Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 46-49)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } . يشبه أن يكون ما ذكر من الحجاب ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } [ الحديد : 13 ] ، فأمكن أن يكون الحجاب المذكور بينهما هو السور الذي ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } . قال بعضهم : هم قوم استوت حسناتهم بسيئاتهم ، لم يبشروا بالجنة حتى لا يخافوا عقوبته ، ولا أيسوا حتى لا يطمعوا ولا يرجوا دخولهم فيها . وقال آخرون : هم أهل كرامة الله ، أكرمهم بذلك ، يرفعهم على ذلك السور لينظروا إلى حكم الله في الخلق وعدله فيهم ، وينظرون إلى إحسان الله فيمن يحسن إليه ، وعدله فيمن يعاقبهم . وقيل : هم الأنبياء . والأشبه أن الأنبياء يكونون على الأعراف يشهدون على الأمم ؛ كقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] ، وقال قائلون : هم الملائكة ، لكن ملائكة الله ما يسمون رجالاً ، ولم نسمع بذلك ، والله أعلم بذلك . ثم اختلف فيه : قيل : سموا أصحاب الأعراف ، وهو سور بين الجنة والنار سمي بذلك ؛ لارتفاعه ، وكل مرتفع عند العرب أعراف ، وهو قول القتبي . وقال غيره : الأعراف : هو عرف كعرف الديك والفرس ، وهو أيضاً من الارتفاع . وقال الحسن : هم أصحاب التعريف ، يعرفون أهل النار عدل الله فيهم وحكمه ، وأن ما حل بهم من الشدائد وأنواع العذاب إنما حل بهم مما كان منهم في الدنيا من صدهم الناس عن سبيل الله ، واستكبارهم على الرسل ، يعرفونهم أن ما نزل بهم إنما نزل بعدل منه ، ويعرفون أهل الجنة فضل الله وإحسانه إليهم أن ما نالوا هم إنما نالوا بفضل منه وإحسان . أو قوم نصبهم الله لمحاجة أهل النار ؛ كقوله : { مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأعراف : 48 ] ، فهذه هي المحاجة التي يحاجون بها أهل النار . أو أن يقال : هم قوم نصبوا يترجمون بين أهل الجنة وأهل النار ، يؤدون كلام بعضهم إلى بعض ، وينهون مخاطبات بعض إلى بعض ، من ذلك قوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } [ الأعراف : 50 ] ، وقوله : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ } [ الأعراف : 44 ] ، ونحوه . والله أعلم من هم ؟ وقوله - عز وجل - : { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } . قيل : المؤمن يعرف ببياض وجهه ، والكافر : بسواد وجهه . ويحتمل ما قال الحسن : هو أن يعرفوا بالمنازل والأماكن . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } . يعني : نادى أصحابُ الأعراف أصحاب الجنة . { أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } . ليس أن يقولوا سلام عليكم باللسان خاصة ؛ ولكن في كل كلام سديد وقول حسن وصواب ؛ كقوله : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [ مريم : 62 ] ، أي : سديداً صواباً ، وكذلك [ قوله ] : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] ليس على أن يقولوا : سلام عليكم ، ولكن يقولون لهم قولا صواباً محكماً ؛ فعلى ذلك الأول . وقوله - عز وجل : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } . اختلف فيه : قال عامّة أهل التأويل : هم أصحاب الأعراف لم [ يدخلوا الجنة ] وهم يطمعون دخولها . وقيل : هم كفار أهل النار يطمعون أن ينالوا منها ؛ كقوله : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 50 ] ، إلى هذا الوقت كانوا يطمعون دخولها والنيل منها ، ثمّ أيسوا بهذا . وقال بعضهم : هم أهل الجنة يطمعون دخولها قبل أن يدخل أهل الجنة [ الجنة ] ، وقبل أن يدخل أهل النار النار . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } . قيل : وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف إلى أهل النار . { قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . من شدة ما يرون من العذاب وما نزل بهم . وقيل : وإذا صرفت أبصار أهل الجنة تلقاء أصحاب النار ، قالوا ذلك . وفي حرف أبي : وإذا قلبت أبصارهم نحو أصحاب النار ، قالوا : عائذون بك أن تجعلنا ربنا مع القوم الظالمين . وقوله - عز وجل - : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . إن كان ذلك الدعاء من الأنبياء أو من أهل كرامة الله من الذين كانوا على الأعراف ، فذلك منهم شهادة أنهم ظلمة وكفرة ، ومعنى التعوذ منهم من النار ؛ لأنهم لم يدخلوا الجنة بعد ؛ فيخافون لقصور كان منهم في شكر المنعم ، أو بالطبع يتعوذون كما يتعوذ كل أحد إذا رأى أحداً في البلاء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } . قال عامة أهل التأويل : يعرفون بسواد الوجوه وزرقة العيون ، ولكن أمكن أن يعرفوا بالأعلام التي كانت لهم في الدنيا سوى سواد الوجوه ؛ لأنهم يخاطبونهم بقوله : { قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } ، فلو لم يعرفوهم بآثار كانت لهم في الدنيا ، لم يكونوا يعاتبونهم بجمع الأموال والاستكبار في الدنيا ، ولا يقال للفقراء ذلك ، إنما يقال للأغنياء ؛ لأنهم هم الذين يجمعون الأموال وهم المستكبرون على الخلق ؛ كقوله : { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سبأ : 35 ] . ويشبه أن يخاطب الكل ، وفيهم من قد جمع واستكبر ، وذلك جائز ، هذا على تأويل من يجعل أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم بسيئاتهم . وقوله - عز وجل - : { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } . قال عامة أهل التأويل : أقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة ، ولكن يدخلون النار ، فتقول الملائكة لأهل النار : هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } . ويحتمل أن يكون القسم الذي ذكر في الآية كان منهم في الدنيا ، كانوا يقسمون أنه لا يدخلون هؤلاء الجنة ، يعنون : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كقوله { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] ، كانوا يقولون : إن الذي هم عليه لو كان خيراً لنالوا هم ذلك ؛ إذ نالوا هم كل خير في الدنيا ، يعنون أنفسهم ؛ فعلى ذلك ينالون في الآخرة مثله ، ونحو ذلك من الكلام الذي يقولون في الدنيا ؛ فيقولون لهم في الآخرة : { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } . وأمكن أن يكون قوله : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } لأهل الجنة قبل أن يدخلوها . وقوله - عز وجل - : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } . قال الأصم : يكون الحزن في فوت كل محبوب ، والخوف في نيل كل مكروه ؛ كقول يعقوب : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } [ يوسف : 13 ] ، ذكر الحزن عند فوت محبوبه ، و [ الخوف ] عند نيل المكروه ، ولكن عندنا الحزن إنما يكون بفوت الموجود من المحبوب ، والخوف بما سيصيبه من المكروه .