Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 19-35)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } اختلف في تأويل الهلوع من وجوه ، كل يرجع إلى معنى واحد : فقال بعضهم : الطامع في اللذات ، الطالب لها ، والكاره للأثقال ، الهارب منها . وقيل : { خُلِقَ هَلُوعاً } ، أي : على حب ما يتلذذ به ، والقيام بطلبه وبغض ما يتألم به ، والهرب عنه . ومنهم من يقول : الهلوع : الضجور ؛ وهو موافق للتأويل الأول ؛ لأن الذي يحمله على الضجر هو ما يصيبه من الألم ؛ فيضجر لذلك أو يضجر عن حق الله تعالى . ومنهم من يقول : تفسيره ما ذكر على أثره من قوله : { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } ، وهذا - أيضا - مثل الأول ؛ لأن الذي حمله على المنع شدة حبه إياه ، والذي حمله على الجزع ما مسه من الضر والشر ، فجزعت نفسه لذلك ؛ لأنها أنشئت نافرة عن الضر ومبغضة له ، وقال الله تعالى : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 17 ] ، وقال في موضع آخر : { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } [ الإسراء : 100 ] ، أي : لا يسخو على إخراج ما في يديه . ففي هذه الآيات إنباء أن الإنسان خلق على هذه الأحوال : قتورا عجولا ، هلوعا ، فلما أنشئ على حب ما ينفعه وبغض ما يكرهه ويتألم به ، علم أنه خلق على هذه الأحوال ؛ للمحنة ، فمن تذكر فيما وعد الله تعالى من النعم لمن قام بوفاء ما أمره به ، حمله ذلك على التسارع في الخيرات وترك ما يحبه في الدنيا ؛ لينال الموعود في الآخرة ؛ إذ هو في الأصل أنشئ محبّاً لما يتلذذ به ، ومن تذكر ما أوعد من العذاب بما يعطي نفسه من الشهوات من معاصي الله تعالى ، وبما يمنع من حقوق الله تعالى الواجبة في ماله ، سهل عليه ترك الشهوات ، وخف عليه بذل ما طلب منه ؛ لئلا يحل به ما ينغص بعيشه من الآلام والأوجاع والمكاره . والأصل أن الإنسان وإن كان مطبوعا على هذه الأخلاق الذميمة من البخل ، والإقتار ، والعجلة ، وجبل عليها ، فقد ملك رياضة نفسه ، ويمكنه أن يستخرجها من تلك الطباع الذميمة إلى أضدادها من الأخلاق الحميدة ، والشمائل المرضية ؛ فلزمه القيام بذلك ؛ ألا ترى أنه يتهيأ له أن يقوم برياضة الدواب والسباع ، فيخرجها بالرياضة عن طباعها التي أنشئت عليها من النفار عن الخلق والامتناع عن الانقياد ، حتى تصير منقادة للخلق ، ذليلة لهم ، فيتهيأ لهم الاستمتاع والتوصل إلى منافعها ، فكذلك الإنسان إذا قام برياضة نفسه أمكنه أن يستخرجها عن خلقها ؛ فتصير مطيعة له ، ويخف عليها بذل ما يطلب منها ، ويسهل عليها تحمل ما كان يشتد عليها . ثم الأصل : أن المرء ، وإن جبل على حب ما يتلذذ به ، وبغض ما يتألم ويتوجع [ منه ] ، فقد جبل أيضا على ترك ما هو فيه من اللذة ؛ للذة هي أعظم منها ، وعلى التصبر لاحتمال الأذى والمكروه ؛ ليتخلص عما هو أعظم من ذلك المكروه والألم ، وإذا كان كذلك فهو إذا قابل نعيم الدنيا بنعيم الآخرة ، وأقرب اللذتين بأبعدهما ، فرأى لذة الآخرة أعظم وأبقى ، خف عليه ترك أقربهما لأبعدهما وأقلهما لأكثرهما ، وإذا قابل مكروه الدنيا بمكروه الآخرة ، وعذابها بعذاب الآخرة ، فرأى عذاب الآخرة أشد وأبقى ، خف عليه تحمل المكاره في الدنيا ؛ فهذا السبب الذي ذكرنا ما يتوصل به إلى رياضة النفس . والذي يدل على أن المرء قد يخف عليه تحمل الشدائد وترك اللذات الحاضرة ؛ لما يأمل من اللذات الآجلة أنك ترى المرء قد يهون عليه الضرب في الأرض ، وقطع الأسفار ، وتحمل المؤن ، وركوب الأهوال والفظائع ، والانقطاع عن اللذات ؛ كالذي يخرج للتجارة من بلده إلى بلاد نائية ؛ لما يرجو من النفع والربح في ذلك ، فتحمل ما يمسه من المكاره والمؤن ، لما يطمع من نيل اللذات التي هي أعظم من اللذات التي تركها ؛ فعلى ذلك إذا تفكر في نعيم الآخرة ، وتفكر في عقابها ، سهل عليه ترك اللذات الحاضرة ، وخف عليه تحمل المكاره في الدنيا . ووجه آخر : أنه لما جبل على حب اللذات وبغض المكاره ، أمر أن يجعل ما يحبه من العاجل آجلا ، فيكون شغله أبدا فيما يوصله إلى نعيم الآجل ، وأمر أن يجعل هربه عن الآلام الآجلة ، فيجتهد فيما فيه التخلص والنجاة عن تلك الآلام ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } معناه - والله أعلم - : لأن المصلين يقومون برياضة أنفسهم حتى يصرفوها عن خلقتها التي أنشئت عليها ، ثم بين أن الذين يقومون برياضة أنفسهم هم الذين يقومون على صلواتهم دون الذين يقومون إلى الصلاة كسالى ولا يدومون عليها ، ولا ينفقون من أموالهم إلا عن كراهة . ثم قوله - عز وجل - : { عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } دوامهم عليها في لزوم ما عرفوها ، وهو أن يقيموها في أوقاتها ، ويحافظوا عليها دون أن يكون دوامهم أن يكونوا فيها أبدا ؛ ألا ترى [ إلى ] ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " وأراد بقوله : " أدومها " : لزومها في الوقت الذي أوجبوا فعل ذلك على أنفسهم ، لا أن يكونوا أبداً فيها ؛ لأنهم إذا بقوا فيها أبداً ، كثر ذلك منهم ، فلا يكون لقوله : " وإن قل " معنى ، فثبت أن معنى الدوام ما وصفنا ، والله أعلم . وجائز أن يكون المراد من المداومة هو أن يدوم على الأحوال التي تليق بالصلاة عند كونه فيها من الإقبال على المناجاة ، وترك الالتفات ، وتفريغ القلب عن الأشغال والوساوس . وقال بعضهم : { عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } : هو التطوع ، و { عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 9 ] : الفريضة . قالوا : وتصديقه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا صلوا صلاة داموا عليها ، [ وكانوا يقولون : " خير العمل ] أدومه وإن قل " . وأصله : أن الله تعالى قال : { وَأَقَامُواْ } [ البقرة : 277 ] ، والإقامة على الشيء هي الدوام عليه ؛ لأنه إذا فعل الشيء مرة ثم تركه ، لم يوصف بالإقامة عليه ؛ فقوله : { دَآئِمُونَ } و { يُقِيمُونَ } [ المائدة : 55 ] يقتضي معنى واحدا ؛ فيكون فيه إبانة أن الصلاة يلزم فعلها مرة بعد مرة ، وليست كالفرائض التي إذا أديت مرة ، سقطت ؛ من نحو الجهاد ، والحج . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } قيل : هو الزكاة ، ذكر ذلك عن قتادة وغيره . وقال أبو بكر : هذا غير محتمل ؛ لأن هذه الآية مكية ، وإنما فرضت الزكاة عليهم بعد هجرتهم إلى المدينة . ولكن ليس فيما ذكره دفع لهذا التأويل ؛ لأنه يجوز أن تكون الزكاة لم تفرض عليهم ؛ لما لم يكونوا أصحاب أموال ؛ لأن الزكاة لم تكن مفروضة في الجملة ، وبين الوجوب إذا استفادوا الأموال ؛ ألا ترى أن الفقير قد يعلم إيتاء الزكاة من المال وإن لم يكن له مال ؛ ليقوم بأدائها إذا صار من أهلها ؛ فقوله : { حَقٌّ مَّعْلُومٌ } أي : أعلمه الله تعالى في أموالهم ، فلزمهم إخراجه ، ثم بين أن خروجهم مما لزمهم من حق الله تعالى في أموالهم بالدفع [ إلى السائل والمحروم ] . وجائز أن يكون ذلك الحق المعلوم هو حق القرابة وغيره . ومن ذكر أن هذا الحق غير الزكاة ، قالوا : إنهم كانوا أُعْلِموا في أموالهم حقّاً ، فجعلوا طائفة منها للسائل ، وطائفة للمحروم ؛ لذلك سماه : حقا معلوما . ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت شيئا معلوما مفروضا عليهم في أموالهم نسخته آية الزكاة ، ولم يذكر لنا ذلك ؛ لعدم حاجتنا إليه . ثم السائل معروف ، وهو الذي يسأل . وأما المحروم فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المحروم ، فقال : " المحروم هو الذي لا يثمر نخله ، ويثمر نخل الناس ، ولا يزكو زرعه ، ويزكو زرع الناس ، ولا تلبن شاته وتلبن شاة الناس " فعنوا بالمحروم هذا : أنه حرم بركة ماله . وفي هذا [ الخبر ] دليل على أن المرء لا يصير غنيّاً بملك النخيل والأرض . وجائز أن يكون المحروم هو الذي حيل بينه وبين وجوه المكاسب ، فمن كان حاله هكذا كان علينا أن نتعاهده ونقوم بكفايته . وقال الحسن : المحروم هو الذي يتعفف عن السؤال وإن هلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } فيوم الدين هو يوم الجزاء ويوم الحساب ، فكل من عرف الجزاء وآمن به لم يجزع بما يصيبه ، ولا منع الحق الذي طلب منه ، ولم يوصف بأنه هلوع ، وإنما الهلوع هو الذي يكذب بيوم الدين ، كما قال : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } [ الماعون : 1 - 2 ] [ فأخبر أن الذي يدع اليتيم ] ولا يحض على طعام المسكين هو الذي لا يؤمن بالآخرة . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } ، أي : خائفون ، وجلون ، وهم الذين قال - عز وجل - في آية أخرى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [ المؤمنون : 60 ] . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل [ له ] : أهم الذين يسرقون ويزنون ويعملون بالمعاصي ؟ فقال : " لا ، بل هم الذين يصومون ويصلون ويؤتون الزكاة " ، أو كما قال بلفظه عليه السلام . ووجلهم هو أنهم يخافون ألا يقبل منهم حسناتهم . أو يخافون أن يكونوا قصروا عن الوفاء بشكر النعم ، أو غفلوا عن شكر كثير منها . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } فهذا هو الحق ألا يأمن أحد من عذابه [ وإن دأب في عبادته واجتهد في طاعته ؛ لما لا يدري ] على ماذا يختم أمره ؟ أو يخاف ألا يقبل منه ويرد عليه ، أو يخاف أن يكون قد قصر عن شكر كثير من النعم ، وغفل عنها . والأصل أنه ما من أحد ينظر في أمره وحاله إلا وهو يرى على نفسه من الله تعالى نعما لو أجهد نفسه ليقوم [ بشكر واحد ] منها لقصر عن ذلك ، ولم يتهيأ له القيام بوفائها ، فمن كان هذا وصفه ، فأنى يقع له الأمن من عذابه ، ويوجد منه الوفاء بالأسباب التي يؤمن بها إلا أن يكون من الخاسرين . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } ، ذكر حفظ الفرج ، ولم يذكر بم يحفظ ؟ [ وحفظه يكون ] بخصال : أحدها : أن يسكن في قلبه جلال الله وهيبته ، ويخشى عقابه في المعاد . والثاني : بما جعله [ الله ] سببا للتعفف ، من النكاح وملك اليمين ؛ فيمنعه ذلك عن الزنى ويحفظ الفرج . والثالث : يجيع بطنه بالصيام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يقدر على الباه فليصم ؛ فإن الصوم له وجاء " . والرابع : بما يترك النظر إلى النساء ولا يخلو بهن ، ويدع مجالسة الفجار وأهل الريبة . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } ولو لم يقل : { غَيْرُ مَلُومِينَ } ، لكنا نعلم بقوله : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أنهم لا يلامون ؛ لأنه قد أباح لهم الاستمتاع بمن ملكت أيمانهم ومن كان تحتهم بملك النكاح ، ولا يجوز أن تلحق اللائمة باستعمال المباح المطلق ، ولكن فيه فوائد : أحدها : أن من الناس من يحرم الاستمتاع بملك النكاح وملك اليمين ، فيخبر أنهم عند من اعتقد الإيمان بالرسل غير ملومين ، وإنما يلومهم من أنكر الرسالة ، وهم الثنوية والبراهمة . وجائز أن يكون معناه : أنهم وإن منعوا النساء عن الجماع بما هو خير لهم من الصيام وأنواع القرب ، لم تلحقهم اللائمة كما يلام من يمنع آخر عن طاعة الله تعالى ، وإذا استمتعوا بملك النكاح وملك اليمين ، لم يبلوا بالزنى ؛ فتلحقهم اللائمة بذلك . وقوله - عز وجل - : { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } العادي : هو الظالم في الحقيقة ؛ يقال : عدا فلان على فلان ؛ إذا ظلمه ، فهم عادون ؛ حيث ظلموا أنفسهم فوضعوها في موضع لم يؤذن لهم بالوضع فيها . وقال الحسن : هم العادون حيث عدوا من الحلال إلى الحرام . وفي هذه الآية دلالة تحريم المتعة ؛ لأنه أخبر أن من ابتغى وراء ملك اليمين وملك النكاح ، فهو إذن من العادين . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } فالأمانات لها وجهان : أحدهما : ما ائتمن الله - عز وجل - عباده على ما له من الحقوق عليهم . والثاني : ما ائتمن بعضهم بعضا على الحقوق والعهود التي تجري بين الخلق من الذمم ، والنذور ، وغير ذلك ؛ فيدخل فيه كل أمانة بين العبد وبين ربه ، وبينهم وبين الخلق ، وكل عهد أخذ عليهم ؛ من نحو قوله : { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] - قيل في التأويل : العهود - ثم بين ذلك فقال : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ … } الآية [ المائدة : 12 ] ، والعهد الذي أعطينا للمعاهدين ، فكل ذلك داخل تحت الآية ، وقد يدخل معنى الأمانة في العهد والعهد في الأمانة ، وقد يجوز أن يقع بينهما فرق ، والله أعلم . [ وقوله - عز وجل - : ] { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } أي : يقيمونها لله تعالى كقوله : { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ } [ النساء : 135 ] ، أو قائمون بالوفاء بما عليهم من الشهادة ، فيقومون لها ، أحبوا أو كرهوا ، ضرهم ذلك أو نفعهم . وقوله - عز وجل - : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } محافظة الصلاة إقامتها في أوقاتها بشرائطها ، والذي يحملهم على المحافظة ما يخشون الله تعالى ، ولما جعلت تكفيرا لسيئاتهم ؛ فيرغبون في إقامتها ؛ تكفيرا عن سيئاتهم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } في الآية إبانة أن من يكرم بالجنان هؤلاء . وذكر عن أبي بكر الأصم أنه قال : في هذه [ الآية ] دلالة أن من وفى بهذه الأشياء التي ذكرها في هذه السورة من الإدامة على الصلاة ، وإيتاء الحق المعلوم ، والتصديق بيوم الدين … إلى آخر ما ذكر - فهو الذي يكرم بالجنة ، والخاطئ الذي يرجع عن خطيئته ويتوب عنها ، فأما غير هذين فهو لا يستوجب الإكرام بالجنة ، فما ذكر من الإكرام بالجنة للصنفين اللذين ذكرهما فهو كما ذكر ، وأما الصنف الثالث فهم الذين بلوا بالخطيئات من أهل الإيمان ولم يتوبوا عنها ، فقد يرجى لهم هذه الكرامة بعفو الله سبحانه وتعالى ، وكرمه وجوده ، ومن كان هذا وصفه لم يؤيس من إحسانه ، بل كان العفو منه مأمولا والإحسان منه مرجوّاً .