Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 96-99)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ } . قيل : آمنوا واتقوا قبل أن يهلكوا بعد ما أصابهم من الشدائد والبلاياً ؛ { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ … } الآية . أي : لأعطوا كل خير ينال من السماء والأرض ، والبركة ما ينال من كل خير على غير - مؤنة [ وقيل : ] البركة : كل شيء ينال بلا تبعة عليه ولا شدة - ذكر ها هنا أنه يفتح عليهم بركات من السماء والأرض لو آمنوا واتقوا ، وذكر إذا لم يؤمنوا ونسوا ما ذكروا به أنه يفتح عليهم أبواب كل شيء ، ولم يذكر البركة ، ففيما لم يذكر البركة ينقصهم ما فتح عليهم من كل شيء ويسوؤهم وفيما ذكر فيه البركة بعد الإيمان لا يلحقهم من ذلك تبعة ولا غرم ، [ والله أعلم ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يحتمل قوله : ولكن كذبوا النعم التي أنعمها عليهم ، أي : الرسل ، فأخذناهم بما كانوا يكسبون من التكذيب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } . خرج هذا في الظاهر مخرج الاستفهام ، ولكن في الحقيقة على الإيجاب ؛ كقوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ … } [ النور : 50 ] الآية ، هذا في الظاهر وإن خرج مخرج الشك والارتياب ، فهو في الحقيقة على الإيجاب ؛ كأنه قال : في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا أن يحيف الله عليهم ، فعلى ذلك قوله : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [ أو أمن أهل القرى ] على الإيجاب ، كأنه قال : قد أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً ، { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } الآية . ثم اختلف في قوله : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } إلى آخر ما ذكر : قال الحسن : هذه الآيات في الأمم السالفة ، أخبر عن أمنهم بنزول بأس الله وعذابه بهم ، لكن ذكر في هذه الأمة ليكونوا على حذر عن مثل صنيعهم . وقال الآخرون : هذه الآيات في قرى هذه الأمة لا في الأمم السالفة ، يقول : أمن هؤلاء بأسنا كما أمن أولئك منه فإنهم إذا صنعوا مثل صنيعهم ينزل بهم في الآخرة من العذاب مثل ما أنزل بأولئك في الدنيا من العذاب . وقوله : { بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } و { ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } . أخبر أن العذاب إنما نزل بهم في حال الأمن وهو وقت النوم واللعب ؛ لأنه هو وقت الغفلة والسهو ، وآمن ما يكون الإنسان إنما يكون في حال النوم ، وإنما نزل بهم في وقت الغفلة والسهو ، يذكر بهذا - والله أعلم - أهل مكة وغيرهم من الكفرة بتكذيبهم رسول الله ؛ لئلا يكونوا آمنين عن بأس أبداً في وقت من الأوقات ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . المكر في الشاهد : هو أن يراقب من عدوه حال غفلة لينتقم منه وينتصر ، فإذا كان ما ذكرنا فسمّى ما ينزل بهم من العذاب في حال الغفلة مكراً ، وعلى ذلك الامتحان فيما بين الخلق : هو استظهار ما خفي على بعضهم من بعض ، فيأمرون بذلك وينهون ، فسمى الله - تعالى - ذلك امتحاناً لمعنى الأمر والنهي ، وإن كانت الخفيات عن الخلق ظاهرة له بادية عنده . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . فالآية على المعتزلة ؛ لأنهم يأمنون مكر الله في الصغائر [ حيث قالوا : الصغائر ] مغفورة ، ليس له أن يعذبهم عليها ، فهو أمن من مكره ، وييأسون من رحمته لقولهم في الكبائر : إنه ليس له أن يعفو عنهم ، وقد أخبر { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] وهم قد أيسوا من رحمة الله في الكبائر ، وأمنوا مكره في الصغائر ، فهاتان الآيتان على المعتزلة . وقوله : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } أي : جزاء مكرهم [ سمي ] جزاء المكر مكراً ، [ كما ] سمى جزاء السيئة سيئة ، وجزاء الاعتداء اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ، ولا سيئة ، فعلى ذلك تسمية جزاء المكر مكراً ، وإن لم يكن [ الثانى ] مكراً ، والله أعلم . ألا ترى أنه لم يجز أن يسمى مكاراً ولو كان على حقيقة المكر لسمي بذلك ؛ فدل أنه جزاء ، وجائز أن يكون المراد من مكره جزاء مكرهم سمّي الجزاء باسم المكر ؛ لأنه جزاؤه ؛ كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] والثانية ليست بسيئة .