Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-192)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً … } الآية . قال عامة أهل التأويل : إن آدم وحواء لما أهبطا تغشاها آدم ، فحملت ، فأتاها إبليس فقال : يا حواء ، ما هذا الذي في بطنك ؟ قالت : لا أدري ، قال : لعله بهيمة من هذه البهائم : ناقة ، أو شاة ، أو بقرة ، قالت : لا أدري ، فأعرض عنها ، فلما أثقلت أتاها فقال : كيف تجدينك ؟ قالت : إني لأخاف أن يكون الذي ذكرت ، ما أستطيع القيام إذا قعدت إلا بجهد ، قال : أفرأيت إن دعوت الله يجعله إنساناً مثلك ومثل آدم أتسمينه بي ؟ قالت : نعم ، فانصرف عنها ، وقالت لآدم : لقد أتاني آت فخوفني بكذا ، وإني لأخاف مما ذكر ، فدعوا الله في ذلك بقوله : { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً } ، يقول : جعلته إنساناً { لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } ، فكان هذا دعاؤهما قبل أن تلد ، فلما ولدت أتاها إبليس وقال : ألا تسمينه بي كما وعدتني ، قالت : نعم ، ما اسمك ؟ قال : اسمي الحارث ، فسمته : عبد الحارث ؛ فذلك قوله : { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } ؛ على هذا حمل أهل التأويل الآية [ و ] إلى آدم وحواء صرفوها ، وذلك وخش من القول ، قبيح في آدم وحواء ذلك ، ولو ثبت ما قالوا : إنهما سميا ولدهما باسمه ونسباه إليه ، لم يكن في ذلك إشراك ؛ إذ لو كان في مثله إشراك لكان فيما أضاف العبيد والمماليك إلى الخلق إشراك في ألوهيته . ثم التأويل عندنا على غير ما ذهبوا إليه - والله أعلم - وهو أن قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني : من آدم ، { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } : حواء ، أي : خلق الذكور كلهم من آدم ، وخلق الإناث كلهن من حوّاء ؛ كقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [ الروم : 21 ] أخبر أن الأزواج خلقهن من نفس الأزواج ، فلما أضاف الزوجات إلى أنفس الأزواج وأنهن من أنفسهم خلقهن ؛ كان قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } كل زوجة وزوج إذا تغشاها وحملت دعا آدم وحواء : { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } إذ جميع الأولاد أولادهما ، يدعون الله في ذلك ليكون صالحاً ؛ فمن كان مسلماً منهما كان بدعائهما ؛ فعلى هذا التأويل يحصل دعاؤهما لأولادهما الذين يولدون إلى يوم القيامة ؛ لأنهما أب وأم ، وقد يدعو الوالدان لأولادهما بالصلاح والخير ؛ على هذا يجوز أن يخرج تأويل الآية ، وأما ما قاله أولئك فهو بعيد محال ، والله أعلم . وقال بعضهم : إن العرب كان إذا ولد لهم أولاد ذكور ينسبون إلى الأصنام التي يعبدونها ويضيفون إليها ؛ تعظيماً لها ؛ يقولون : ابن اللات ، وابن العزى ، وابن المناة ، ونحو ذلك ، وكانوا يقتلون البنات ، وكان إذا أصابتهم الشدة يفزعون إلى الله ويتضرعون إليه ؛ كقوله : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] ، وكقوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ … } الآية [ الزمر : 8 ] ، { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ … } الآية [ لقمان : 32 ] ، فلما ذهب ذلك عنهم وانجلى عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ كقوله : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] ، وقوله : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ … } الآية [ الزمر : 8 ] ، فإذا كان من عادة العرب ما ذكرنا ، كان إذا حملت زوجة منهم وثقل ما في بطنها ، جعلا يدعوان الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً ذكراً وسلمت من الولادة { لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ * فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } يعني : ذكراً { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أي : جعلا لله شركاء في الولد الذي ولد لهما ، وينسبونه إلى الأصنام التي كانوا يعبدونها ، فذلك قوله : { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } فتعالى الله عما يشركون ، والله أعلم بذلك . وقال الحسن : الآية في مشركي العرب ، إلا قوله : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } فإن ذلك في آدم وحواء . ألا ترى أنه قال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } دل أنه ما ذكرنا . وقال أبو بكر الأصم : قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهي نفس آدم { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي : خلق كل نفس منكم من تلك النفس ، وجعل لكل نفس منكم زوجة من تلك النفس ليسكن إليها ؛ فعلى هذا التأويل يصرف آخر الآية إلى غير آدم وحواء . وقال القتبي : قوله { فَمَرَّتْ بِهِ } [ أي ] : استمرت بالحمل ، وقوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إن العرب كانت تعبد الأصنام تقليداً لآبائهم وسلفهم ، فيذكر سفههم أن النفس التي [ خلقتم ] منها لم تقلد أحداً ، ولم تشرك أحداً ، إنما اتبعت ما في العقل حسنه ، أو ما في السمع من الأمر ، فكيف اتبعتم أنتم النفس التي خلقتم منها ، وهي لم تتبع إلا ما ذكرنا دون ما اتبعتم في الإشراك له آباؤكم . ولو كانت القصة في آدم على ما يقول أهل التأويل ، فيكون العرب [ بها ] تعلق واقتداء ، فيقولون : إنه أشرك ، ونحن نشرك ، فدل أنه ليس على ما قالوا : ، ولكن على الوجوه التي ذكرنا . وفي قوله : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } دلالة أن ليس لأحد من البشر على آخر [ فضل ] من جهة الخلقة والنسبة ؛ إذ كلهم إنما خلقوا من نفس واحدة ، وهم إخوة وأخوات ، وإن كان لأحد فضل على آخر فإنما يكون لأعمال يكتسبها ، وأخلاق محمودة ومحاسن : يختارها ، وأما من جهة الخلقة فلا فضل لبعض على بعض ؛ كقوله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] . وقوله - عز وجل - : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . يذكر سفههم أنهم يشركون في عبادته وألوهيته من يعلمون أنه لم يخلقهم ، وإنما خلقهم الله - سبحانه وتعالى - وهم مخلوقون ؛ فصرف العبادة إلى غير الذي خلقهم سفه وجور . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } . يسفههم - أيضاً - أن في الشاهد لا يخضع أحد لأحد ولا يشكر له إلا مجازات لما سبق منه إليه من النعمة ، أو لما يأمل في العاقبة من المنفعة ، وأنتم تعبدون هذه الأصنام ولم يسبق منها إليكم شيء ، ولا لكم رجاء يقع في العاقبة ؛ فكيف تعبدونهم ؟ ! { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً } [ لا ] يدفعون عنهم الضر { وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } أي : ولا من قصد قصدهم بالكسر والإتلاف يملكون دفعه عن أنفسهم ، والله أعلم .