Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 193-198)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } يعني : الأصنام ، { إِلَى ٱلْهُدَىٰ } : ليهتدوا ، { لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } أي : لا يجيبوكم ولا هم يهتدون . والثاني : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } إلى ما لكم إليه من حاجة { لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } : لا يقضون ولا يملكون ذلك . ويحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين ؛ يقول : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } [ أي ] : أهل مكة { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } أي : لا يجيبوكم . وجائز أن يكون يخاطب به أهل مكة ؛ يقول : وإن تدعوا الأصنام التي تعبدونها إلى الهدى لا يملكون إجابتكم ؛ يسفههم في عبادتهم من حاله ما وصف . وقوله - عز وجل - : { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } . أمكن أن تكون الآية في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً ؛ كقوله : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] . وقال بعضهم : قوله : { وَإِن تَدْعُوهُمْ } يعني : المشركين { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } ؛ فعلى ذلك يخرج قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ } . وأمكن أن يكون قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ } في الأصنام ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } . يحتمل قوله : { تَدْعُونَ } أي : تعبدون من دون الله ، وقد كانوا يعبدون من دون الله أصناماً وأوثاناً . ويحتمل { تَدْعُونَ } أي : تسمونهم من دون الله آلهة . وقوله : { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } في الخلقة والدلالة على وحدانية الله في التدبير دونهم ؛ لما قال : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ … } إلى آخر ما ذكر ، أي : ليس لهم ما [ ذُكِر فهم ] دونهم في التدبير والمعونة . ويحتمل قوله : { تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } الملائكة الذين عبدوهم [ هم ] عباد أمثالكم ، فلا تسموهم آلهة ، أي : لا تعبدوا عباداً أمثالكم ، ولكن اعبدوا من لا مثل له ولا نظير له . وإن كان قوله : { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } الملائكة ، فقوله : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ … } الآية ، هو منه مقطوع منصرف إلى الأصنام . وقوله - عز وجل - : { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . ذكر الدعاء والاستجابة ، ولم يبين في ماذا يستجيبون ، ولا يجب أن تفسر الاستجابة في الشفاعة ، أو في التقريب إلى الله ، أو في غيره ؛ إلا أن يعلم أنهم كانوا يدعونهم بكذا ، ويطلبون منهم كذا [ وقوله : { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنهم آلهة على ما تزعمون . أو { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فيما تزعمون أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى ] . وقوله - عز وجل - : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } . يسفه عقولهم بعبادتهم الأصنام التي لا أرجل لهم يمشون بها يهربون ممن يقصدهم بالسوء ، أو يقصدون بها قصد من أراد الضر بهم والسوء ، وكذلك يعبدون ما لا أيدي لهم يبطشون بها ويدفعون عن أنفسهم من أراد السوء ، أو يأخذون من يقصدهم ، وكذلك قوله : { أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ } يبصرون من يقصدهم بالسوء ، { أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } من يشتمهم ويذكرهم بالسوء ، يسفههم في عبادتهم من لا يملك دفع من يقصده بالسوء ، إما هرباً منه ، وإما قصداً منه إليه بالسوء ، فإذا كانوا لا يملكون ذلك كيف تعبدونهم ؟ ! وهو كقول إبراهيم - عليه السلام - : { يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] ، فإذا كانوا لا يملكون دفع ما يحل بهم ، فكيف يملكون جر النفع إليكم ، أو دفع الضر عنكم ؟ ! وقوله - عز وجل - : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } . قال بعض أهل التأويل : خاطب به كفار مكة بقوله : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } الذين تزعمون أنهم آلهة دون الله . ويحتمل قوله : { شُرَكَآءَكُمْ } أي : ادعوا من شاركوكم في عبادة من دونه ثم كيدون . ويحتمل أن يكون الخطاب لجميع الكفار الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله ، قال ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم : { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } فلم يقدر أحد الكيد به والضرر مع قوتهم وعدتهم بالكثرة والأعوان ، وضعف رسول الله ، وقلة أعوانه ؛ دل عجزهم عن ذلك أنه كان آية في نفسه ، وأنه بالله - تعالى - ينتصر ، وبه قوي على أعدائه ، وذلك من عظيم آياته ؛ لأنه قال ذلك لمن كانت همتهم القتل والإهلاك لمن خالفهم فيما هم فيه ، ثم لم يقدر أحد منهم الضرر به ؛ دل أنه كان بالله حفظه ، وكذلك سائر الأنبياء - صلوات الله عليهم - حيث قالوا بين ظهراني قومهم - من نحو هود ونوح وهؤلاء - : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [ هود : 55 ] وقال نوح : { قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ … } [ هود : 38 ] الآية . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ … } الآية . ذكر هذا على إثر قوله : { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } ؛ كما ذكر هود : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [ هود : 54 - 56 ] ، وكما قال نوح : { إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] ، فزعوا إلى الله - عز وجل - عند وعيد قومهم بالإهلاك ، وعليه اعتمدوا ، وبه وثقوا ؛ فعلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } أي : هو وليي يحفظني ، وهو يتولى حفظ الصالحين ، أي : بتوليه صلحوا . أو يتولى ويحفظ الصالحين مقابل قول من ذكرنا من الرسل لقومهم . ثم قوله : { وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } عز وجل . يحتمل : حافظي وناصري . أو وليّ تدبيري الله { ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } . أو ولي أمري . أو أولى بي الله { ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } الذي عجزت الخلائق عن إتيان مثله { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } يذكر سفههم بعبادتهم من عجز عن دفع الضرر عن نفسه ، فضلاً أن يدفع ذلك عنهم أو يجروا إلى أنفسهم منفعة ، وأخبر عن جهلهم أنهم يعبدون من لا يملك دفع ضر ولا جر نفع . وقوله : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } : هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يخاطب به المؤمنين بقوله : [ وإن تدعو أهل مكة إلى الهدى ] { لاَ يَسْمَعُواْ } أي : [ لا ] يجيبوا { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } أي : لا ينتفعون به ، أو لشدة تعنتهم لا يبصرون . وجائز أن يكون يقول : وإن تدعوا الأصنام التي تعبدون إلى الهدى { لاَ يَسْمَعُواْ } أي : لا يجيبوا ، ولا يملكون الإجابة . ويحتمل : { لاَ يَسْمَعُواْ } حقيقة السمع ، { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } : على التمثيل ، أي : كأنهم ينظرون إليك ، وهم لا يبصرون حقيقة .