Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 50-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } . قال الحسن : الماء مما رزقهم الله ، ولكن مكرر مثنى . وقال أبو بكر : طلبوا الماء ؛ ليدفعوا عن أنفسهم ما اشتد بهم من الظمأ والعطش ، ثم تقع لهم الحاجة إلى الطعام ؛ لأن الرجل إذا اشتد به العطش والظمأ لا يتهيأ له الأكل . ولكن يشبه أن يكون طلب بعضهم الماء وبعضهم الطعام الذي رزقهم الله ، وهذا جائز ، وإن لم يذكر ؛ كقوله : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، لم يكن هذا القول من الفريقين ؛ ولكن كان من اليهود { إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً } ، ومن النصارى : { أَوْ نَصَارَىٰ } ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . قيل : هذا مقابل قولهم في الدنيا للمؤمنين : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] ، قال لهم المؤمنون في الآخرة مقابل ما قالوا لهم في الدنيا : { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } . وهذا - والله أعلم - ليس على التحريم ، ولكن على المنع ؛ لأن الكفرة لا ينالون بعد أن نالوا ذلك حراماً كان أو حلالاً ، ولكن على المنع ؛ كقوله - تعالى - : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [ القصص : 12 ] ليس هو تحريم حرمة أكل ، ولكن منع ، ويشبه أن يكون ذلك محرماً على المؤمنين إطعام الكافرين من ذلك . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } . قال الحسن : اتخذوا دينهم الذي كلفوا به وأمروا أن يأتوا به لهواً ولعباً . وجائز أن يكون قوله : { ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } أي : اتخذوا دينهم الملاهي التي كانوا يلهون ويلعبون ؛ كقوله : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } [ الأنفال : 35 ] أي : اتخذوا دينهم الذي دانوا به لهواً ولعباً ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، وفي إنكارهم البعث إنكار الجزاء للحسنات والسيئات ، وفي الحكمة إيجاب ذلك ، فمن لم ير ذلك فهو لاه ولاعب ، واللهو واللعب هو الذي لا عاقبة له ، وكل من عمل عملاً لا عاقبة له فهو لعب ولهو ، وكل من يعمل لعاقبة فهو ليس بلعب ولا لهو ، وهم كانوا يعملون لا لعاقبة ؛ لذلك كان لهواً ولعباً . وقوله - عز وجل - : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } . قال بعضهم : إن الحياة الدنيا لا تغر أحداً ، ولكن أضيف إليها التغرير لما كانت سبباً من أسباب الاغترار بها ، فأضيف إليها ؛ كقوله : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 6 ] أضاف الفرار إلى الدعاء ، وقد يضاف الشيء إلى سببه ؛ كقوله : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] ، أي : يبصر به . وقال بعضهم : أضيف ذلك إليها ؛ لما كان منها من السبب من الهيئة ما لو كان ذلك من ذي العقل والتمييز كان ذلك غروراً ؛ من نحو التزيين وغيره . وجائز إضافة التغرير إليها على إرادة أهلها ، أي : غرهم أهلها ، وهم القادة والرؤساء . وقوله - عز وجل - : { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } . لا يجوز أن يضاف النسيان إلى الله - تعالى - بحال ، ولكن يجوز أن يقال : يجزيهم جزاء نسيانهم ، فسمي الثاني باسم الأول ، وإن لم يكن الثاني نسياناً ؛ نحو قوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] والثانية ليست بسيئة ، ولكن جزاء السيئة ، لكنه سماها باسم السيئة ؛ لما هي جزاء لها ؛ فعلى ذلك هذا ، وكقوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } [ البقرة : 194 ] ، والثاني ليس باعتداء ، ولكنه جزاء الاعتداء ، فسماه باسم الاعتداء ؛ لما هو جزاؤه ؛ فعلى ذلك سمى الثاني نسياناً ؛ لأنه جزاء النسيان ، وإن كان الله لا يجوز أن ينسى ، أو يسهو عن شيء ، أو يغفل ، ولأن في النسيان تركاً ، وكل منسي متروك ، فيتركهم في العذاب والهوان كما تركوا هم أمر الله ونهيه في الدنيا . وقال الحسن : إن الله لا ينسى شيئاً ولا يسهو ، ولكن الكفرة يكونون على الكرامة والرحمة والمنزلة كالشيء المنسي ، وعن العذاب والهوان لا ، أو كلام نحو هذا . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } قال بعضهم : " ما " هاهنا صلة ؛ كأنه قال : وكانوا بآياتنا . وقال بعضهم : هو على ما ذكر ، أي : اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، [ وكما كانوا ] بآياتنا يجحدون . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ } [ يحتمل بكتاب ] . [ أي ] : بيّناه ؛ والتفصيل : التبيين . ويحتمل قوله : { فَصَّلْنَاهُ } أي : فرقناه في إنزاله ، لم ننزله جملة واحدة ؛ كقوله : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الإسراء : 106 ] أي : فرقناه في الإنزال على قدر النوازل بهم ؛ ليعلموا حكم كل آية نزلت بالنوازل التي وقعت بهم ، لا تقع لهم الحاجة إلى معرفة ما في كل آية نزلت عليهم على حدة ، بل يعرفون ذلك بالنوازل . أو أنزله مفرقاً . أو أن يكون معرفة ما فيه من الأحكام إذا كان منزلا بالتفاريق أهون وأيسر على الطباع من معرفة ما فيه إذا نزل جملة . ثم قوله : { فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } يحتمل وجوهاً : يحتمل : فصلناه ، أي : بيناه بالحجج والبراهين على علم منه أن الخلائق لا تقوم بإتيان مثله ؛ ليعلم أنه من عنده نزل . أو أنزله مفصلاً على علم منه بمن يصدقه ويتبعه ، وبمن يكذبه ولا يتبعه . أو على علم منه بمصالح الخلق إن أنزله صلح الخلق ، أي : على علم منه بمعاملة القوم إياه أنزله ؛ لأن المنفعة في إنزاله للمنزل عليهم ، لا للمرسل والمنزِّل ، فضرر الرد والمنفعة لهم . وقوله - عز وجل - : { هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } قال أبو بكر : هو هدىً للكل : للمؤمن والكافر جميعاً ، ورحمة للمؤمنين خاصة . وأمّا عندنا : فهو هدىً للمؤمنين ، وعمى على الكافرين ؛ على ما ذكر : { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [ فصلت : 44 ] خص المؤمنين بالهدى لهم ؛ لأنهم هم المخصوصون بالانتفاع به دون أولئك ، وعلى أولئك عمى ورجس ؛ على ما ذكر ، وصار للمؤمنين حجة على أولئك ، وقوله : { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] هذا للكافرين ، وقال للمؤمنين : { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } [ آل عمران : 173 ] . وقوله - عز وجل - : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي : ما ينظرون إلا وقوع ما وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول بأس الله بهم ، أي : لا يؤمنون إلا بعد وقوع البأس بهم ، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت : { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } ، والتأويل هو ما ينتهي إليه الأمر ويئول ، وما يقع بهم من البأس الموعود لهم ، وإيمانهم ما ذكر من قولهم : { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } ، يعني : بالحق الواقع بهم من بأس الله الذي كانت الرسل تعدهم ، أي : إن ما وعدوا من وقوع البأس بنا كان حقّاً . ويحتمل قوله : { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } أي : بالتوحيد ، أي : إن الذي جاءت به الرسل في الدنيا من التوحيد كان حقّاً . أو أن الذي أخبر الرسل عن هذا اليوم كان حقّاً . وقوله - عز وجل - : { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ } . كأنهم إذا حل بهم ووقع ما أوعد لهم الرسول من البأس ، تمنوا عند ذلك الشفعاء الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ؛ كقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] . أو طلبوا الشفعاء كما كانوا يطلبون في الدنيا شفعاء إذا بدا لهم أمر عظيم ، فيشفع بعضهم بعضاً ، ويعين بعضهم بعضاً في هذه الدنيا ، فعلى ما كان لهم في الدنيا تمنوا في الآخرة ذلك ، فإذا أيسوا عن ذلك وأيقنوا أن لا شفيع يشفع لهم ، فعند ذلك قالوا : { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } ، لا أنهم قالوا ذلك مجموعاً ؛ كقوله : { يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا … } [ الأنعام : 27 ] إلى قوله : { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . قال بعضهم : لو ردوا في الدنيا ، لعادوا إلى ما نهوا عنه . وقال آخرون : لو ردوا إلى المحنة إلى الأمر والنهي لصاروا إلى العمل الذي كانوا يعملون . ثم أخبر أنهم قد خسروا أنفسهم بعملهم الذي عملوا في الدنيا ، وبعبادتهم غير الله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، أي : بطل عنهم ما كانوا يفترون أن هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وغير ذلك من الافتراء ؛ ذلك كله قد بطل عنهم ، فبقوا حيارى ، وانقطع رجاؤهم وأملهم الذي طمعوا . قوله : { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } من رحمة الله . وقيل : مما وعدوا لو أطاعوا . وقيل : أهلكوها .