Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 65-72)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } . أي : وأرسلنا هوداً إلى عاد ، وهو على ما ذكر في نوح ، وهو قوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأعراف : 59 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } ، أي : إلى عاد أرسلنا هوداً . ثم تحتمل الأخوة وجوهاً أربعة : أخوة النسب ، وأخوة الجوهر ، ويقال هذا إذا كان من جوهره ، ولا يقال ذلك في غير جوهره ، وأخوة المودة والمحبة ، وأخوة الدين ، ثم لم يكن بين هود وقومه أخوة الدين ، ولا أخوة المودة ، لكن يحتمل أخوة النسب ؛ لأن البشر على بعد من آدم كلهم أولاده ، فإذا كانوا كذلك فهم فيما بينهم بعضهم أخوة بعض ؛ كأولاد رجل واحد ، يكون بعضهم أخوة بعض ، وأخوة الجوهر على ما ذكرنا ، يقال : هذا أخ هذا إذا كان من جنسه وجوهره ، فهذين الوجهين يحتملان ، والوجهان الآخران لا . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . أي : اعبدوا الله الذي يستحق العبادة [ و ] { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي : ليس لكم من معبود سواه ، وهو المعبود في الحقيقة . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } . عبادة غير الله ، أو : أفلا تتقون الله في عبادتكم غيره ، وفي تكذيبكم هوداً ، أو أن يقول : أفلا تتقون عذاب الله ونقمته عليكم بمخالفتكم إياه . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } . قد ذكرنا قول الملأ من قومه ، أي : أشراف قومه وسادتهم { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } . [ ذكر ] هاهنا ظنهم في تكذيبهم الرسول ، [ و ] في موضع آخر قطعوا في التكذيب وهو قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } [ المؤمنون : 38 ] ، فكان قوله : { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } في ابتداء ما دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، كانوا على ظن فيه لما كان عندهم صدوقاً أميناً قبل دعائهم إلى ما دعاهم ، فلما أن أقام عليهم آيات الرسالة والنبوة وأظهر عندهم عيب ما عبدوا غير الله ، وأبطله ، وتحقق ذلك عندهم - عند ذلك قالوا : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } [ المؤمنون : 38 ] ؛ ليعلم أنهم عن عناد ، كذبوا الرسل ، فقال : { يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } إن الرسل - عليهم السلام - كانوا أمروا أن يعاملوا الخلق بأحسن معاملة ، وهو على ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قال له : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } [ الأعراف : 199 ] وقوله - عز وجل - : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } [ المؤمنون : 96 ] ونحوه ، فعلى ذلك الرسل الذين كانوا من قبل كانوا مأمورين بذلك ؛ لذلك قال لهم هود لما تلقوه بالتكذيب والتسفيه قال : ليس بي ما تقولون وتنسبونني إليه ، { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } ، أي : أدعوكم إلى وحدانية الله ، وعبادته ، والتمسك بالدين الذي به نجاتكم ، وكل من دعا آخر إلى ما به نجاته فهو ناصح له . ويحتمل قوله : { وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } ، أي : كنت ناصحاً لكم قبل هذا أميناً فيكم ، فكيف تكذبونني وتنسبونني إلى السفه ، وأنا أمين على الرسالة والوحي الذي وضع الله عندي ؟ ! وقوله - عز وجل - : { أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي } : شئتم أو أبيتم . أو يقول : أبلغكم رسالات ربي خوفتموني أو لم تخوفوني ، قبلتم عني أو لم تقبلوا . أو يقول : أبلغكم رسالات ربي ، فكيف تنسبونني إلى السفه والافتراء على الله ؟ ! وقوله - عز وجل - : { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } . يحتمل قوله : { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ } وجوهاً : أحدها : أنه جعلكم خلفاء قوم أهلكهم بتكذيبهم الرسل ، ولم يهلككم ، فاحذروا أنتم هلاككم بتكذيبكم الرسول كما أهلك أولئك بتكذيبهم الرسل . أو أن يقال : جعلكم خلفاء قوم صدقوا رسولاً من البشر وهو نوح ، فكيف كذبتموني في دعوى الرسالة لأني بشر ودعائي إلى عبادة الله ووحدانيته ؟ ! هذا تناقض . والثاني : أن اذكروا نوحاً وهو كان رسولاً من البشر ، فكيف تنكرون أن يكون الرسول [ بشراً ] ؟ وكان الرسل جميعاً من البشر . والثالث : أن اذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم من السعة في المال ، والقوة في الأنفس ، وحسن الخلقة ، والقامة ، وكان لعاد ذلك كله ؛ كقوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ … } الآية [ الفجر : 6 - 7 ] . هذا في السعة في المال ، وأما القوة في الأنفس والقامة ما ذكر في قوله : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] ، أو قوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] ، فيه وصف لهم بالقوة ، وطول القامة ، وعلى ذلك فسر بعض أهل التأويل . وقوله : { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } يعني : قوة وقدرة . وقال غيره : هو الطول والعظم في الجسم ، وذكر الله - عز وجل - في عاد أشياء أربعة خصَّهم بها من بين غيرهم . أحدها : العظم في النفس ؛ كقوله : { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } . والقوة ، في قوله : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] . والسعة في الأموال بقوله : { بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } [ الفجر : 6 - 7 ] . وفضل [ العلم ] ، بقوله : { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } [ العنكبوت : 38 ] . وقوله - عز وجل - : { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : الآلاء : هي [ في ] دفع البلايا ، والنعماء هي في سوق النعماء إليه ، ولكن هما واحد ؛ لأنه ما من بلاء يدفع عنه إلا وفي ذلك سوق نعمة أخرى إليه ، ولأن الله - تعالى - ذكر في سورة الرحمن الآلاء بجميع ما ذكر إنما ذكر على سوق النعم إليه قوله : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] حيث قال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [ الرحمن : 1 - 4 ] إلى [ آخر ] ما ذكر من السورة ، وهو ذكر في سوق النعم لا في دفع البلايا . وقوله - عز وجل - : { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . أي : تفلحون إن ذكرتم نعمه ، وشكرتم له عليها ، ولم تصرفوا عبادتكم وشكركم إلى غيره ، أو يقول : لكي يلزمكم الفلاح ، أو حتى تكونوا من أهل الفلاح . وقوله - عز وجل - : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } . هذا يدل أن رسالته التي يبلغها إليهم هي دعاؤه إياهم إلى عبادة الله [ وحده ] ، وتركهم عبادة من دونه ، حيث قالوا : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } [ ولا شك ] أنه إنما جاءهم ليعبدوا الله وحده ، وجاءهم ليذروا ما كان يعبد آباؤهم . ثم في قولهم تناقض ؛ لأنهم كانوا ينكرون أن يكون من البشر رسول بقولهم : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } [ المؤمنون : 33 ] لم يرضوا برسالة البشر ، ورضوا بألوهية الأحجار والخشب ، ثم يقلدون آباءهم في عبادتهم غير الله ، وفي آبائهم من يعبد الله لا يعبد غيره ، وهم الذين [ نجوا ] مع نوح ، فكيف لم يقلدوا من نجا منهم ، ولم يعبدوا غير الله دون أن قلدوا الذين عبدوا غير الله ؟ فذلك تناقض ، حيث اتبعوا من هلك منهم بتكذيبهم الرسل وعبادتهم غير الله ، ولم يتبعوا من نجا منهم . يذكر - عز وجل - سفههم وتناقضهم في القول في إنكارهم الرسول من البشر ، ولكن ذكر سفههم وتناقضهم بالتعريض لا بالتصريح ، وكذلك عامة ما ذكر في كتابه من سفههم إنما ذكر بالتعريض . وقوله - عز وجل - : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . إنه كان يعدهم العذاب إن لم يصدقوه فيما يدعوهم إليه ، وترك تقليدهم آباءهم في عبادتهم غير الله . وقوله - عز وجل - : { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } . قال بعضهم : الرجس : العذاب ، أي قد وجب عليكم العذاب بتكذيبكم هوداً ، وتقليدكم آباءكم في عبادتكم غير الله ، { وَغَضَبٌ } : وهو العذاب أيضاً . وجائز : أن يكون الرجس هاهنا الخذلان ، وحرمان التوفيق والمعونة ، أي : قد وقع عليكم ووجب الخذلان ، وحرمان التوفيق باختياركم ما اخترتم . وقال بعضهم : الرجس : هو الإثم والخبث ؛ كقوله - تعالى - : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } [ الحج : 30 ] ، وقوله : { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ المائدة : 90 ] وقوله : " اللهم إني أعوذ بك من الرجس " النجس الخبيث المخبث من الشيطان الرجيم . وقوله - عز وجل - : { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ } . ومجادلتهم ما قالوا : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ } ويحتمل في { أَسْمَآءٍ } أي : بأسماء سميتموها . وقوله - عز وجل - : { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } . قيل : حجة ، أي لم ينزل لهم حجة في عبادتهم غير الله . وقيل : السلطان هاهنا عذر ، أي : لم ينزل لهم عذراً في ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } . أي : انتظروا أنتم وعد الشيطان . { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } وعد الرحمن . وقوله - عز وجل - : { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي : من حجة في تسميتهم الأصنام التي عبدوها دون الله ما سموها آلهة وشفعاء ونحوه ، كأنهم إنما جادلوه في تسميتهم آلهة وشفعاء ، وأنْ ليس لهم حجة ولا عذر في عبادتهم غير الله ، ولا في إشراكهم غيره في العبادة والألوهية . { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } : قال الحسن : انتظروا أنتم مواعد الشيطان ، { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } : لمواعد الله . وقوله - عز وجل - : { فَأَنجَيْنَاهُ } يعني هوداً { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } . إن من حكم الله أنه إذا أهلك قوماً إهلاك تعذيب ، استأصلهم وأنجى أولياءه ونصرهم . وقوله - عز وجل - : { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } يحتمل قوله [ برحمة منا ] : برحمته التي هداهم عز وجل ، ولولا رحمته ما اهتدوا ، لكنه رحمهم فهداهم ، فبرحمته اهتدوا ، [ و ] يحتمل أنه [ إنما ] أنجاهم من العذاب برحمة منه ، وإلا كانت لهم ذنوب وخطايا يستحقون بها العذاب ، لكنه أنجاهم برحمة منه وفضل ، والله أعلم . وفيه : أن من نجي إنما نجي برحمته وفضله ، وإن كان رسولاً لا باستيجاب منه النجاة ، وهو ما روي حيث قال : " لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " . وقوله - عز وجل - : { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } [ { بِآيَاتِنَا } قيل دابر الذين كذبوا أي : أواخر الذين كذبوا واستأصلهم فلم يبق منهم أحدٌ ، وقيل : { دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } ] أي : أصل الذين كذبوا بآياتنا ، ولم يبين لنا آياته التي أعطاها هوداً ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما أخبر أن ما حل بهم من العذاب إنما حل بتكذيبهم الرسول ، وذلك كان سنة وحكمة في الأمم السالفة .