Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 22-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } . قال أبو عوسجة : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } ، أي : أوردهما ، يقال : دلاني فلان بحبل غرور ، أي : أنه زين [ لك ] القبيح حتى يرتكبه ، وأصل التدليه من الدلو ، وهو من الدعاء ، أي : دعاهما بغرور ، ودعاؤه إياهما بغرور ، هو قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] ، وقوله : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } . وقوله : { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } . فإن قيل : كيف خصّ السوءة بالذكر ، ومنته في اللباس في كل البدن لا في السوءة خاصة ؟ وكذلك قوله : { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } [ الأعراف : 26 ] ذكر منته فيما أنعم علينا من ستر العورة [ وذلك في العورة ] ، وفي غيرها من البدن في دفع البرد والحرّ وغير ذلك ؟ ! قيل : لأن كشف العورة مستقبح في الطبع والعقل جميعاً ، وأما كشف غيرها من البدن فليس هو بمستقبح في الطبع ولا في العقل ، وربما يبدي المرء لغيره من البدن سوى العورة عند الحاجة ، ويستر عند غير الحاجة ، وأما العورة فإنه لا يبديها إلا في حال الضرورة ؛ لذلك كان ما ذكر . أو أن يقال : إن المفروض من الستر هو قدر الضرورة ، والآخر يلبسه : إما بحق التجمل ، وإما بحق دفع البرد والحرّ والأذى ؛ لذلك [ كان ] تخصيصه بالذكر ، وإلا المنة والنعمة عظيمة في لباس غيره من البدن . فإن قيل : إن الله كنى عن الجماع مرة باللمس ومرة بالغشيان ، وعن الخلاء بالغائط ، وهو المكان الذي تقضى فيه الحوائج ، وكذلك جميع ما لا يستحسن ذكره مصرحاً فإنما ذكره بالكناية ، وهاهنا ذكر السوءة في العورة ؟ ! قيل : السوءة والعورة هما كناية ، لم يذكر الفرج ولا الذكر والدبر ؛ فهو كناية . والثاني : في ذكر تخصيص السوءة ؛ وذلك أن قصد الشيطان إنما كان إلى إبداء عورتهما لا غير . ألا ترى أن ذلك لم يجعل لغير البشر عورة تستر ؛ ولذلك خصّ الستر بالقبر إذا مات يقبر ؛ لأجل عورته ، ولا يقبر غيره من الدواب إذا هلك ، ولا يستر في حال حياته ؛ فخرج ذكر تخصيص السوءة لما ذكرنا أن اللعين قصد بذلك قصد إبداء عورتهما لا غير . ألا ترى أنه قال : { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } كان قصده إلى ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } . قال أبو عوسجة : طفقا ، أي : أخذا ، تقول طفقت أفعل كذا ، أي : أخذت ، والخصف : الخياطة في النعل والخف ، وهو مستعار هاهنا . وقال مجاهد : يخصفان ، أي : يرفعان كهيئة الثوب . وقيل : يخصفان : يغطيان . ثم قوله : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } . إما حياء أحدهما من الآخر أو حياء من الله تعالى ؛ ولهذا نقول : إنه يكره للرجل في الخلوة أن يكشف عورته ويبديها ، وعلى ذلك روي في الخبر أنه قال : " فالله أحق أن يُسْتَحيا منه " أو حياء أحدهما من الآخر ؛ لما بدت لكل واحد منهما عورة صاحبه ؛ ولهذا كره أبو حنيفة - رحمه الله - أن ينظر الرجل إلى فرج زوجته ، والمرأة إلى فرج زوجها . أو لما وقع بصر كل واحد منهما على عورته ؛ فذلك يكره - أيضاً - أن ينظر المرء إلى فرجه . ألا ترى أنه قال : { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } ولم يقل : ليبديهما ؛ فهذا يدل على أنه لا ينبغي أن ينظر إلى فرج زوجته ، ولا الزوجة إلى فرجه . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ … } الآية . يحتمل قوله : { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ } وحيا أوحى إليهما على يدي ملك ؛ كقوله : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] أضاف إلى نفسه ؛ لما ينفخ فيه بأمره ؛ فعلى ذلك هذا . أو إلهاماً ؛ ألهمهما كقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } [ القصص : 7 ] . [ وكقوله ] : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } [ طه : 38 - 39 ] . وكقوله : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } [ النحل : 68 ] ونحوه ؛ وإنما هو إلهام . وقوله - عز وجل - : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] . حيث أوقعناها في الشدائد وكد العيش . والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه . وقوله - عز وجل - : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } ، قال الحسن هن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ؛ بقوله : { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 37 ] ، قال آدم ما ذكر في الآية ، وكذلك [ قال نوح ] : { رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ هود : 47 ] ، وقال إبراهيم : { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ إبراهيم : 41 ] ، وقال نوح : { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً } [ نوح : 28 ] ، بعضه خرج على الأمر ، وبعضه على السؤال ، وكله على الدعاء والسؤال ليس على الأمر ، وإن خرج ظاهره مخرج الأمر ؛ لأن الأمر ممن هو دونه لمن فوقه [ دعاء وسؤال ، وممن هو فوقه لمن دونه ] أمر ، لو أن ملكاً من الملوك [ إذا أمر بعض خدمه بأمر أو بعض رعيته فهو أمر ] وإذا أمره بعضُ خدمه أو رعيته - الأميرَ - شيئاً ، فهو ليس بأمر ، ولكنه سؤال ودعاء ؛ فعلى ذلك دعاء الأنبياء - عليهم السلام - ربهم . فإن قيل : إن الرسل سألوا ربهم المغفرة لزلاتهم ، فلا يخلو : إما أن أجيبوا في ذلك ، أو لم يجابوا ؛ فإن لم يجابوا فيما سألوا ، فهو عظيم ، وإن أجيبوا في ذلك - والمغفرة في اللغة : الستر - كيف ذكرت زلاتهم في الملأ إلى يوم القيامة ؟ قيل : لوجوه : أحدها : [ أنهم ] لما ارتكبوا تلك الزلات عظم ذلك عليهم ، واشتغلت قلوبهم بذلك ؛ لعظيم ما ارتكبوا عندهم ، لم يخطر ببالهم عند سؤالهم المغفرة ستر ذلك على الناس ، وكتمانها عنهم بعد أن أجاب الله بالتجاوز عنهم في ذلك . أو أن يقال : أراد بإفشاء ذلك وإظهاره إيقاظ غيرهم وتنبيههم في ذلك ؛ ليعلموا أن الرسل مع جليل قدرهم ، وعظيم منزلتهم عند الله لم يحابهم في العتاب والتوبيخ بما ارتكبوا ؛ فمن دونهم أحق في ذلك . أو أن ذكر ذلك ؛ ليعلموا أنه ليس بغافل عن ذلك ، ولا يخفى عليه شيء ، والله أعلم بذلك . وقوله : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } ، وقال : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] ، وقال : { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] ، فأعلمنا الله - عز وجل - أن آدم نسي أمر ربّه ؛ فقال قوم من أهل العلم : أكل آدم من الشجرة وهو ناس لنهي الله أياه عن أكلها ، وكان أكله منها ظلماً منه لنفسه وعصياناً لربّه ، وإن كان فعل ذلك ناسياً . ثم إن الله تفضل على أمة محمد ؛ فرفع عنهم في الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . وقال قوم يعني قوله : { فَنَسِيَ } أي : ترك أمر ربه من غير نسيان ، وقالوا : هذا كقول الله : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] . ولا ندري كيف كان ذلك . وقال بعض أهل العلم : إن الخطأ والنسيان في الأحكام موضوع بهذا الحديث ، فيقال : فما تقولون في قتل الخطأ : هل فيه الدية والكفارة ؟ وما تقولون في رجل أفسد متاع رجل وأحرقه ناسياً أو مخطئاً ؟ فإن قالوا : ذلك لازم عليه ؛ قيل فكيف قلتم : إن الحديث جاء في الأحكام ، وأنتم توجبون الضمان ؟ وقال بعضهم وجه الحديث عندنا : أن الأمم قبل أمتنا كانت مأخوذة بالخطأ والنسيان فيما بينها وبين ربها ، فرفع الله تعالى الحرج عن هذه الأمة في ذلك ؛ تفضلاً منه علينا من بين الأمم ، فأما الغرامات والضمانات في الأحكام التي بين الناس [ فهي لازمة لهم ] خطأ فعلوا أو عمداً ، والله أعلم . وفي قوله : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } دلالة النقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر . ثم من قوله : إن الرسل والأنبياء معصومون عن الكبائر ، فزلة آدم [ لا شك أنها صغيرة لما ذكرنا ، ثم قال : إن لم يغفر لكان من الخاسرين فإذا لم يكن له أن يعذبه فيصير وكأنه قال أجرمت وخطئت علينا لتكونن من الخاسرين ، وفائدة تقدير آدم ] وحواء أن يكونا من الملائكة لأن المَلَكَ [ كما ذكرنا أنه ] لا يفتر عن العبادة ، ولا يعصي … ربه ، ولا يحتاج إلى شيء من المؤنة ، ومن قرأ : ملكين ؛ لأن الملك يكون نافذ الأمر والنهي في مملكته ، وذلك مما يرغب فيه . أو أن يكون [ أراد ] بذلك ؛ ليشغلهما عن نهي ربهما ؛ حتى ينسيا ذلك فيتناولا من تلك الشجرة على ما فعلا وفيما ذكر الخلود لأنه ليس بشيء ألذ ولا أشهى من الحياة . والأشبه أن يقال : إنه لم ينسيا نهي الله إياهما عن التناول منها ولكن نسيا قوله : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [ البقرة : 35 ] ؛ لذلك تناولا ، ولو ذكرا قوله : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } ما تناولا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : آدم وحواء وإبليس والحية . وقال الحسن : آدم ووسوسة الشيطان لأن من قوله : إن الشيطان لم يكن في السماء ، إنما وسوس آدم وحواء من بعد ؛ فالأمر بالهبوط [ لوسوسة الشيطان ] ؛ ولذلك بقيت في أولاده إلى يوم القيامة . وقال بعضهم : دل قوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } على أن الأمر بالهبوط إنما كان من السماء وكانوا في السماء . ثم قوله : { ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } كأن الأمر بالهبوط لم يكن معاً ؛ لأن إبليس أمر بالهبوط حين أبى السجود وآدم وحواء حين تناولا من الشجرة ، ثم جمعهم في الأمر بالهبوط ؛ ليعلم أن ليس في الجمع بالذكر دلالة وجوب الحكم والأمر مجموعاً . وقوله - عز وجل - : { ٱهْبِطُواْ } لا يفهم منه الهبوط من الأعلى . ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [ البقرة : 61 ] أي انزلوا فيه . وقوله : { عَدُوٌّ } ، وهو عدو لنا إما بالكفر ، وإما بالسعي في هلاكنا ، وكل من يسعى في هلاكنا فهو عدو لنا ونحن عدو له . وقوله - عز وجل - : { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } . قيل : إلى منتهى آجالكم ، وإبليس : إلى النفخة الأولى . ويشبه أن يكون هذا ليس على التوقيت ، ولكن على الدوام والقرار فيها . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } [ الأعراف : 25 ] . قيل : الأرض [ فيها ] تعيشون ، وفيها تموتون عند انقضاء آجالكم ، ومنها تخرجون في القيامة .