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ } . عن ابن عباس - رضي الله عنهما - [ قال ] : ابتدعوا السبت فعظموه ، فابتلوا فيه ، فحرمت عليهم فيه الحيتان . وقال مجاهد : حرمت عليهم الحيتان يوم السبت ، فكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بلا مؤنة [ ولا ] تكلف ، ابتلوا به ، ولا تأتيهم في غير مثله . وقال أبو عوسجة : قوله : { شُرَّعاً } [ هي ] التي قد دنت من الشط ، والواحد : شارع . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَسْبِتُونَ } . اي : لا يدخلون في السبت ؛ كما يقال : لا يربعون ولا يخمسون ، أي : لا يدخلون فيه ، [ ويسبتون أي يدخلون فيه ] وكذلك يربعون ويخمسون . وقال القتبي : { شُرَّعاً } أي : شوارع ، { إِذْ يَعْدُونَ } أي : يتعدون الحق ، ويقال : عدوت على فلان : إذا ظلمته . وقال الكيساني : يقرأ : { يَسْبِتُونَ } بالرفع ، ويقرأ بالفتح ؛ فيمن قرأها [ يسبتون بالفتح أراد سبتوا أي عظموا يقال : سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا عظم ، ومن قرأها برفع الياء أراد أنهم ] دخلوا في السبت . وقال قائلون : قوله : { شُرَّعاً } أي : كثيرة ، أي : تكثر لهم الحيتان يوم السبت ، وهو اليوم الذي حرم عليهم الحيتان ، وتقل في غير ذلك . وقال بعضهم : ابتلاهم الله بتحريم السمك في السبت ؛ ليرى الخلق المطيع منهم من العاصي . وقال قائلون : ابتلاهم بذلك لما كانوا يفسقون في السر ؛ ليكون فسقهم وتعديهم ظاهراً عند الخلق كما كان عند الله ؛ لئلا يقولوا عند التعذيب إنهم عذبوا بلا ظلم ولا تعد - والله أعلم - . وذلك قوله : { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . وقال قائلون في قوله : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } : إنما أمره أن يسألهم أما عذبهم الله بذنوبهم ؟ ثم أخبر عن ذنوبهم فقال : { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي : يعتدون في السبت . وقوله : { شُرَّعاً } أي : شارعات من غمرة الماء ، أي : خارجات . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } ذكر في الأول أنهم كانوا ثلاث فرق : فريق عدوا ، وتركوا أمر الله ، وارتكبوا ما نهوا عنه . وفريق نهوا أولئك الذين اعتدوا وانتهكوا حرم الله . وفريق ، قيل : لم يعتدوا ، ولم يرتكبوا نهيه ، ولا نهوا أولئك الذين اعتدوا ، وهم الذين قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً … } الآية ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : هم كانوا ثلاث فرق : فرقة وعظت ، وفرقة موعوظة ، وفرقة ثالثة ، وهم الذين قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } . وهو ما ذكرنا أنه ذكرهم في الابتداء ثلاث فرق ، وذكر في آخر الحال فرقتين : فرقة هي التي هلكت بالاعتداء ، وفرقة هي التي نهت ونجت . ثم اختلف أهل التأويل في الفرقة الثالثة : قال بعضهم : كانوا في الفرقة التي هلكت ؛ لوجهين : أحدهما : لما لم ينهوا أولئك الذين اعتدوا ، وكان فرض عليهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، فإذا لم ينهوا أولئك هلكوا وشركوا في العذاب ؛ كقوله : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ … } الآية [ المائدة : 63 ] . والثاني : كانوا معهم لما نهوا الناهين بقوله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ } . وقال قائلون : كانوا في الناجين . قال الحسن : لأنهم كانوا نهوا أولئك عن الاعتداء والظلم الذي كان منهم ، وكان قولهم : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } بعد ما نهوهم [ و ] وعظوهم فلم يتعظوا ، فإنما قالوا لأولئك : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } بعد ما نهوا [ و ] وعظوا ، فقالوا : كيف تعظون قوماً لا يتعظون ولا ينتهون ، فإنما قالوا ذلك بعد ما نهوا . وقال قائلون : هذا القول منهم نهي ؛ لأنهم أتوا بوعيد شديد بقولهم : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } ، فنفس هذا القول منهم نهي وزجر عما ارتكبوا ؛ حيث أتوا بالنهاية من الوعيد ، وهو الهلاك والعذاب الشديد . ولكنا لسنا نعلم أنهم كانوا في الهلكى أو في الناجين ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، ولو كان لنا حاجة إلى ذلك لبينه لنا - عز وجل - ولم يترك ذلك لآرائنا ، سوى أنه بين من نجا منهم بالنهي عن الظلم والعدوان ، وبين من أهلك وعذب بالظلم والعدوان بقوله : { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } . قرئ بالرفع والنصب أيضاً { مَعْذِرَةً } فمن قرأ بالرفع أضمر فيه هذه ؛ كأنهم قالوا : هذه معذرة إلى ربكم ؛ كقوله : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } [ النور : 1 ] قيل : هذه سورة أنزلناها . ومن قرأ بالنصب قال : { مَعْذِرَةً } أي : اعتذاراً منهم إلى ربهم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } عما نهوا . وقوله - عز وجل - : { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } أي : تركوا وأعرضوا عما ذكروا به . { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } . قال القتبي : شديد ؛ وكذلك قال أبو عوسجة . وقال غيره : أي : موجع ، وهو واحد . وقال الحسن : { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ } على الوقف ، ثم قال : { بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } . وقوله - عز وجل - : { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } . قال أبو عوسجة : قوله : { عَتَوْاْ } أي : استكبروا ؛ يقال : عتا يعتوا عتوّاً ، وكأن العتو هو النهاية في البأس ، فكذلك قيل في قوله : { عَتَوْاْ } بائساً ، لكن سمي مرة : قساوة ، ومرة : استكباراً . وقوله - عز وجل - : { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . قال بعضهم : حولت صورتهم وجسدهم صورة القردة ، وكانت عقولهم على حالها عقول البشر لم تحول ؛ ليعلموا تعذيب الله إياهم وما أصابهم بهتكهم حرم الله . وقال قائلون : حول طباعهم طباع القردة ، وأما الصورة والجسد على حاله . وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . وقوله : { خَاسِئِينَ } قال بعضهم : هو من خسأ الكلب : صار قاصياً مبعداً ، يقال : خسأته . وقال أبو عوسجة : { خَاسِئِينَ } : مبعدين ؛ وكذلك قال في قوله : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } [ المؤمنون : 108 ] أي : ابعدوا فيها وارجعوا فيها ؛ يقال : خسأت فلاناً وأخسأته ، أي : باعدته ، فخسأ ، أي : تباعد . وقيل : الخاسئ : الذليل . وفي قوله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ … } إلى آخر ما ذكر من القصة وجهان : أحدهما : دليل إثبات الرسالة والنبوة له ؛ حيث أخبر عما كان من غير نظر له في كتبهم ، ولا اختلاف إلى أحد ممن له علم في ذلك ؛ دل أنه إنما عرف [ ذلك ] بالله تعالى . والثاني : إنباء عن عواقب الظلمة والفسقة ، وما حل بهم بظلمهم وانتهاكهم حرم الله ؛ ليكون ذلك زجراً لنا عن ارتكاب مثله .