Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 172-174)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تكلم الناس في تأويل قوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ … } الآية ؛ [ فمنهم من ] يقول : ذلك عندما خلق آدم ، أخرج من يكون من ذريته مثل الذر ، فعرض عليهم قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } لكن اختلفوا ؛ فمنهم من يقول : جعل بالمبلغ الذي يجري على مثله القلم ؛ وهو قول الحسن . ومنهم من يقول : عرض ذلك على الأرواح [ دون الأجساد ] . ومنهم من يقول : بلا عرض أنه خلق صنفين ، فقال : هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء للنار ، ولا أبالي . ومنهم من يقول : عرض الكل على ما عليه أحوالهم وآجالهم في الدنيا ، والله أعلم كيف كانت القصة ، أو كيف ترى أحوال الفقر والغناء في الذر ، أو كيف هؤلاء في [ النار ] ولا أبالي ، مع اجتماعهم على القول " ببلى " لما عرض عليهم في قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } . وقد رأينا في تلك الأخبار ما كان الكف عما له المراد ، وبخاصّة حفظ العوام وأهل الضعف عن تبليغها ألزم وأعظم في النفع وأبعد عن الشبهة من روايتها وتكلف الكشف عنها ، فنسأل الله العصمة عما به الهلاك ، والتوفيق للنصح بما به نجاة كل سامع ودفع كل شبهة وحيرة ، فإنه لا قوة إلا بالله . ومنهم من ذهب في تأويل الآية إلى المعروف من [ أمر ] ذرية آدم ، والأخذ عن الأصلاب ، والإنشاء في الأرحام ؛ على ما كان ويكون إلى يوم القيامة ؛ على ما قال الله - سبحانه وتعالى - : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ … } [ الطارق : 5 ] إلى قوله : { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } [ الطارق : 7 ] وقال : { إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا … } الآية [ الحج : 5 ] ، وقال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ … } الآية [ المؤمنون : 12 ] ، وقال : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً … } الآية [ نوح : 13 ] ، وغير ذلك مما احتج الله به من أوّل ما جرى به تدبير البشر إلى آخر ما ينتهي به أمره ، مما يعجز عن تقديره وسع الخلق ، ويستتر عن عقولهم كيفية بدء ذلك ، وما عليه تنقله من حال إلى حال في كل طرفة عين ، ولحظ بصر ، مع ما فيه من عجيب التدبير وحسن التقويم الذي [ لو ] تكلف الخلق تصوير مثله بكل أنواع الحيل من الأصول الظاهرة ، بحيث يبصره كل بصر - لكان يعجز عنه ، فكيف في الظلمات الثلاث ، مع ما ركب فيه من العقل والسمع والبصر ، وما جعل في كل ما أنشأ فيه ، ومنه مما لا يبلغ الأوهام فضلاً عن الإحاطة بما في ذلك من الحكمة ؛ ولذلك قال الله : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] وكأن ذلك هو العهد إلى جميع الذرية وإشهاد أنفسهم عليهم ، يتعالى من دبرهم على ذلك وأنشأهم على ما فيهم عن أن يكون له [ شريك ] أو يقدر أحد قدره ، فذلك هو معنى إشهادهم على أنفسهم ، أي : جعلهم على أنفسهم شهوداً أن يعلموا أن مدبرهم هو ربهم ، لا ربّ لهم غيره ، وأنه ليس كمثله شيء ، مع ما في جعل ذلك ذرية يعرف كل بما يرى من عجزه تدبير ولده ، وجهله بأحواله في حال كونه في رحم أبويه بيان على أنه لا كان بآبائه وأمهاته علم ، ولكن برب العالمين ، وذلك هو الذي يمنعهم عن القول بالغفلة عن ذلك ؛ إذ قد علمه كل منهم لآجال كونهم في الوقت الذي لا يذكره أحد . والذي يبين أن هذا التأويل أحق من الأول ما دل عليه سياق الآية من ذلك قوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } ، وأقاويل من ذكرت على الأخذ من ظهر آدم . والثاني : قوله : { مِن ظُهُورِهِمْ } وفي قولهم : من ظهر آدم . والثالث : قوله : { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } وفي التأويل ألاّ تقولوا ، فكيف يحذرهم عن القول بذلك وقد علم أنهم كذلك ، ليس أحد منهم يذكر ذلك ، ولا مما يتقرر عنده لو نبه بكل أنواع التنبيه ؟ والرابع : قوله : { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } [ الأعراف : 173 ] ما في ذلك العرض مما يمنع عن هذا القول ، وأيضاً أنه [ ذكر في بعض ذلك القول بأن هؤلاء ] في النار ولا أبالي ، وفي القرآن الجمع بينهم في القول ببلى ، وذلك عد توحيداً منهم مع ما في القرآن : { وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً … } الآية [ البقرة : 28 ] { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ … } الآية [ غافر : 11 ] ، وفي إثبات ذلك إثبات الموت والحياة أكثر من العدد الذي جاء به القرآن في الكل ، ولا قوة إلا بالله . ثم قد يتوجه التأويل الثاني [ في قوله : ] { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] إلى أوجه . فأما ابتداء الآية فهو ذلك عند التحقيق ؛ لأنه ذكر الأخذ من بني آدم ثم من ظهورهم ، والمأخوذ من بني آدم ثم من ظهورهم هو النطف ، وهو الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب ، { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أعلمهم ما منه أنشأهم وقلبهم من حال إلى حال ، إلى أن تمت النسمة وظهرت البشرية على ما أعلم كل في ذريته خروج بدئه من تدبير والديه ، وقيامه على ما عليه مداره وقراره ، وبتدبير من لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر ؛ ليقولوا : إن الذي ذكر هذا هو ربهم الذي رباهم على ذلك ، ليس كمثله شيء ، فكان ذلك إعلاماً من الله إياهم على أنفسهم ، وشهادة منها بالخلقة أنه ربهم الذي رباهم وملكهم على ما جرى فيهم من تدبير الله - جل ثناؤه - ولئلا يقولوا غداً : إنهم عن هذا غافلين ؛ إذ قد عرف ذا كل ذي عقل ، وعرف أنه كان بالله - سبحانه وتعالى - لا بوالديه ؛ ليجعلوا شرك الآباء والأمهات لأنفسهم حجة من حيث كانوا منهم ، والله أعلم . والثاني : أن يكون الله أشهدهم على أنفسهم بما أراهم من أحوال ذريتهم في الانتقال على أحوال أن أنفسهم كذلك كانت دخل كل منهم بجوهرهم في ذلك التدبير ؛ ليعلموا أن الذي دبرهم على ذلك دبر الكل ، [ فيزول عنهم شبهة أن الكون ] بغير الرب الذي ليس كمثله شيء ، فيزول عنهم به عذر الغفلة وعلاقة الشبهة بكفر الوالدين من حيث حق التبعية ، أو سفه التقليد بما يعلم خروج الجميع من التدبير ، ورجوع التدبير إلى غير ؛ ليكون موضع الاستدلال بما أمرهم هو ودعاهم إليه ، لا بما أمرهم به الآباء والأمهات . ثم القول ببلى يكون نطقاً ، ويكون خلقة ، ويكون جواب الفطرة بحق التأمل ، فالنطق أنه لا يسأل أحد قبل التلقين إلا وهو يقول بالرب والخالق ؛ وعلى ذلك قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ لقمان : 25 ] . والخلقة بما كان من حاجته إلى مقيم وإلى مدبر على شركة كل في ذلك إقرار له بالربوبية ، وذلك معنى نفي التفاوت عن خلقه وفطرته بما يقلبه عن أحوال لو تأمّل الخلائق إدراك كل حال منها ووجه التنقل وقدر التغير في كل حال لما تهيأ لهم ؛ ليعلم أن في الفطرة شهادة بالتوحيد ، وهذا معنى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل مولود يولد على الفطرة " أي : على حال لو تركت العقول والفكر فيها لشهدت بالتوحيد ، وذلك [ معنى ] قوله : { بَلَىٰ } لا أن ثم قول لسان ؛ بل نطق حال ؛ كما قال الحكيم : كل صامت ناطق ؛ لأن صمته دليل تدبير آخر ، فهو ناطق بالبيان عن الواحد العزيز ، ولا قوة إلا بالله . وقد يحتمل الإشهاد أن جعلهم شهداء على أنفسهم بالعبودة لله ، وأنه ربهم والمالك عليهم ، والقول بـ " بلى " بما يلزم ذلك بالتأمل ؛ فكأنه قال ، والله أعلم . وفي الآية دلالة إثبات خلق الله فعل الخلق ، وقد أخبر الله أنه أخذ ذلك ، والله أعلم . فإن قيل : على ماذا يخرج تأويل السلف ؟ قيل : لعلهم وجدوا فيه خبراً ظنوا أن الآية تخرج عليه ، فأولوها على ذلك ، فإذا أريد تسوية ذلك بالآية لا بد من زيادات تلحق بها أو تخرج عنها ، وإلا [ لا ] يخرج من ذلك [ عن ] أن يقول : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } أن يجعل " من " صلة ؛ كأنه قال : وإذ أخذ ربك من بني آدم ، وقد تكون كقوله : { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } [ البقرة : 271 ] . [ وبنو آدم ] يؤخذ من ظهر آدم كما يؤخذ ابن كل من ظهورهم ، أي : أصل ابن كل من ظهره ، وذكر ظهورهم ؛ لما كان منسوباً إليهم ، وإن كان لو طرح حرف الصلة تزول الشبه ، فحفظ في ذكرهم حق الوصل وإن كان حقه الإسقاط ؛ كقوله : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ … } الآية [ الطلاق : 8 ] ، وغير ذلك [ مما كنى ] عن أهل القرية باسمها ، وعلى ذلك أجري ذلك الفعل وإن لم يكن لها في الحقيقة فعل ؛ فعلى ذلك هذا ، فيصير في التحصيل كأنه قال : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهره ، ثم يكون المأخوذ الذي عرض عليه مجعولاً على حد يعقل الخطاب ، ومعنى قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فأجاب بالذي ذكر . والخبر الذي فيه القسمة إما أن كان لا في هذا فوصل به ، أو كان في الآية ذكر إجابة أحد الفريقين ، أو كان بين الجميع اتفاق في هذا الحرف واختلاف فيما جاوز هذا ، فالقسمة لما عداه ، وقد يوجد في هذا القدر - أيضاً - اتفاق . ثم قوله : { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } . على إضمار بعث الرسل وإنزال الكتاب بالإخبار عن ذلك ؛ لئلا يدعو الغفلة بما كانت منهم ذلك بما أوقظوا ونبهوا ، أو بما لا يحتجون بما اعترضهم من الغفلة ؛ إذ قد قطع عذرهم بغير ذلك من الأدلة والرسل ، والله أعلم . أو لا يقولوا : { إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ } أي : بعث الرسل ، وإنزال الكتب لقطع هذا النوع من الشبه على الوجهين اللذين ذكرت ؛ [ كقوله ] : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ … } الآية [ طه : 134 ] ، وقوله : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ … } الآية [ القصص : 47 ] ، وقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ … } الآية [ الإسراء : 15 ] ، ويكون في التأويل الأول ظهور أمر الذرية للأولاد في الخروج عن تدبير الآباء والأمهات لقطع الحجاج بهذين الحرفين ، وفي الثاني نزول الكتب وإرسال الرسل مع ما أمكن جعل هذا في التأويلين جميعاً ، والله أعلم . وقوله : { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } على وجهين : أحدهما : على البيان ، أي : نبين ما يكشف العمه ويزيل الشبهة . والثاني : أن نفرقها ونضع كل واحدة منها في أحق مواضعها وأولى ذلك ؛ لقطع العذر ودفع العلل . وقوله : { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إن تأملوا ما هم عليه من الباطل ، والله أعلم . وقوله : { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } . يخرج على وجوه : أحدها : أن يكون ذلك الإهلاك ليس هو التعذيب ، لكنه الإماتة ؛ كقوله - تعالى - : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } [ النساء : 176 ] أي [ لك أن ] تميتنا إذ فعل السفهاء ما تبقيهم ، وألاّ يبقيهم ؛ لما يرجى من التوبة ، أو يحدث منهم من لم يسفه ، والإضافة إلى الجملة بوجهين [ أحدهما ] : على إرادة من سفه منهم . والثاني : على الكل ؛ إذ الموت حق مكتوب على جميع البشر ، لا على التعذيب ، [ والثاني على التعذيب ] على معنى : لا تفعل أنت ذلك ، كما يقول الرجل : أنا أفعل هذا ، أو أنت تفعل هذا ؛ على التبري والتبرئة ، وقوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } [ الأعراف : 155 ] أي : تفعله ابتلاء لا تعذيباً . والثالث : أن يكون على الإيجاب يجمعهم في ذلك ، وإن كان الذي استحق بعضهم بحق المحنة ؛ إذ له ذلك ابتداء ، وذلك نحو أمر أحد بما ابتلاهم ، وإن لم يكن منهم جميعاً المعصية ، وعلى ذلك أمر جميع أنواع المصائب يجمع فيها بين أهل الخير والشر بحق المحنة لا العقوبة ، وإن كان [ ذلك ] في بعضهم عقوبة ، والله أعلم .