Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 59-64)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } كما أرسلناك إلى قومك ولست أنت بأول رسول ؛ كقوله : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 9 ] . وفيه دلالة أن الإيمان يصح بالأنبياء والرسل ، وإن لم تعرف أنسابهم ؛ لأن الله - عز وجل - ذكر الأنبياء والرسل بأساميهم ، ولم يذكر أنسابهم ، دل ذلك أن الإيمان يكون بهم [ إيماناً ] وإن لم تعرف أنسابهم ؛ وكذلك يصح الإيمان وإن لم تعرف أسماؤهم ؛ لأن من الأنبياء من لا يعرف اسمه ، فيصح الإيمان بجملة الأنبياء ، وإن لم تعرف أسماؤهم ، وفي ذلك دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عن رسالة نوح ، فدل أنه بالله عرف ذلك . وقوله - عز وجل - : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . قيل : قوله : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } . ، أي : وحدوا الله ، سموا التوحيد عبادة لأن العبادة ، لا تكون ولا تصح إلا بالتوحيد فيها لله خالصاً سمي بذلك مجازاً [ إذ يجوز ] أن يكون عبادة . وقوله - عز وجل - : { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . أي : ما لكم من الإله الحق الذي ثبتت ألوهيته وربوبيته بالدلائل [ والبراهين ] من إله غيره . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . قال بعضهم : { إِنِّيۤ أَخَافُ } ، أي : إني أعلم أن ينزل عليكم عذاب يوم عظيم إن متم على هذا . أو قال بعضهم : الخوف هو الخوف ، وهو خوف إشفاق ، وذلك يحتمل أن يكون في الوقت الذي كان يطمع في إيمان قومه ، ثم آيسه الله عن إيمان قومه بقوله : { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] . وقوله - عز وجل - : { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . هو يوم عظيم للخلق ؛ كقوله : { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } [ المطففين : 5 ] . { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] وهو عظيم للخلق على ما وصف . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ } . هم أشراف قومه وسادتهم ؛ كقوله : { إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا … } [ الأحزاب : 67 ] الآية ، وكانوا هم أضداد الأنبياء والرسل ؛ لأنهم كانوا يدعون الناس إلى ما يوحي إليهم الشياطين ، والرسل كانوا يدعون إلى ما يوحي إليهم الله ، وينزل عليهم ؛ لذلك قالوا : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ؛ لأنهم ظنوا أن ما أوحى إليهم الشيطان هو الحق ، وأن ما يدعو إليه الرسل هو ضلال وباطل . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ } . أي : لست أنا بضال ؛ لأنه إذا نفى الضلال عنه ، نفى أن يكون ضالاً ، وهو حرف رفق ولين ، وعلى ذلك أمر الأنبياء والرسل أن يعاملوا قومهم ؛ لأن ذلك أنجع في القلوب ، وإلى القبول أقرب . { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، والعالم هو جوهر الكل . ويحتمل قوله : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : لفي خطأٍ مبين ، ثم يخرج على وجهين : أحدهما : نسبوه إلى الخطأ ؛ لما رأوه خالف الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم القتل لمن خالفهم . والثاني : نسبوه إلى الخطأ ؛ لأنه [ ترك ] دين آبائه وأجداده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي } . رسالته التي أمرني بتبليغها إليكم ، قبلتم أو رددتم ؛ [ أُوعدتم أوْ وعدتم ] لأني أبلغها على أي حال استقبلتموني ، أو يقول : { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي } رسالته التي أرسلها إليّ . وقوله - عز وجل - : { وَأَنصَحُ لَكُمْ } يحتمل قوله : { وَأَنصَحُ لَكُمْ } : أي : أدعوكم وآمركم إلى ما فيه صلاحكم ، وأنهاكم عما فيه فسادكم ، والنصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح ، والنهي عما فيه الفساد ، وتكون النصيحة لهم ، ولجميع المؤمنين . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ألا إن الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله [ ولجميع المؤمنين ] " . قال الشيخ أبو الفدا الحكيم - رحمة الله عليه - : النصيحة : هي النهاية من صدق العناية ، ثم أخبر أنه يبلغهم رسالات به ، ولم يبين فيم ذا ؟ ! في كتاب أنزله عليه ، أو بوحي في غير كتاب يوحى إليه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى التصديق له فيما يبلغ إليهم . وقوله - عز وجل - : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قد أتاه من الله العلم بأشياء ما لم يأت أولئك مثله ، وهو كقول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه : { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ } [ مريم : 43 ] ، ويحتمل قوله : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ } من العذاب أنه ينزل بكم { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أنتم إذا دمتم على ما أنتم عليه . وقوله : { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } . أي : تعجبون بما جاءكم ذكر من الله على يدي رجل منكم ما لا أقدر أنا ولا تقدرون أنتم على مثله ، كانوا يعجبون وينكرون أن يكون رسل الله من البشر بقولهم : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ المؤمنون : 24 ] ، { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [ المؤمنون : 24 ] ، ونحو ذلك كانوا ينكرون رسالة البشر وما ينبغي لهم أن ينكروا ذلك ؛ لأنهم قد كانوا رأوا تفضيل بعض البشر على بعض ، وفي وضع الرسالة فيهم - أعني في الرسل - تفضيلهم ، وذلك قد رأوا فيما بينهم ، ولله تفضيل بعضهم على بعض ؛ إذ له الخلق والأمر ، [ ولكل ] ذي ملك وسلطان أن يصنع في ملكه ما شاء من تفضيل بعض على بعض وغيره . أو يقول : { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } : على يدي رجل منكم ، ولو كان جاء الذكر على من هو من غير جوهركم ، كان في ذلك لبس واشتباه عليكم . وقوله - عز وجل - : { لِيُنذِرَكُمْ } عذاب الله : ولتتقوا معاصيه { وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } : إن اتقيتم ما نهاكم [ عنه ] ، أو كان في قومه من يجوز أن يرحم . وقوله - عز وجل - : { فَكَذَّبُوهُ } . يعني نوحاً [ فيما ] دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، ونهاهم عن عبادة غير الله ، أو كذبوه فيما آتاهم من آيات نبوته ورسالته . وقوله - عز وجل - : { فَأَنجَيْنَاهُ } . يعني نوحاً ، والذين آمنوا في الفلك . { وَأَغْرَقْنَا } . الذين كذبوا بآياتنا ، إذا كان إهلاك القوم إهلاك تعذيب وعقوبة ، ينجي أولياءه ويبقيهم إلى الآجال التي قدر لهم ، ويكون ذلك نجاة لهم من ذلك العذاب الذي حل بالأعداء . وقوله - عز وجل - { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } : [ أي : بآياتنا ] التي جعلناها لإثبات رسالته ونبوته ، ويحتمل : كذبوا بآياتنا التي أعطيناه لوحدانية الله وألوهيته . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } . عموا عن الحق .