Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 182-186)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } . قد ذكرنا هذا في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } . قال قائلون : هو صلة قوله : { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا … } الآية [ الأعراف : 177 ] . وقال بعضهم : فيه الوعد لرسول الله بالنصر له ، والظفر على أعدائه . والاستدراج : هو الأخذ في حال الغفلة من حيث أمن الرجل بغتة ؛ كقوله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الأعراف : 95 ] . وقال قائلون : الاستدراج : المكر ، لكن معنى ما يضاف الاستدراج والمكر إلى الخلق غير المعنى الذي يضاف إلى الله ، والجهة التي تضاف إلى الله غير الجهة التي تضاف إلى الخلق [ والجهة التي تضاف ] إلى الخلق مذمومة ، والجهة التي تضاف إلى الله محمودة ، وكذلك ما أضيف إلى الله من المكر ، والخداع ، والاستهزاء ونحوه ، هو ما ذكرنا على اختلاف الجهات ، والمعنى في الجهة التي تضاف إلى الله غير الجهة التي تضاف إلى الخلق ؛ لأن الله - تعالى - يأخذهم بما يستوجبون ويستحقون بحق الجزاء والمكافأة ، فلا يلحقه في ذلك ذم ؛ وأما الخلق فيما بينهم يمكرون ويكيدون ، لا على الاستحقاق والجزاء . وعن الحسن في قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } قال : كلما جددوا لله معصية ، جدد الله لهم نعمة ؛ ليستهزءوا ويأشروا ويبطروا ، ثم يهلكهم . وقال بعضهم : يظهر لهم النعم وينسيهم الشكر . وجائز أن يكون ما ذكر من الاستدراج والمكر والكيد عبارة عن العذاب ، أي : إن أخذي إياهم وعذابي شديد ؛ حيث قال : { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } ، أي : عقوبتي شديدة . وقوله - عز وجل - : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } . أي : كيدوه أنتم وأمهلهم وأكيد لهم ؛ كقوله : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً … } الآية [ الطارق : 15 - 16 ] فيخرج قوله : { وَأَكِيدُ كَيْداً } [ الطارق : 16 ] ، مخرج جزاء كيدهم ؛ وكذلك قوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً } [ النمل : 50 ] أي : جزيناهم جزاء مكرهم ؛ وكذلك قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } ، أي : نجزيهم جزاء استدراج وما هو عندهم كيد ، وكذلك نفعل بهم ما هو عندهم مكر وخداع ، وإن لم يكن من الله مكر وخداع ؛ كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] أي : إعادة الشيء عندكم أهون من الابتداء ، وإن كانت الإعادة والابتداء [ سواء على الله ؛ ] فعلى ذلك قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } ، { كَيْدِي مَتِينٌ } ونحوه ، أي : نفعل بكم ما هو استدراج وكيد عندكم ، والله أعلم . ودل قوله : { وَأُمْلِي لَهُمْ } على أنه لم ينشئهم لحاجة له إليهم ، أو لمنفعة له فيهم ، ولكن أنشأهم لحوائج أنفسهم ، ولمنافع ترجع إليهم ، حتى إن عملوا نفعوا أنفسهم ، وإن تركوا ضروا أنفسهم . وقوله : { مَتِينٌ } . قيل : شديد ، أي : عقوبتي شديدة ، والمتين : [ هو ] المحكوم القوي . وقوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } . إن الكفرة كانوا ينسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجنون أحياناً ، والذي حملهم على ذلك - والله أعلم - أنهم كانوا أهل العز والشرف في الدنيا ، وكان لا يخالفهم أحد ، ولا يستقبلهم بالمكروه إلا أحد رجلين : [ رجل ذو قوة وهيبة ] وله أعوان وأنصار ، أو رجل به جنون ؛ لأنهم كانوا يقتلون من يخالفهم في شيء من الأمر ، فلما رأوا رسول الله خالفهم واستقبلهم بما يكرهون ، ولم يروا معه أنصاراً ولا أعواناً ظنوا أنه لا يخالفهم إلا بجنون فيه ، فنسبوه إلى الجنون لذلك ، والله أعلم . ويحتمل أن تكون نسبتهم إياه إلى الجنون لما حرم عليهم عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ، وهم قد رأوا العقلاء منهم قد عبدوا الأصنام ولم يحرموا ذلك ، فلما حرم ذلك عليهم ظنوا أنه إنما حرم ذلك لآفة ، لذلك حملهم بالنسبة إلى الجنون ، والله أعلم . ثم عاتبهم بتركهم التفكر فيه بقوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } ؛ ليتبين لهم أنه ليس به جنون ، وذلك يحتمل وجهين : أنهم لو تفكروا في رسول الله بما أخبرهم من المرغوب والمرهوب والمحذور في كتابهم على غير لسانهم ، واختلاف منه إلى أحد منهم ، ولا تعلم - لعلموا أنه رسول ، وأن ما أخبر إنما أخبر بالله . أو أن يكون قوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } ، أي : قد تفكروا فيه وعرفوا أن ليس به جنون ؛ وكذلك في قوله : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية ، أي : قد تفكروا في ذلك ، وعرفوا أن مثل هذا لم يخلق عبثاً باطلاً ؛ كما يقال : أولم تفعل كذا ، أي : قد فعلت لكنهم عاندوا وكابروا آياته وحججه . وأمكن أن يكون قوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } أي : في أنفسهم ، وفي أولئك الذين عبدوا من الأصنام والأوثان ؛ ليظهر لهم أنهم على باطل وسفه ، وليتبين لهم أن الحق هو ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، لا ما كانوا هم عليه . وفيه دلالة أن الحق يلزم وإن كان لا يعلم ذلك إلا بالتفكر والتدبر ؛ لما لحق هؤلاء من الوعيد الشديد والعقاب العظيم لما تركوا هم التفكر ، وكان لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك . وقوله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ } أنه ليس به جنة ؛ هذا جواب من الله . ويحتمل : لو تفكروا في صاحبهم ، لعرفوا أنه ليس به جنة . ثم أخبر أنه نذير مبين ، ليس كما يقولون : إنه مجنون ؛ إذ معه آيات وبراهين ، فهو نذير مبين . وقوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية . يحتمل هذا على الابتداء . ويحتمل على الصلة بالأول ، وهو أنهم إذا تفكروا في ملكوت السماوات والأرض ، عرفوا ألوهية الله وربوبيته ؛ لما يرون من اتصال منافع بعض ببعض على بعد ما بينهما ، واتساق التدبير في ذلك ، فعرفوا أن ذلك كله مسخر لمن له التمييز ، وأن المقصود في خلقه أهل التمييز ، فإذا عرفوا ذلك عرفوا أنهم يحتاجون إلى من يعرفهم ذلك ، ويعلمهم ما يحتاجون في ذلك . ويحتمل على ابتداء الأمر بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } ؛ ليدلهم على وحدانية [ الله ] وربوبيته . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } . كأن هذا نزل فيمن عرف صدقه ، لكنه عاند في تكذيبه ، فقال : { وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } يحذرهم ؛ ليرجعوا إلى تصديقه ، مخافة الخروج من الدنيا على ما هم عليه . وقوله - عز وجل - : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . هذا يتوجه وجهين : أحدهما : أنكم ممن تقبلون الأخبار والحديث ، فإذا لم تقبلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخبره ولم تصدقوه ، فبأي حديث بعده تقبلون وتصدقون ، ومعه حجج وبراهين ؟ والله أعلم . والثاني : أن يكون قوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [ يعني ] بعد القرآن يؤمنون ، وهو كما وصفه : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ … } الآية [ فصلت : 42 ] ، وقال : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [ الإسراء : 88 ] ، فإذا لم تقبلوا هذا ولم تصدقوه وهو بالوصف الذي ذكر ، وأنتم ممن تقبلون الحديث ، فبأي حديث بعده تقبلون . وجائز أن يكون قوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } يريد به في الآخرة ؛ يقول : إذا اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ، أي : لا حديث بعده يؤمنون به ، والتأويل الآخر في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } . وفي موضع آخر : { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } [ الزمر : 37 ] ، ولو كانت الهداية الأمر والبيان على ما قاله قوم ، لكان ذلك من غيره ، وكذلك لو كان الإضلال والإزاغة والنهي هو التخلية ، لكان ذلك يكون من غيره ، وكل من أراد الله أن يهديه أضله غيره ، وكل من أضله الله هداه غيره ، فذلك محال مع ما في كل ما أضاف الله الإضلال إلى الخلق ذمه ، وفيما أضاف الهداية إليه مدحه ، ثم أضافهما جميعاً إلى نفسه ؛ دل أن هنالك زيادة معنى ليس ذلك في الإضافة إلى الخلق ، وهو ما ذكر في غير موضع : إما خلق فعل الضلال من الكافر ، وخلق فعل الاهتداء والإيمان من المؤمن ، أو كان منه التوفيق والمعونة في الهدى ، والخذلان في الكفر . وهذان الوجهان اللذان ذكرناهما لا يكونان من الخلق ، إنما يكونان من الله ؛ لذلك كان معنى الإضافة إليه ، وإنما يكون من الخلق الدعاء وغيره ، لا ما قالته المعتزلة من البيان والأمر والنهي والتخلية ؛ إذ [ لا ] يكون ذلك من الخلق ، وبالله العصمة . وقوله - عز وجل - : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } أي : من أهانه الله بالضلالة ، فلا أحد يملك إكرامه بالهدى . وقوله - عز وجل - : { وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } . لا ضرر يلحقه في طغيانهم ؛ لذلك تركهم فيه ، ودل ذلك على أنه لم ينشئهم لحاجة نفسه ، ولا لدفع مضرة نفسه ، ولكن لحاجة أنفسهم ؛ كقوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] ، وكقوله : { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ الأعراف : 183 ] ، وهو حرف الوعيد .