Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 18-21)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱخْرُجْ مِنْهَا } . يحتمل { مِنْهَا } : من السماء . ويحتمل من الأرض . ويحتمل من الصورة التي كان فيها على ما قلنا في قوله : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } . وقيل : الجنة . وقوله - عز وجل - : { مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } . قيل : مذموماً مدحوراً ، أي : مذموماً ملوماً عند الخلق جميعاً . مدحوراً قيل : مقصيّاً مبعداً عن كل خير . قال أبو عوسجة : مذءوم ومذموم ومدحور واحد مباعد مطرود . وقوله : { ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } . أخبر - عز وجل - أنه يملأ جهنم من إبليس ومن تبعه وأطاعه ؛ لأنهم [ إنما ] يتبعونه ويطيعونه في الكفر والشرك بالله . تعلق الخوارج بظاهر قوله : { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } ، وكل مرتكب معصية تابع له ؛ لذلك استوجب الخلود . وقالت المعتزلة : كل مرتكب كبيرة بوعيد هذه الآية ؛ لأنه تابع له . وعندنا : ليس لهم في الآية حجة في تخليد من ذكروا في النار ؛ لأنه إنما ذكرت على أثر نقض الدين ورد التوحيد ؛ فكأنه قال : لمن تبعك في نقض الدين وردّ التوحيد لأملأن جهنم منكم أجمعين . وقوله - عز وجل - : { وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } . كان السكون في موضع من القرار فيه والأمن ؛ كقوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ يونس : 67 ] ؛ لتقروا فيه وتأمنوا ؛ فقوله لآدم : { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } أسكنهما عز وجل ليقروا فيها ويأمنوا من [ كل ما ] ينقصهما من تلك النعم التي أنعم عليهما ؛ لأن الخوف ، مما ينقص النعم ويذهب بلذتها ، فلما أسكنهما عز وجل الجنة أمنهما عن ذلك كله . ثم فيه أن أول المحنة والابتلاء من الله لعباده إنما يكون بالإنعام والإفضال عليهم ، ثم بالجزاء والعدل بسوء ما ارتكبوا ؛ لأنه عز وجل امتحن آدم أولاً بالإفضال والإنعام عليه ؛ حيث أسجد [ له ملائكته ] ، وأسكنه جنته ، ووسع عليه نعمه ، ثم امتحنه بالشدائد وأنواع المشقة ؛ جزاء ما ارتكبوا من التناول من الشجرة التي نهاه عن قربانها ، فهو ما ذكرنا أن [ شرط ] امتحانه عباده في الابتداء يكون بالإفضال والإنعام ، ثم بالعدل والجزاء لسوء صنيعهم . ألا ترى أنه قال : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] أخبر أن ما يصيبنا هو من كسب أيدينا وهو جزاء ما كسبنا . [ وفيها وفي غيرها من القصص والذكر دليل إثبات ] رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ؛ لأنه [ أخبر عما كان ] من غير أن اختلف إلى أحد ممن يعرف ذلك ولا نظر في الكتب التي فيها [ ذكرها ] دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى . ثم اختلف أهل التأويل في الجنة التي أسكن عز وجل آدم فيها وزوجته : قال بعضهم : [ هي ] الجنة التي يكون عود أهل الإسلام إليها في الآخرة ، ولهم وعد عز وجل تلك . وقال بعضهم : هي جنة أنشأها لآدم ليسكن فيها في السماء ، ولكن لا ندري ما تلك الجنة ، وليس لنا إلى معرفة تلك الجنة حاجة ، إنما الحاجة إلى ما ذكر من المحن . واختلف - أيضاً - في الشجرة التي نهي آدم عن قربانها : قال بعضهم : هي شجرة العلم . وقال بعضهم : هي شجرة الحنطة . وقد ذكرنا أقاويل أهل التأويل واختلافهم في صدر الكتاب قدر ما حفظناه . وكذلك اختلفوا في وسوسة الشيطان لآدم وحواء : أنه كيف وسوس إليه ومن أين كان ، وهذا - أيضاً - قد ذكرناه في تلك القصة . والحسن يقول : إنما وسوس إليهما من الدنيا لا أن كان دخل الجنة . وقال بعضهم : وسوس إليهما من رأس الجنة ومن فيها بكلمتهما . وقوله - عز جل - : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } . لم يرد [ به ] الدنو منها ، ولكن أراد الذوق والأكل منها ؛ لأنه قال : { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } [ الأعراف : 22 ] ، دل أن النهي لم يكن للدنو منها ، ولكن للذوق والأكل منها . وفيه : أن الامتحان من الله مرة يكون بالحل ، ومرة يكون بالحرمة ؛ لأنه أذن [ له ] التناول مما فيها من أنواع النعم ، وحرم عليه التناول من واحدة منها ؛ فذلك محنة منه ، ثم النهي عن التناول من الشيء يخرج على وجوه : أحدها : ينهى بحق الحرمة لنفسه ، وينهى بحق إيثار الغير عليه ، وينهى عن التناول منه لداء فيه وآفة ، وينهى لما يخرج التناول منها بحق الجزاء فلم يكن بعد وقت الجزاء له . وقوله - عز وجل - : { مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } . قوله : { مَا وُورِيَ } أي : ستر وغطي ، وسوءاتهما : عورتهما ، والسوءة : العورة في اللغة . وفيه أنه يجب أن نكون على حذر من شر إبليس اللعين ؛ لئلا يجد فرصة علينا ؛ فإنه أبداً على [ سلب ] النعم [ التي ] أنعمها الله على عباده ، حيث احتال كل حيلة ؛ حتى أبدى لهما ما ووري وستر عنهما من العورة وعمل في إخراجهما من النعم واللذات ؛ وأوقعهما في الشدائد والمشقة . وفيه أنه ليس [ حال ] عليه أشد من أن رأى أحداً في النعم والسعة . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } . قد ذكرنا معنى هذا - أيضاً - في صدر الكتاب . وقوله - عز وجل - : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } . قال الحسن قاسمهما في وسوسته إياهما إني لكما لمن الناصحين وهذا الذي يقول الحسن يومئ إلى أن آدم قد علم أنه الشيطان . وقال أبو بكر الكيساني : إنه قد وقع عند آدم أن الشجرة التي نهاه ربه أن يتناول منها هي المفضلة على جميع الشجر ، فلمّا وسوس إليه الشيطان ، وقال له ما قال : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] ؛ فوافق ظنُّه قول اللعين وما دعاهما إليه ، ثم اشتغل فنسي ذلك ؛ فتناول على النسيان [ والنسيان ] على وجهين : نسيان الترك على العهد ، ونسيان السهو ، ولا يحتمل أن يكون آدم ترك [ ذلك ] عمداً ؛ فهو على نسيان السهو ، إلى هذا يذهب أبو بكر الأصم أو كلام نحوه . وقرأ بعضهم قوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } ، بكسر اللام من الملك ؛ ذهب في ذلك إلى ما قال : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] . وقراءة العامة الظاهرة : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } ، بنصب اللام من الملائكة ، وقد ذكرنا جهة رغبة آدم في أن يصير ملكاً ؛ حيث تناول منها ، في صدر الكتاب على قدر ما حفظنا .