Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-202)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } يتوجه وجهين : أحدهما : على حقيقة الأخذ . والثاني : على العمل بالعفو . فإن كان على الأخذ فهو على وجهين : [ الأول : ] يحتمل أن خذ الفضل الذي لا حق فيه ، وهو القليل من ذلك واليسير . والثاني : أن خذ ما يفضل من أنفسهم وحوائجهم من غير مسألة ، أي : اقبل منهم ما أعطوك ، ولا تلح في المسألة ؛ كقوله : { وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } [ محمد : 36 - 37 ] ؛ أخبر أنه إن يسألهم أموالهم حملهم ذلك على البخل . وإن كان على العمل فهو على وجوه : أي : اعف [ عن ] الظلمة ، عن ظلمهم ، وأعرض عن السفهاء واحلم معهم ؛ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعامل الخلق بأشياء ثلاثة : أمر أن يعفو عن الظلمة عن ظلمهم ، لا يكافئهم بظلمهم ، وأمر أن يعرض عن السفهاء والجهال ويحلم معهم ، وأمر أن يعامل المؤمنين باللين والرفق ؛ ولذلك وصفه بالرحمة والرأفة بقوله : { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . وروي عن عبد الله بن الزبير قال : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } قال : ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس . وعن قتادة : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } قال : خلق حسن أمر الله به نبيه ودعاه إليه . إلى هذا ذهب بعض أهل التأويل ، وإلى ذلك صرف تأويل الآية . وقال بعضهم : هو أخذ الفضل من المال على ما ذكرنا ؛ فهو منسوخ بآية الزكاة . وروي في حرف ابن مسعود وأبي : ( خذ العفو وأمر بالعرف وانه عن المنكر وأعرض عن الجاهلين ) . وفيه دلالة [ أنه ] أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والمعروف : هو اسم كل خير ، وأمره بأن يأخذ بالعفو عن الظلمة ، على ما ذكرنا ، وعلى ذلك روي عن عائشة قالت : " كان رجل يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذيه ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأوسع له ، وأدناه ، ورحب به ؛ قالت : فقلت : يا رسول الله ، أليس هذا كان يشتمك ؟ قال : " بلى يا عائشة ؛ إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرورهم وألسنتهم " " إلى مثل هذا دعى رسول الله بالعفو والصفح عن الظلمة وترك المكافأة . وقوله : { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } أي : مر الناس بالعرف ، وهو ما تشهد خلقتك وتأمرك به أشياء ثلاثة ، اثنان فيما بينه وبين ربه ، والواحد فيما بينه وبين الناس ؛ أمّا الاثنان اللذان فيما بينه وبين ربه : أحدهما : تأمر خلقته ، وتشهد على وحدانية الله ، والدلالة على ألوهيته . والثاني : تشهد على نعم الله إليه فيدعوه إلى الشكر له فيما أنعم [ الله ] عليه . وأما الوجه الذي تدعو خلقته فيما بينه وبين الناس : فهو ما ترغب نفسه في كل محاسن ومرغوب فيه ، وتنفر نفسه عن كل أذى وسوء ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعامل الخلق بما ترغب نفسه وتطمع في المحاسن ، وتنفر عنه وتكره ، يفعل إليهم في كل ما ترغب نفسه فيه وتطمع ، ويمتنع عن كل أذى وسوء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ } . قال بعضهم : النزغة هي أدنى أفعال المعصية ؛ وكذلك فسره ابن عباس - رضي الله عنه - يقول : إذا أذنبت ذنباً فاستعذ بالله . وقال القتبي : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ } أي : يستخفنك ، ويقال : نزغ شيئاً : إذا أفسده . وقال أبو عوسجة : النزغ : التحريك للفساد . وقال بعضهم : قوله : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } أي : يوسوسك الشيطان وسوسة فاستعذ بالله . ثم في الاستعاذة وجهان : أحدهما : أمره بالفزع إلى الله عند ما يوسوسه الشيطان والالتجاء إليه ؛ لما رأى نفسه عاجزة عن دفع ما يوسوس إليه ، ورد ما يكون ؛ فهو الدافع عنه ذلك وهو الراد . وقال الخليل : أعوذ بالله ، أي : ألجأ إلى الله - تعالى - وكذلك قوله : أستعيذ بالله ، ومعاذ الله معناه : أعوذ بالله ، ومنه الإعاذة والتعوذ والتعويذ . وقال غيره : أعوذ بالله ، أي : أمتنع بالله . وقيل : أعوذ بالله ، أي : أتحصن بالله . وقيل : الاستعاذة : هي الاستغاثة بالله ؛ لدفع ما اعترض له من الشيطان . وكله قريب بعضه من بعض . ثم الحكمة فيما جعل عدوهم من غير جنسهم من حيث لا يرونه ويراهم وجهان : أحدهما : ليكونوا أبداً على التيقظ والانتباه ، غير غافلين عنه . والثاني : ليكونوا أبداً فزعين إلى الله - تعالى - متضرعين إليه ، مبتهلين ؛ ليكون هو الحافظ لهم ، والدافع عنهم شره ووسواسه . وفيما أمر بالفزع إلى الله والاستعاذة به عند نزغ الشيطان نقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : قد أعطاهم جميع ما يدفعون به وساوسه ونزغاته ، حتى لم يبق عنده شيء يعيذه ؛ فعلى قولهم يخرج طلب الإعاذة مخرج كتمان النعمة ، أو مخرج الهزء به ؛ [ أما الهزء به ] لأنه يسأله ما يعلم أنه ليس ذلك عنده . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } . وقرئ : ( طيف من الشيطان ) ؛ فمن قرأ : ( طيف ) قال : [ أي ] اللمة [ و ] الخطرة [ و ] الشيء يغشيك . وقال : وأما الطائف فهو من الطواف . وقيل : الطيف : الوسوسة . وقيل : ما يأتيك من الشيطان . وقيل : الطائف والطيف سواء . وعن ابن عباس : { إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } قال : إذا أذنبوا ذنباً { تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } يقول : تذكروا ذنوبهم فتابوا منها ، وكذلك قال في قوله : { يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ } : هو أدنى ذنب يرتكبه ، فإن كان على هذا فهو يخرج على النهي عن ذلك ، فهو كالمخاطبات التي خاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } [ الأنعام : 35 ] ، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ البقرة : 147 ] ، وإن كان يعلم أنه لا يشك ولا يجهل ولا يشرك غيره في أمره ؛ فعلى ذلك هذا الخطاب الذي خاطبه بقوله : { يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ } . وإن كان ما ذكر هو من أدنى ذنب يرتكبه ، فهو يخرج ذلك على تعليمه أمته أن كيف يفعلون إذا اعترض لهم ذلك ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ } . [ يحتمل أن يكون قوله ] : { ٱتَّقَواْ } مكائد الشيطان ؛ إذا أصابهم شيء من ذلك تذكروا ذلك ، فعرفوا أنه من الشيطان ، { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } أي : أبصروا أنه من الشيطان . أو أن يقال : أي : هم من أهل البصر يبصرون عما اتقوا به أنه من الشيطان . ويحتمل قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } المعاصي ، إذا أصابتهم وسوسة من الشيطان تذكروا ذلك . وقال بعض أهل التأويل : قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي : اتقوا الشرك ، لكن لا كل من اتقى الشرك يكون كما ذكر . وقوله : { إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ … } الآية . يحتمل وجوهاً : أحدها : إذا مسهم ذلك تابوا عما كان منهم ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً … } الآية [ آل عمران : 135 ] . والثاني : { تَذَكَّرُواْ } وجوه حيل دفع وساوسه . والثالث : { تَذَكَّرُواْ } استعاذوا به حيث أمرهم بالاستعاذة به عند النزغة . وقوله - عز وجل - : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } . قال بعض أهل التأويل : قوله : { وَإِخْوَانُهُمْ } يعني : إخوان الكفار الشياطين ، { يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ } قالوا : في الشرك والمعصية ، { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } ، عنها ؛ أي : لا ينتهون عنها ، ولا يبصرونها كما أبصر الذين اتقوا عنها حين أبصروها . ويحتمل أن يكون قوله : { وَإِخْوَانُهُمْ } يعني : أصحاب الذين اتقوا ، وهم شياطينهم من الإنس يدعونهم إلى دينهم ، لكنهم لا يجيبونهم ولا يطيعونهم فيما يدعون إليه ؛ إذ يجوز أن يكون لكل مؤمن شيطان من الإنس وشيطان من الجن ؛ كقوله : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } [ الأنعام : 112 ] فقد دعا أولئك شياطين الجن فتذكروا فلم يجيبوهم ، ثم دعاهم شياطين الإنس - أيضاً - فلا يجيبونهم ، والله أعلم .