Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 31-33)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } . يحتمل أن يكون الخطاب - وإن خرج مخرج الأمر - بأخذ الزينة واللباس ، فهو على النهي عن نزعها ؛ لأن الناس يكونون آخذين الزينة وساترين عوراتهم غير بادين بها فإذا كان كذلك فهو على النهي عن نزع لباسهم وإبداء عوراتهم ، وهو ما ذكر في بعض القصّة أن أهل الشرك كانوا إذا طافوا بالبيت نزعوا ثيابهم ، ويقولون : لا نطوف في ثيابنا التي أذنبنا فيها ، فإن كان التأويل [ ما ] قال ابن عباس وهؤلاء : فيكون فيه إضمار ؛ كأنه قال : خذوا زينتكم عند هذا المسجد ، كما تأخذون عند كل مسجد سواء . وإلا خرج تأويل الآية على وجوه : أحدها : يقول : صلوا في كل مسجد ، ذكر هذا لمن لا يرى الصلاة إلا في مسجده ، على ما روي : " أن لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " . والثاني : [ يقول ] : صلوا بكل مسجد ، وبكل مكان ؛ كقوله - عليه السلام - : " جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً " . والثالث : بجعل الزينة العبادة نفسها ؛ بقوله : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } . ويحتمل ما ذكره أهل التأويل : كانوا يستعيرون من أهل مكة ثياباً يطوفون فيها ، فإن لم يجدوا بها طافوا فيها عراة بادين عوراتهم ، فنهاهم الله - تعالى - عن ذلك ، وقال : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، أي : لا تنزعوا ثيابكم التي على عوراتكم ؛ فهو على النهي عن نزع الثياب وإبداء العورة ، وكذلك قوله : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } . يخرج على النهي عما حرموا على أنفسهم من أنواع المنافع والنعم التي أحل الله لهم : من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، ومن نحو ما حرموا من الزرع والطعام ، وكقوله : { وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } الآية [ الأنعام : 138 ] ، خرج قوله : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } على النهي عما حرموا مما أحل لهم ، لا على الأمر بالأكل والشرب ؛ [ لأن كل أحد يأكل ويشرب ] ولا يدع ذلك ؛ فدل أنه خرج على النهي عما حرموا ؛ كأنه قال : لا تحرموا [ ما تحرمون ] ولكن كلوا واشربوا وانتفعوا بها . فإن كان على ابتداء الأمر بأخذ الزينة ، فهو - والله أعلم - أمر بأخذ الزينة والتجمل عند كل مسجد ، والمسجد هو مكان كل عبادة ونسك ، على ما يكون في غير ذلك من الأوقات يتزينون ويتجملون عند اجتماع الناس ؛ فعلى ذلك يكونون في مكان العبادة والنسك . أو أن يكون لما في المسجد من اجتماع الناس للعبادة ، فأمروا بستر عوراتهم في ذلك . ويكون قوله : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } ، أي : كلوا واشربوا واحفظوا الحدّ في ذلك ولا تجاوزوه ، وهو نهي عن الكثرة . أو ما ذكرنا أنه نهاهم عن التحريم وترك الانتفاع بها ، وفي تحريم ما أحل الله وترك الانتفاع بها إسراف . { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } ؛ لأنه لا يحب الإسراف ، وقد ذكرنا أن المفروض من الستر هو ما يستر به العورة ، وأما غيره فإنما هو على دفع الأذى والتجمل . ألا ترى أنه قال : { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } [ الأعراف : 27 ] ، وقال : { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } [ الأعراف : 26 ] ، منّ علينا بما أنزل مما نستر به عوراتنا ، وإن كانت له المنة في الكل ، وذلك [ - أيضاً - ] قبيح في الطبع أن ينظر أحد إلى عورة آخر ، وعلى ذلك جاءت الآثار في الأمر بستر العورة ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " احفظ عورتك ، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " ، فقيل : يا رسول الله ؛ فإن كان بعضنا في بعض ، فقال : " إن استطعت ألا تظهر عورتك فافعل " ، فقيل : فإذا كان أحدنا خالياً ، فقال : " فالله أحق أن يُسْتَحْيا منه " . وعنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة " ، ومثله كثير ، وفيما ذكرنا كفاية ؛ وعلى ذلك يخرج الأمر بالإخبار بستر العورة ؛ ألا ترى أنه قال - تعالى - : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ … } [ المائدة : 31 ] الآية ، لئلا تُرَى عورته ؛ لأنه يكون جفاء . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } . قال أبو بكر الأصم : الزينة - هاهنا - : هي اللباس ؛ لأنه ذكر على أثر ذلك اللباس ، وهو قوله : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد } ، والطيبات من الرزق : ما حرموا مما أحل الله لهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك ، مما كانوا يحرمون الانتفاع به ؛ كقوله : { وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } [ الأنعام : 138 ] . وقال الحسن : زينة الله هي المرْكَب ؛ كقوله : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] جعل الله ما يركب زينة للخلق ، وهم كانوا يحرمون الركوب والانتفاع بها ، فقال : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } ، وقال : { وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } : ألبانها ولحومها . وقال غيره من أهل التأويل : زينة الله - هاهنا - : النبات وما يخرج من الأرض مما هو رزق للبشر ، والدواب جميعاً ؛ كقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ … } [ الكهف : 7 ] الآية ، وكقوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] سمى لنا ما أخرج من الأرض : زينة . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . اختلف فيه ؛ قال الحسن : هي ، يعني : الطيبات خالصة للمؤمنين في الآخرة لا يشاركهم الكفرة فيها ، فأمّا في الدنيا فقد شاركوهم ؛ فالتأويل الأول يخرج على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة ، وفي الحياة الدنيا لهم جميعاً ؛ كقوله : { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 126 ] . ويحتمل قوله : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ؛ لأنهم لم يحرموا الطيبات التي أحلّ الله لهم ، بل انتفعوا بها ، وحرمها أولئك ولم ينتفعوا بها ، فكانت هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ؛ لما انتفعوا بها في الدنيا ، وتزودوا بها للآخرة ، وكانت [ لهم ] خالصة يوم القيامة ، وإنما كان خالصاً لهم يوم القيامة ، لما لا يكون لأهل الشرك ذلك ؛ لما لم يتزودوا للمعاد ، [ و ] قد كانت لهم في الدنيا لو لم يحرموها وانتفعوا بها . وفي قوله - تعالى - : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } دليل إباحة الزينة والتناول من الطيبات ، وقد يحتمل أن يكون خرج على النهي والإنكار على ما كان يفعله أهل الشرك ؛ من نحو تحريم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، فقال : قل من حرم ما حرمتم إذا لم يحرمه الله . ألا ترى أنه قال : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } يقول - والله أعلم - لم يحرم ما حرمتموه من هذه الأشياء ؛ ولكن حرم الفواحش وما ذكر ، ولم يذكر جوابهم أنهم ماذا يقولون ؛ فهو يخرج على وجهين : إن قالوا : حرمه الله ، فيقال لهم : من حرمه وأنتم قوم لا تؤمنون بالرسل والكتب ؟ ! فإن قالوا : حرمه فلان ، فيقال : كيف صدقتم فلاناً في تحريم ذلك ؛ ولا تصدقون الرسل فيما يخبرون عن الله - تعالى - مع ظهور صدقهم ؟ ! يذكر سفههم في ذلك . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } ؛ كأنه يقول : ليس لأحد تحريم ما ذكرنا ؛ إنما التحريم إلى الله ، وإنما حرم ما ذكر ، وقد يحتمل ما ذكرنا من نزعهم الثياب عند الطواف ويطوفون عراة ، على ما ذكر في القصة ، وإلى هذا يذهب ابن عباس والحسن وقتادة وعامة أهل التأويل ، وعلى ذلك يخرج ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ حيث قال ] " ألا لا يطوفنَّ بهذا البيت عريان ولا مُحْدث " وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } . أي : نبين الآيات . { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . أي : لقوم ينتفعون بعلمهم ، أو نقول : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } ، أي : كذلك نفصل حكم آية من حكم آية أخرى ، نفصل هذا من هذا ، وهذا من هذا . وقوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } إنه إذا لم يفهم من زينة الله ما يفهم من زينة الخلق - لأن زينة الخلق ما يتزينون به ويتجملون - لا يجب أن يفهم من استوائه استواء الخلق ، ولا من مجيئه مجيء الخلق ؛ لأن استواء الخلق هو انتقال من حال إلى حال ، ولا يجوز أن يفهم منه ذلك ، على ما لم يفهم من زينة الله . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } . يشبه أن تكون هذه الآية مقابل قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ النحل : 90 ] ، كما خرج آخر الآية وهو قوله : { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ } [ النحل : 90 ] مقابل الأول وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ } [ النحل : 90 ] ، والنهي [ هناك نهي ] تحريم [ كالتنصيص على التحريم هاهنا ] ، وتكون الفحشاء التي ذكر في هذه الآية الفواحش التي ذكر في تلك ، والمنكر الذي ذكر هاهنا هو الإثم الذي ذكر في تلك ، وذكر البغي هاهنا وهنالك . ثم الفحشاء : هو الذي ظهر قبحه في العقل ، والسمع . والمنكر : هو الذي ظهر الإنكار فيه على مرتكبه . والإثم هو الذي يأثم المرء فيه . والبغي : هو من مظالم الناس يظلم بعضهم على بعض . وقال بعضهم : الفواحش هن الكبائر ، والإثم هو الصغائر ، والبغي هو أخذ ما عصم من مال أو نفس بعقد الإسلام ، على ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أمرت أن أقاتل الناس ؛ حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " ، فكل ما صار معصوماً بالإسلام من مال أو نفس ، فأخذ ذلك بغي وظلم إلا ما ذكر بحقها . وأصل البغي هو المجاوزة عن الحدّ الذي جعل له . وقال أهل التأويل : الفواحش هي الزنى ، ما ظهر منها علانية ، وما بطن منها : سرّاً ، لكن الفواحش ما ذكرنا أن ما [ ظهر قبحه ] في العقل وفحشه السمع [ فهو فاحشة ، والفواحش هي ما ذكرنا أن ما قبح في العقل والسمع وأفحش فيهما ] فهي الفاحشة . وأصل المنكر : كل ما [ لا ] يعرف ؛ كقول إبراهيم : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الحجر : 62 ] ، والمنكر : ما أنكره العقل والسمع أيضاً . وقوله - عز وجل - : { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } . أي : وحرم - أيضاً - أن تشركوا بالله . وقوله - عز وجل - : { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } : ليس على أنه ينزل سلطاناً على الإشراك بحال ؛ ولكن على أنهم يشركون بالله من غير حجج وسلطان ؛ لأن أهل الإسلام هم الذين يدينون بدين ظهر بالحجج والآيات ، وهم يدينون بدين لا يظهر بالحجج والآيات ، ولكن بما هوت أنفسهم واشتهت . ويحتمل قوله : { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } ، أي : عذراً ؛ لأنه يجوز أن يعذر المرء بحال في إجراء كلمة الكفر على لسانه عند الإكراه ، ولا يصير به كافراً إذا كان قلبه مطمئناً بالإسلام ومنشرحاً به ؛ كقوله : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [ النحل : 106 ] أي : يشركون بالله من غير أن ينزل بهم حال عذر . وقوله - عز وجل - : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . أي : يعلمون أنهم يقولون على الله ما لا يعلمون أنه حرم كذا ، وأمر بكذا . وقوله : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يحتمل وجهين : أحدهما : أنكم تقولون على الله ما لا تعلمون ] هذا على الجهل ، والأول على العلم ؛ كقوله : { أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ } [ يونس : 18 ] ، أي : تنبئون الله بما يعلم أنه ليس ما تقولون .