Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 36-40)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } . جائز أن يكون هذا الإنسان دهري المذهب ؛ فيكون قوله : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } على حقيقة الحسبان ؛ لأنه يحسب أن لا بعث ولا حساب ، وقد كان في أهل مكة من هو دهري المذهب ، وإن كان الخطاب في قوله : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ليس على تحقيق الحسبان ، ولكن معناه : أيفعل فعل من يُؤْذِن عن أمره ، كان فعله موافقا لفعل من يحسب أنه يترك سدى ؛ كما ذكرنا في قوله : { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } [ القيامة : 5 ] ، وهو لا يريد أن يكون فاجرا في الحقيقة ؛ ولكن يفعل فعل من يعقب فعله الفجور ، وهو كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] ، وليس على حقيقة الظن ؛ ولكن إذا لم يقل بالبعث ، ولم يؤمن به ، فقد وصف أن خلقهما إذن على باطل ، وذلك الفعل الذي ذكرنا يكون في ترك الإيمان بالبعث وفي جحد الرسالة ؛ لأن المحاسن لا بد من أن يكون لها عواقب ، وكذلك المساوئ ، ثم تمر هذه الدار على المسيء والمحسن مرّاً واحدا ؛ فلا بد من أن يكون بعده دار أخرى فيها تتبين مرتبة المحسن ومذلة المسيء ، فما لم يؤمن بالبعث فهو لا يجعل للمحاسن والمساوئ عواقب ، وسوى بين مرتبة المسيء ومرتبة المحسن ، وذلك عبث . والثاني : أن من عرف أنه لم يخلق عبثا ، ولا يترك سدى ؛ فلا بد لمثله من أن يرغب ويرهب ، ويؤمر وينهى ؛ ولا يعرف ذلك إلا بالرسول ، فالضرورة أحوجت إلى رسول ، يبين لهم ما يأتون وما يتقون ، وما يرغبون في مثله ، وعما يحذرون ، فمن أنكر الرسالة فقد أهمل نفسه عن المرغوب والمرهوب ، وعن الأمر والنهي ، وذلك حال من خلق سدى . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } : فالوجه فيه أن كل أحد يعلم أن نشوءه كان من نطفة ، وتلك النطفة لو رئيت موضوعة على طبق ، ثم اجتمع حكماء الأرض على أن يقدروا منها بشرا سويا كما قدره الله - عز وجل - في تلك الظلمات ، لم يصلوا إليه أبدا وإن استفرغوا مجهودهم وأنفدوا حيلهم وقواهم ، ولو أرادوا أن يتعرفوا المعنى الذي لذلك المعنى صلحت النطفة على أن ينشئ منها العلقة والمضغة إلى أن أنشأ منها بشرا سويا ، لم يقفوا عليه ، فيعلمون أن من بلغت قدرته هذا هو أحكم الحاكمين . ولو كان الأمر على ما زعموا : أن لا بعث ، لم يكن هو أحكم الحاكمين ؛ بل كان واحدا من اللاعبين . [ وتبين بما ] ذكرنا أن الذي بلغت قدرته [ ذلك ] لا يوصف بالعجز ، ومن زعم أن قدرته لا تنتهي إلى البعث فقد وصف الرب بالعجز ، تعالى الله عما يشركون . وقوله - عز وجل - : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } : فقوله : { أَلَيْسَ } ، في موضع التحقيق والتقرير ، وإن كان خارجا مخرج الاستفهام على ما ذكرنا : أن ما يخرج مخرج الاستفهام من الله تعالى ، فحقه أن نصرفه إلى الوجه الذي يقتضيه ذلك الخطاب أن لو كان من مستفهم ؛ فمن قال لآخر في الشاهد : أليس الله تعالى بقادر على إحياء الموتى ؟ فحقه أن يقول : بلى هو قادر على ذلك ، وكذلك ذكر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين تلا هذه الآية : " سبحانك ، فبلى " فقوله : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ } أي : هو قادر على إحياء الموتى ، والله الموفق .