Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-30)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : كل معصية فاحشة ، والفاحشة : كل ما عظم فيه النهي ، فإذا ارتكبوا ذلك فهو فاحشة . وقال مجاهد : فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة . وقال غيره من أهل التأويل : الفاحشة هو ما حرموا من الحرث والأنعام والبنات ، وغيره من نحو السائبة والحامي وغيره ، لكن الفاحشة ما ذكرنا : أن كل ما عظم النهي فيه والزجر فهو فاحشة ، والفاحشة هو ما عظم من الأمر ، يعرف ذلك بوجهين : أحدهما : يعظم ذلك في العقل ، والثاني : بالسمع يرد فيه . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } . ادعوا في ذلك أمر الله ورضاه به ، ويقولون : لو لم يرض بذلك ولم يأمر ، لكان ينكلهم وينتقم منهم ، يعنون آباءهم ، فاستدلوا بتركهم وما فعلوا على أن الله قد كان رضي بذلك ، وأمرهم أن يفعلوا ذلك ؛ فدل تركه إياهم على ذلك على أنه قد أمرهم بذلك ، ورضي عنهم ؛ كمن يخالف في الشاهد ملكاً من الملوك في أمره ونهيه ، فإنه ينكله على ذلك وينتقم منه ؛ إذا كان قادراً على ذلك ، فإذا لم يفعل ذلك به دل ذلك منه على الرضا به ؛ فعلى ذلك الله : لما لم ينتقم منهم ولم ينكلهم ، دل ذلك على الرضا والأمر به . والثاني : كأنهم أخذوا ذلك من المسلمين لما سمعوا من المسلمين قالوا : " ما شاء الله كان " ظنوا أن ما كان من آبائهم كان بأمر من الله ورضاه ، لم يفصلوا بين المشيئة والأمر : المشيئة والإرادة [ هي ] صفة فعل كل فاعل يفعله على الاختيار ، نحو أن يقال : شاء فعل كذا ، أو أراد أمر كذا ، ولا يجوز أن يقال : أمر نفسه بكذا ، أو نهى نفسه عن كذا . وأما قولهم : إن لم ينكل آباءهم ، ولم ينتقم منهم بما فعلوا ، دل أنه رضي بذلك ، فيقال : إن فيهم من فعل على خلاف فعلهم وغير صنيعهم ضد ما فعل أولئك ، ثم لم يفعل بهم ذلك ، فهل دلّ ذلك على الرضا منه بذلك ؛ فإن قلتم : بلى [ فقد ] رضي بفعلين متضادين . وإن قلتم : لا فكيف دلّ ذلك في أولئك على الرضا والأمر ، ولم يدل فيمن فعلوا بخلاف فعلهم ؛ فهذا تناقض ؟ ! وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم . قوله - عز وجل - : { قُلْ } لهم يا محمد . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . إن الله أمر بهذا وحرم هذا ، وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } [ الفحشاء ] : هو ما ذكرنا ما عظم النهي فيه ، أو كل ما يشتد فيه النهي ويغلظ أو يكثر هو الفحشاء . ألا ترى أنه يقال لكل شيء يكثر : فحش ، من نحو الكلام وغيره أنه إذا خرج عن حدّه وجاوزه يقال : فحش ؛ فعلى ذلك الفحشاء - هاهنا - هو ما جاوز حده في القبح ، أو جاوز الحد من الكثرة ، وهم قد أكثروا الافتراء على الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قال بعضهم : بل تقولون على الله ما لا تعلمون : إنه أمر بذلك . وقيل : قوله : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ } أي : تعلمون أنكم تقولون على الله ما لا تعلمون ؛ لأنهم لم يكونوا يؤمنون بالرسل ، ولا كان لهم كتاب ، فكيف تعلمون أن الله أمركم بذلك ، وهو كقوله : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] لا يجوز ألا يعلم الله ، ولكن على النفي لذلك ، ليس كما تقولون وتنبئون ، ولكن يعلم خلاف ذلك وضده ، ويكون في نفي ذلك إثبات غيره ؛ فعلى ذلك يعلمون أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون . وأسباب العلم بهذا : إما الرسل يخبرون عن الله ذلك ، وإما الكتاب يجدونه فيه مكتوباً ، فيعلمون فتتسع الشهادة بذلك ، وهم قوم لا يصدقون الرسل ، ولا يؤمنون بخبرهم ، وليس لهم كتاب - أيضاً - يقرءونه ، فما بقي إلا وحي الشيطان إليهم ؛ كقوله : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } [ الأنعام : 121 ] . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } . والقسط : هو العدل في كل شيء : في القول والفعل وغيره ، كقوله : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } [ الأنعام : 152 ] ، وكقوله - تعالى - : { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } [ النساء : 135 ] ، وأصل العدل : هو محافظة الشيء على الحد الذي جعل له ، ووضعه موضعه . وقوله - عز وجل - : { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } . اختلف فيه ؛ قيل : { أَقِيمُواْ } ، أي : سووا وجوهكم نحو الكعبة ، { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، أي : في كل مكان تكونون فيه ، وهو كقوله : { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [ يونس : 87 ] أي : اجعلوا بيوتكم نحو الكعبة ؛ كقوله - تعالى - : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ البقرة : 144 ] . وقيل : { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } ، أي : اجعلوا عبادتكم لله ، ولا تشركوا فيها غيره ؛ كقوله : { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } ، ويشبه أن يكون الوجه كناية وعبارة عن الأنفس ؛ كأنه قال : أقيموا أنفسكم لله ، لا تشركوا فيها لأحد شركاً كقوله : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ } [ لقمان : 22 ] أي بجعل نفسه لله سالماً . وقوله - عز وجل - : { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } . يحتمل الدعاء نفسه ، أي : ادعوه ربّاً خالقاً ورحماناً ، { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } : بالوحدانية والألوهية والربوبية . ويحتمل قوله : { وَٱدْعُوهُ } ، أي : اعبدوه مخلصين له العبادة ، ولا تشركوا غيره فيها . ويحتمل : أي : دينوا بدينه الذي دعاكم إلى ذلك وأمركم به . وقوله - عز وجل - : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } . قال قائلون : هو صلة قوله : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } [ الأعراف : 25 ] ؛ كأنهم سألوا مما يعودون إذا بعثوا ، فقال : { كَمَا بَدَأَكُمْ } : خلقكم ، { تَعُودُونَ } مثله . ويحتمل أن يكون هو صلة قوله : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] ، يعودون كما كانوا في البداءة : الكافر كافراً ، والمؤمن مؤمناً . وقوله - عز وجل - : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } : هو من الدائمة ، ليس من الابتداء ؛ لأنه لا يجوز أن يقال لصبي : كافر أو مؤمن ، وهو الدوام والمقام فيه إلى وقت الموت ، وهو في [ الدنيا ] البداءة ، وفي الآخرة الإعادة ، وهو كقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } [ الروم : 27 ] ، وقوله : { يَبْدَؤُاْ } ليس يريد ابتداء نشوئه ؛ ولكن كونه في الدنيا ؛ فعلى ذلك قوله : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ … } الآية ، يخرج على وجهين : أحدهما : أي : كما كنتم في الدنيا تعودون في الآخرة كذلك : المؤمن مؤمن والكافر على كفره . والثاني : كما أنشأكم في الدنيا لا من شيء ؛ فعلى ذلك يبعثكم كذلك ، لا يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { فَرِيقاً هَدَىٰ } . بما هداهم الله بفضله . { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } . بما اختاروا من فعل الضلال ؛ فأضلهم الله ؛ كقوله : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } [ الرعد : 27 ] ، وقوله : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] . وقوله - عز وجل - : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } . فيه [ دلالة ] لزوم الحجة والدليل في حال الحسبان والظن إذا كان بحث الإدراك والوصول إليه ؛ لأنه قال : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 37 ] فيه أنهم عند أنفسهم مهتدون ، ولم يكونوا ، ثم عوقبوا على ذلك ؛ دل أن الدليل والحجة قد يلزم ، وإن لم يعرف بعد أن [ كيف ] يكون سبيل الوصول إلى ذلك ، وهذا يرد قول من يقول بأن فرائض الله لا تلزم إلا بعد العلم بها والمعرفة .