Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 94-95)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } . في الآية إضمار - والله أعلم - من وجهين : أحدهما : قوله : وما أرسلنا في قرية من نبي فكذبوه إلا أخذنا أهلها المكذبين له بالبأساء ، وما ذكر ، وإلا لا يحتمل أن يرسل إليهم رسولاً ثم يأخذهم بما ذكر من غير أن كان منهم رد وتكذيب له . والثاني : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ } أهلكناها { مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا } قبل الهلاك { بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } ثم لم يأخذ الله قوماً بالهلاك قبل أن يبعث رسولاً إليهم ، وقبل : أن يغيّروا هم ما أنعم عليهم بأنفسهم ؛ كقوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً … } [ القصص : 59 ] الآية ؛ وقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وقال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] وقال : { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] وغير ذلك من الآيات ، أخبر أنه لا يأخذهم بالعذاب والهلاك إلا بعد قطع العذر لهم من جميع الوجوه ، وإن كان له الإهلاك قبل أن يبعث إليهم الرسول لما ركب فيهم من العقول السليمة مما بها يوصل إلى فهم كل ما جعل فيهم من آثار وحدانيته وآيات ربوبيته ، وما جعل لهم من السمع والنطق ما به يوصل إلى سمع كل ما غاب والنطق بكل ما يريدون ، ما لم يجعل ذلك لغيرهم من البهائم ، وما أنعم عليهم من تصوير الصور ما لم يتمن أحد تحويله منها إلى غيرها من الصور ، لكنه لا يهلكهم إلا بعد بعث الرسل إليهم لما أن الخلق على مراتب ؛ منهم من يفهم بالعقل لا يحتاج إلى معونة السمع ، وهم الحكماء والعلماء الذين يدركون الأشياء بالبديهة ، ومنهم من لا يدرك إلا بمعونة السمع وهم كالصبيان ، إنهم لا يدركون إلا بالسمع وفضل التنبيه ، ومنهم من لا يدرك بالعقل ذلك ولا بالسمع حتى تصيبهم الشدائد والعبر في أنفسهم وفيما أنعم عليهم ، وهم كالبهائم الذين لا عقل لهم ولا سمع ، ولكن يعرفون الشدائد وما يصيبهم من البلاء ، فعلى ذلك يمتحنهم عز وجل ، ويبتليهم بالشدائد والبلايا أولاً ، فإن رجعوا عن ذلك وعرفوا نعمه ، وإلا أهلكهم بعد ذلك فعند ذلك ينتهون ويتذكرون ، وذلك قوله : { فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } [ الأنعام : 42 ] . وقوله : { بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } قد ذكرناه في صدر الكتاب . وقوله - عزّ وجل - : { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } . أي : لكي يكون عليهم التضرع ، أو لكي يلزمهم التضرع والتذكر . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } . وهو ما ذكر أهل التأويل السعة والرخاء بعد الشدة والقحط ، وما حل بهم من البلايا { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } . قبل : جمعوا وأكثروا ، أي : كشف عنهم ذلك حتى كثروا فعند ذلك أهلكهم بغتة ؛ لأن الهلاك في حال الشدة والبلاء لا يكون أخذاً ببغتة ؛ لأن كل من حل به بلاء وشدة يخاف فيه الهلاك فإذا أهلك في تلك الحال لم يكن أخذاً بالهلاك بغتة . ألا ترى أنه سمى الموت الذي يموت به المؤمن من غير مرض حل به بغتة ، والذي [ يموت بمرض ] يتقدم الموت لا ، وأن الموت في الوجهين جميعاً لا يعلم بحلوله ، لكنه إذا لم يتقدمه مرض فهو لا يخاف منه ، وإذا كان به مرض خاف منه فلم يكن فجأة ، فعلى ذلك إذا أخذوا في حال الشدة لم يكن آخذاً بالبغتة لما يخافون فيه الهلاك ، وإذا كانوا في سعة ورخاء لا يخافون فيؤخذون في تلك الحال ، فذلك أخذ ببغتة . وقال : { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } . قيل : كان أهلك بعضهم وترك بعضاً حتى عفوا ، أي : كثروا من ذلك البعض ، ولكن الوجه فيه ما ذكرنا من البأساء والضراء والشدائد والقحط ، ثم كشف ذلك عنهم فكثروا ، ثم أهلكهم ، والله أعلم . قوله - عز وجل - : { قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } . قالوا : إن آباءنا قد كان ينزل ذلك بهم وتصيبهم مرة شدة ومرة نعمة ولم يكن ذلك بعقوبة لهم ، فعلى ذلك ما يصيبنا من الشدائد والبلايا ليس ذلك بعقوبة لنا ، ولكن دوران الدهر وتصرفه على الشدّة والبلاء مرة ، ومرة على الخصب والسّعة ، ثم أخبر أنه أخذهم بغتة بعد قولهم : { قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } .