Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-44)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } اختلف في تأويل الإهطاع : فمنهم من يقول : هو الإسلاع في المشي . ومنهم من يقول : هو إدامة النظر . فمن حمله على الإسراع ، فمعناه : أن أئمة الكفر كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيستمعون القرآن منه ، ثم يسرعون إلى أتباعهم ، ويجلسون حلقا حلقا ، ويحرفون ما يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلبسون على ضعفائهم وأتباعهم ؛ ليصدهم ذلك عن الإيمان بالله - عز وجل - ورسوله . فإن كان الأمر على هذا فتأويله : ما لهم يسرعون إليك ليسمعوا كلامك ثم يتفرقوا عن اليمين وعن الشمال ويكذبونك ، نحو أن يقول بعضهم : ( ما هذا إلا سحر مبين ) ، و : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأحقاف : 17 ] ، { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ } [ المؤمنون : 38 ] ، ونحو ذلك . وما المنفعة لهم في طعنهم عليك [ سوى استحقاقهم ] المقت والهلاك بذلك من الله تعالى ، وما يرجون بإعراضهم عن تصديقك بعدما رأوا الآيات . ومن حمله على النظر ، فمعناه : أنهم كانوا يجلسون من بعيد ، فينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويطعنون عليه بالسحر والافتراء ، وأنه من [ أساطير الأولين ، فيمكرون ] بمن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يعاديه من الكفرة . فإن كان على هذا فتأويله كأنه يقول له : يجلسون من البعد ناظرين إليك ، ولا يدنون منك ؛ ليستمعوا ما أنزل إليك فينتفعوا به ، لكنهم متفرقون عن اليمين وعن الشمال ، يصدون الناس عن مجلسك ، وقد علموا أن لهم إلى من يعلمهم الكتاب والحكمة حاجة ؛ إذ ليس عندهم كتاب ولا علم بالأنباء المتقدمة ؛ ليعلموا أنك جئت بالعلم والحكمة دون السحر والكهانة . فإن كان على هذا الوجه ؛ فالعتاب لمكان التحريف والتبديل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } : قوله : { أَيَطْمَعُ } حرف استفهام ، وقد ذكرنا أن حرف الاستفهام ممن لا يَستِفْهم إيجابٌ . ثم اختلف في وجه الإيجاب : فمنهم من يقول : معنى قوله : { أَيَطْمَعُ } ، أي : لا يطمع كل امرئ منه بعبادتهم الأصنام والأوثان أن يدخلوا جنة نعيم ؛ إذ هم منكرون للبعث والجنة والنار ، ثم مع هذا ينصرون الأصنام ويعبدونها ، ويخضعون لها ، وإن كان لا طمع لهم في نصرها إلى شيء في العاقبة ، ولا يرجون منها العواقب ؛ فيكون [ في ] هذا ترغيب للمؤمنين على القيام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم يطمعون في نيل الجنة والكرامة من الله تعالى والنجاة من النار بنصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعبادتهم لله تعالى ، كأنه يقول : إنهم [ لا ] يطمعون نيل شيء ، ولا يخافون [ من شيء ] في العاقبة ، ثم يقومون بنصر الأصنام ، فأنتم أحق بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ تطمعون نيل الجنة والدخول فيها بنصركم إياه ، والله أعلم . ومنهم من حمله على إيجاب الطمع ، وهو أنهم كانوا يطمعون دخول الجنة ونيل نعيمها إذا رجعوا إلى ربهم ؛ ظنّاً منهم أنهم إذا ساووا المسلمين في نعيم الدنيا وسعتها ، فكذلك يساوونهم في نعيم الآخرة ، كما قال الله تعالى خبرا عنهم : { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] ، وقال : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } الآية [ الجاثية : 21 ] ، هكذا ظن الكفرة أنهم إن رجعوا إلى ربهم فسيجدون عنده خير منقلب ، فقال تعالى : { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } ، فقوله : { كَلاَّ } على هذا التأويل رد لاعتقادهم وقطع لأطماعهم ، فقال : { كَلاَّ } أي : لا يدخلونها قط ، ثم استأنف الكلام فقال - عز وجل - : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } . وعلى التأويل الأول : { كَلاَّ } بمعنى : حقّاً أنهم لا يطمعون ، ثم استأنف بقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } ، أي : من تلك النطف ؛ فيذكرهم بهذا عظيم نعمه وإحسانه إليهم بما أخرجهم منها ونقلهم من حال إلى حال حتى صاروا بشرا سويّاً ؛ ليعلموا أنه لا يتركهم سدى ؛ بل ليمتحنهم ويستأدي منهم شكر ما أنعم عليهم ؛ فيوجب ذلك تصديق الرسل . وفي تذكير قدرته وسلطانه ، وبيان ضعف ابتدائهم ؛ ليعلموا أن من قدر على إنشائهم لقادر على أن يحييهم بعدما أفناهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ … } [ الآية ] . ذكر المشارق والمغارب : ذكر السماوات والأرض ، وفي ذكرهما ذكر أهل السماوات [ وأهل الأرض ] ، فيكون معناه : فلا أقسم برب الخلائق أجمع ، ويكون حرف " لا " زائداً في الكلام تأكيدا للقسم على ما يذكر ، فيكون معناه : فلا أقسم . ثم حق هذا القسم أن يقول مكان قوله : { بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ } : " فلا أقسم بي " إذا كان القسم من الله تعالى ، هذا هو [ ظاهر الكلام ] في متعارف اللسان ، ولكن يحتمل هذا وجوها : أحدها : أن يكون هذا القسم من النبي صلى الله عليه وسلم كأنه علمه أن يقسم به ويقول له : قل يا محمد : { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ } . وإن كان هذا قسما من الله تعالى فهو مستقيم - أيضا - من وجهين : أحدهما : على الإضمار ؛ كأنه قال : فلا أقسم بي ؛ فأنا رب المشارق والمغارب . والثاني : وإن كان هذا القسم من الله تعالى يستقيم بلفظ الغائب كما يستقيم بلفظ الحاضر ؛ لأن الخلق كله لله شهود ، وليس هو شاهداً للخلق ، فيخرج الكلام بينهم على ما يخاطب الغائب ، ومرة على الوجه الذي يخاطب به الشاهد ، ومثل هذا مستعمل في متعارف اللسان ، والله أعلم . وفي الآية دلالة على أن ملك السماوات والأرضين ومدبرهما واحد ؛ إذ لو لم يكن كذلك لكان لملك السماء أن يمنع الشمس والقمر والكواكب من إيصال النفع إلى أهل الأرض ، ويكون لملك الأرض أن يمنع ملك السماء عن الإغراب في الأرض . ثم الذي يشرق ويغرب منذ خلق يجري على ما جرى عليه التدبير جريا واحدا لم يقع فيه تغيير ولا تبديل ، ولو كان لله تعالى فيه شريك لكان لا بد من وقوع التغيير فيها ؛ فثبت أن تدبير السماوات والأرضين وتدبير سلطانهما راجع إلى الواحد . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا لَقَٰدِرُونَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } هذا موضع القسم ، فجائز أن يكون أريد به : أن يبدل الخير منهم ، فيجعل مكان ما كانوا من الشر خيرا ؛ كقوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 99 ] وقد فعل ذلك ؛ لأنهم أسلموا . ويحتمل أن يكون أراد به أن يبدل قوما خيرا منهم . ثم هذا يخرج على وجهين : أحدهما : على تحقيق القدرة . والثاني : أن يكون معنى القدرة [ إرادة الفعل ] . أما الأول فعلى وجهين : أحدهما : على معنى تخويف أهل مكة أنهم إن لم ينتهوا عن ذلك ، أنزل الله تعالى مكانهم من هو خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبدل لا يكون إلا بعد المبدل عنه ، وقد فعل الله تعالى ذلك بهم ، أهلك المعاندين منهم ، وأبدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولادهم والمهاجرين منهم والأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه . والثاني : أي : كنا قادرين على أن نجعل المرسل إليهم خيرا منهم ؛ إذ قد علموا من قدرة الله عز وجل أنه هو الذي خلقهم وأنشأهم ، لكن إنما أرسل إليهم وأمرهم ؛ لحاجات أنفسهم ، لا لنفع يرجع إليه ، ليس على ما عليه ملوك الدنيا ، لكنه إنما امتحنهم بالأمر ليسعوا في نجاة أنفسهم ، ونهاهم ؛ ليفكوا رقابهم من النار ؛ فيكون فيه تسكين قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند وجده عليهم حيث لم يؤمنوا . وأما الوجه الثاني : أن يكون معنى القدرة إرادة الفعل خاصة ؛ إذ قد يكنى بالقدرة عن الفعل إذ هي سبب الفعل ؛ كالأمر المعتاد بين الخلق يأمر رجل آخر بفعل فيقول : لا أستطيع ولا أقدر ، أي : لا أفعل ، وعلى هذا تأويل قوله - عز وجل - { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ المائدة : 112 ] أي هل يفعل ذلك فعلى هذا تأويل هذا تأويل قوله - تعالى - : { إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } ، أي : لفاعلون ما هو خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا عن هؤلاء . فإن كان على هذا فيكون فيه بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجعل له أصحابا يرضاهم ، ويكون فيه إخبار الله - [ عز وجل ] - لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر والغلبة على المكذبين منهم ، ويكون فيه إنباء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفذ فيه مكرهم وإن اجتهدوا ، ويكون فيه إعلام أنه ينتقم منهم له ويعذبهم ، وقد فعل ذلك [ كله ] بحمد الله - عز وجل - والله المستعان ؛ حيث بدل من أهل مكة أهل المدينة ، وكانوا خيرا منهم ؛ لأن أهل مكة كانوا عليه ، وأهل المدينة كانوا له ، فكانوا هم خيرا . وقوله - عز وجل - : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } . والمسبوق : المغلوب ، فكأنه قال : لا يسبقنا أحد ولا يعجزنا أحد عن ذلك ، ولا يفوتنا أحد فيما نريده . وقوله - عز وجل - : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } . قال أبو بكر : الخائض : المتحير ، واللاعب : الخاطئ ، فقوله : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } اي : دعهم فيما هم [ فيه ] من خطاياهم وتحيرهم في دينهم ، فكل من اشتغل بما لا يحتاج له فهو خائض لاعب ، وأصله أن كل أمر لا عاقبة له [ تحمد فهو فيه لاعب لاه ] ؛ كقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ محمد : 36 ] ، أي : من يعمل في الحياة الدنيا للدنيا لا للآخرة فهو لاعب لاه ، وكأن هذه الآية صلة قوله تعالى : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } الآية ، أمره بألا يشتغل بأولئك ويقبل على من يرجو منهم الإيمان . أو أمره بألا يشتغل بمكافأتهم بسوء صنيعهم ؛ فإن الله سينصره عليهم ويكافئه عنهم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } قد لاقوا ذلك اليوم وهو يوم بدر ، وسيلاقون اليوم الثاني وهو يوم الآخرة . وقوله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً } يخبر أنهم يخرجون من الأجداث ، وهي القبور سراعاً إلى الداعي ، والذي يحملهم على الإسراع هو أن أنفسهم أبت إجابة الداعي في الدنيا ؛ فنزل بهم الهلاك بتركهم الإجابة ، فيسارعون في ذلك اليوم إلى إجابة الداعي ؛ رجاء أن يتخلصوا من العذاب الذي حق عليهم بترك الإجابة ، وذلك لا ينفعهم وإن وجدت منهم التوبة والرجوع عن تلك الإجابة ؛ لأن ذلك اليوم ليس بيوم ينفع فيه الندامة والتوبة ، وإنما هو يوم تجزى فيه كل نفس بما كسبت ؛ وهذا كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] فأخبر أنهم يفزعون إلى الإيمان بالله تعالى لما أيقنوا أنهم إنما حل بهم البأس بإعراضهم عن الإيمان ، ففزعوا عند إيقانهم بالعذاب إلى الإيمان ؛ رجاء أن يتخلصوا من العذاب ، فلم ينفعهم ذلك ولم يغنهم من عذاب الله شيء ؛ إذ ذلك الوقت ليس بوقت قبول التوبة ، فيكون هذا تحريضا بالإسراع إلى إجابة الداعي والإيمان بما يدعو إليه قبل أن يؤمنوا إيمانا لا ينفعهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } . قرئ بنصب النون ، وجزم الصاد ، وهو اسم العلامة كالغرض وأشباهه . وقرئ بضم النون والصاد ، وهو اسم الصنم . فإن كان على العلامة ، فمعناه : أنهم يسارعون في ذلك الوقت إلى إجابة الداعي مسارعة من يسارع في هذه الدنيا إلى الغرض والعلامة المنصوبة ؛ كذا قاله بعض أهل التأويل . وذكر عن الكلبي { إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } : إلى علم يسعون . وقال قتادة : إلى علم يستبقون . وعن مجاهد : إلى علم ينطلقون . فإن كان على الثاني ، فمعناه : أنهم يسرعون إلى إجابة الداعي في ذلك ؛ كسرعتهم إلى عبادة النصب عند خوفهم فوت عبادتها وعند اجتماع عبادها عندها لو يبتدرون نصبهم حتى يستلموها . ومنهم من ذكر أن النصب برفع النون والصاد هي الأغراض التي يسبقون إليها ، ومن تأول هذا فهو يجعل النُّصُب هاهنا جمع النَّصْب . وقوله : { يُوفِضُونَ } أي : يسرعون . وقال الحسن : أي : يرملون ، وهما واحد ؛ لأن الإسراع في الرمل موجود . وقوله - عز وجل - : { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } : يحتمل أن يكون هذا على بصر الوجوه وصفة خشوعها [ على ] ما قال في آية أخرى : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] فيخشع خشوعا لا يملك صرف طرفه عن الداعي ، ففيه أن الذِّلة قد أحاطت بهم حتى أثرت في الأعين والوجوه ، وفي كل عضو . وجائز أن يكون هذا على بصر القلوب ، وهو أن قلوبهم تشتغل بإجابة الداعي عن أن تبصر لنفسها حيلة تتخلص [ بها ] من أهوال ذلك اليوم وشدائده . وقوله - عز وجل - : { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } : أي : تعلوهم ، والذلة : الحالة في النفس تبدو وتظهر من الأبصار . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } . حقه أن يقول : هذا اليوم الذي كانوا يوعدون ؛ لأنه أضاف إلى اليوم الذي كانوا يوعدون في الدنيا . ولكن معناه : كانوا يوعدون ذلك اليوم في الدنيا ، وذلك اليوم في الوقت الذي كانوا يوعدون غير موجود ، فيعبر عنه بما يعبر به عن الغائب ، والله أعلم ، [ وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين ] .