Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-178)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } . اختلف أهل التأويل في [ نبأ ] هذا : قال بعضهم : كان هذا نبيّاً فانسلخ منها ، يعني : من النبوة وكفر بها . لكن هذا بعيد محال أن يجعل الله الرسالة فيمن يعلم أنه يكفر به ، أو يختاره لوحيه ، وهو يعلم أنه ليس [ هو ] بأهل له ؛ بقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . وقال بعضهم : كان بلعم بن باعوراء أعطاه الله - تعالى - آيات فكفر بها وانسلخ منها . وقيل : أعطي الاسم [ المخزون الذي كان يستجاب له به ] جميع ما يسأل ربه . وقال بعضهم : كان أمية بن أبي الصلت ؛ على [ ما قال عنه - عليه السلام - ] : إنه " آمن شعره وكفر قلبه " . وقال بعضهم : نزلت الآية في منافقي أهل الكتاب ؛ قد كان أعطاهم الله الآيات ، فكفروا بها وكذبوها . ولكن لا ندري فيمن نزلت ، وهو في جميع مكذبي الآيات ، ليس يجب أن ننص واحداً ، أو يشار إلى واحد نزلت فيه ، ولكن نقول : إنها في جميع مكذبي الآيات . وقوله : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } : خرج منها ، و [ قيل ] : نزع منها . وقيل : تركها ؛ وكله واحد . ثم يحتمل قوله : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } أي : كانوا قبلوها مرة ، ثم ردوها من بعد القبول . ويحتمل : أن لم يقبلوها ابتداء فخرجوا منها وكذبوها . وقوله - عز وجل - : { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } . فيه دلالة أن الله لا يتبع الشيطان أحد ولا يزيغه إلا بعد أن كان منه الاختيار للضلال والميل إليه ؛ حيث قال : { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } إنما أتبعه الشيطان بعد ما كان منه الانسلاخ والنزع . وقوله : { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } قيل : كان في علم الله أن يكون في ذلك الوقت من الغاوين . وقيل : كان من الغاوين ، أي : صار من الغاوين إذا انسلخ منها وخرج ، والغاوي : الضال . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } . يحتمل قوله : { لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } : عصمناه حتى لا ينسلخ منها ولا يكذب بها ، أي : لو شئنا لوفقناه لها حتى يعمل بها . أو أن يقال : لو شئنا لعصمناه حتى لا يختار ما اختار ، لكنه إذ علم منه أنه يختار ذلك ويميل إليه ، شاء ألاّ يعصمه ، ولا يوفقه ، فكيفما كان فهو على المعتزلة ؛ لأنه أخبر : [ أنه ] لو شاء لرفعه بها ، وكان له مشيئة الرفع ، ثم أخبر أنه لم يرفع ، ولو رفعه بها كان أصلح له في الدين ؛ دل أنه قد يفعل به ما ليس هو بأصلح في الدين ، وهم يقولون : [ إن ] المشيئة - هاهنا - مشيئة القهر والقسر ، لا مشيئة الاختيار ، لكن ما ذكرنا أن الإيمان في حال الاضطرار والقهر لا يكون إيماناً ، فلا معنى لذلك ، ولا يكون ذلك رفعاً ؛ فيبطل قولهم . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } : هو ما ذكرنا ؛ لما علم منه أنه يخلد إلى الأرض ويميل إليها ، لم يعصمه ولم يرفعه . والإخلاد إلى الأرض : قال الحسن : سكن إلى الأرض . وكذلك قال الكيساني : [ إن ] الإخلاد في كلامهم : السكون إلى الشيء والركون إليه . وقال أبو عبيدة : هو اللزوم للشيء . وفي قوله : { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } دلالة أن الإزاغة من الله وترك العصمة له ؛ لما يكون من العبد الميل والركون إلى مخالفته ، وترك الائتمار له ، واتباع الهوى . قال قتادة : قوله : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } يقول : لو شئنا لرفعناه من إيتائه الهدى ، فلم يكن للشيطان عليه سبيل ، ولكن يبتلى [ من عباده من يشاء ] . وقوله : { أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } ذكر الأرض يحتمل أن يكون كناية عن الدنيا ؛ كقوله : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 70 ] . ويحتمل أن يكون كناية عن الذل والهوان ؛ لأن كل خير وبركة إنما يطلب من السماء ، وهم إذا اختاروا ذلك اختاروا الذل والهوان . وقال الحسن في قوله : { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } الآية ، قال : حال الشيطان بينه وبين أن يصحب الهدى بما مناه وزين له واتبع هواه ، { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } قال : هذا مثل الكافر ، أميت فؤاده كما أميت فؤاد الكلب . [ وقوله : { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي : ساء مثل الأفعال التي ضرب الله مثلها بالذي ذكر في القرآن ، قال ] : { سَآءَ مَثَلاً } ، صدق الله وبئس المثل { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، فتدبروا وتفكروا في أمثال الله التي ضرب واعقلوها ؛ إلى هذا ذهب الحسن . وقال غيره : وجه ضرب مثل الذي كذب بالآيات بالكلب ، هو أن الكلب من عادته أنه يذل ويخضع لكل أحد ؛ لما يطمع أن ينال منه أدنى شيء ، ولا يبالي ما يصيبه من الذل والهوان في ذلك بعد أن ينال منه بشيء ؛ فعلى ذلك الكافر والمكذب بالآيات لا يبالي ما يلحقه من الذل والهوان بعد أن يصيب من الدنيا شيئاً . ويشبه أن يكون وجه ضرب المثل بالكلب ؛ لما أن من عادة الكلاب [ أنها ] إذا ظفرت بالجيف تنكب لها ، حتى إذا ينادي لها وتدعى لا تكترث إليه ولا تلتفت ؛ فعلى ذلك هذا الكافر ينكب لكل جيفة ويخضع ، ولا يلتفت إلى ما نودي ودعي إليه . وقوله - عز وجل - : { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ } . أي : يخرج لسانه ويتنفس تنفساً [ شديداً ] . { أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } ومعناه - والله أعلم - أن الكلب إذا أصابه العطش والجوع لهث ، وإذا لم يصبه لهث أيضاً ، فعلى ذلك الكافر يميل إلى ذلك ويختار ، أصابته شدة أو لم تصبه ؛ أو كلام نحو هذا . وقال قتادة : هذا مثل الكافر ، ميت الفؤاد كما أميت فؤاد الكلب . { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ضرب الله - عز وجل - مثل الكافر مرة بالكلب ، ومرة بالميت ، ومرة بالأعمى ، ومرة بالتراب ، ومرة بالأنعام ، ونحو هذا ؛ وذلك لما فيه من معاني ما ذكر . وقوله : { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ … } ، وقوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } أمر رسوله ليقص أنباء الأمم السالفة على هؤلاء ؛ ليكون زجراً وتحذيراً للكفار ؛ ليعلموا ما حل بأولئك بصنيعهم ؛ ليحذروا عن مثل صنيعهم ، ويكون عظة وتذكيراً للمؤمنين ؛ كقوله : { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 66 ] . وقوله - عز وجل - : { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا … } الآية ، قد ذكرنا في غير موضع أن آياته ، قيل : دينه . وقيل : حججه وبراهينه . وقوله : { سَآءَ مَثَلاً } [ أي ساء مثل ] الأفعال التي ضرب الله مثلها بالذي ذكر في القرآن . وقوله - عز وجل - : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } . شهد الله - تعالى - أن من هداه فهو المهتدي ؛ أي : من هداه الله في الدنيا فهو المهتدي في الآخرة ، ومن يضلل الله في الدنيا فهو الخاسر في الآخرة ، فلو كانت الهداية البيان والأمر والنهي - على ما ذكر قوم - لكان الكافر والمؤمن في ذلك سواء ؛ إذ كان البيان والأمر والنهي للكافر على ما كان للمؤمن فلم يهتد ، فدل أن في ذلك من الله زيادة معنى للمؤمن لم يكن ذلك منه إلى الكافر ، وهو التوفيق والعصمة والمعونة ، ولو كان ذلك للكافر لاهتدى [ كما اهتدى ] المؤمن ، ولو كان بياناً لكان ذلك البيان من الرسل وغيره على قولهم ؛ وكذلك قوله : { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أخبر أن من أضله فقد خسر ؛ دل أنه كان منه زيادة معنى ، وهو الخذلان والترك ، أو خلق فعل الضلال ، وليس على ما يقوله المعتزلة أنه قد هداهم جميعاً ، لكن لم يهتدوا ؛ فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله ؟ ! كما قال لليهود : { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } [ البقرة : 140 ] ، فظاهر الآية على خلاف ما يقولون ويذهبون .