Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 26-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } فقوله : { كَلاَّ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون أريد به : حقا . ويحتمل أن يكون على الردع والرد ؛ أي : لا تفعل مثل هذا ؛ فإنك ستندم في الوقت الذي قال : { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } ؛ كأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت ندمه ، فبين لهم ذلك بقوله تعالى : { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } ، والتراقي : هي عروق العنق ، كأنه يقول : حين تزول النفس ، أي : الروح عن مكانها ، وتنتهي إلى التراقي . وقوله - عز وجل - : { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } جائز : أن يكون الملائكة هم الذين يقولون هذا ، فيقول بعضهم : من يرقى بروحه : أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ مِنْ رقي يرقى ، أي : صعد . أو : من يقبض روحه ؟ ويحتمل أن يقول أهله : من الذي يرقيه رقية فيشفى ؟ فيكون فيه إخبار عما حل به من الضعف والشدة ؛ أنه يمتنع عن أن يقول : ادعوا لي راقيا لعلي أُشفَى ؛ فيكون أهله هم الذين يقولون هذا فيما بينهم . وقوله - عز وجل - : { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } : جائز أن يكون الظن على الإيقان هاهنا ؛ لما وقع له اليأس من الحياة ، وكذلك روي في قراءة ابن عباس - رضي الله عنه - : { وأيقن أنه الفراق } . وجائز أن يكون على حقيقة الظن ؛ لما لم يقع له الإياس من حياته بعد ، فهو يأملها بعد . وقوله - عز وجل - : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } : اختلفوا في تأويله : قيل : لفت ساقاه إحداهما على الأخرى ؛ فلا يفترقان ؛ كالتفاف الأشجار حتى لا يجد نفاذا فيها ولا هربا . وقيل : إن ساقيه في القيامة لتضعف عن حمله ؛ من شدة الفزع . وقيل : أريد بالساق : الشدة ، يقال : قامت الحرب على ساق ؛ أي : على شدة ؛ أي وصلت شدة الموت بشدة الآخرة ، واجتمعت شدة الدنيا مع شدة الآخرة عليه ؛ لأنه قد حل به سكرات الموت ، ونزلت به شدائد الآخرة ، وذلك آخر يومه من الدنيا وأول يومه من الآخرة . وقيل : ما من ميت يموت إلا التفت ساقاه من شدة ما يقاسي من الموت . وقال بعضهم : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } ، معناه : أن الملائكة يجهزون روحه ، وبني آدم يجهزون بدنه ، فذلك التفاف الساق بالساق . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } : أي : إلى ما وعد ربك يومئذ يساق : إما إلى خير ، وإما إلى شر . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ صَدَّقَ } ، أي : فلا صدق بما جاء من عند الله تعالى من الأخبار ، ولا صدق رسوله صلى الله عليه وسلم . { وَلاَ صَلَّىٰ } يحتمل أن يكون أريد به نفس الصلاة ، وذلك أن الصلاة حببت إلى الأنفس كلها حتى لا ترى أهل دين إلا وقد حببت الصلاة إليهم ؛ فيكون في قوله : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } إبانة سفهه وجهله . أو يكون قوله : { وَلاَ صَلَّىٰ } ، أي : ولا أتى بالمعنى الذي له الصلاة ، وهو الاستسلام والانقياد لله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } : أي : ولكن كذب بالأخبار التي جاءته . { وَتَوَلَّىٰ } ، أي : أعرض عن طاعة الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } ، أي : يتبختر ويتكبر ، وذلك أن الاحتيال والتكبر إنما يليق بمن أتى بفعل عظيم يعجز غيره عن إتيان مثله ؛ نحو أن يهزم جندا عظيما ، أو يفتح كورة حصينة ، وهذا الذي تمطى لم يفعل سوى أن كذب بآيات الله تعالى ، وأعرض عن طاعته ، وما هذا إلا فعل السفهاء الحمقى ، فأنى يليق بمثله التمطي ؟ ! وقوله - عز وجل - : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } : جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له : قل : أولى لك فأولى . أو كان رسول الله قال له : أولى لك فأولى ، فبين الله تعالى ذلك في كتابه . وقال أهل التأويل : هذا وعيد على وعيد ، كأنه قال : " ويل لك فويل ، ثم ويل لك فويل " . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بجميع ثيابه ، وقال له هذا ، فلم يتهيأ لذلك المسكين أن يدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، وكان يفتخر بكثرة أنصاره ، وأنه أعز من يمشي بين الجبلين ، فالله تعالى بلطفه أذله وأهانه حتى لم يتهيأ له الحراك عما نزل به ، ولا نفعه قواه وكثرة أتباعه . وجائز أن يكون قوله : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } أي : أجدر لك ، وأحرى ، لا أن يكون محمولاً على الإبعاد ؛ فيكون قوله : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } ، أي : الأجدر لك أن تنظر فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وفي الذي كان عليه آباؤك ؛ ليظهر لك الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، فتتبع الصواب من ذلك ، فتحرز به شرف الدنيا والآخرة ؛ إذ كان يفتخر بشرفه وعزه ، فإن أردت أن يدوم لك الشرف ، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا ، فتتبع الصواب من ذلك . والثاني : أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها والذب عنها ، [ سواء ] كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان من قبيلة أبي جهل - لعنه الله - فلو كان على غير حق عنده ، كان الأولى به أن ينصره ، ويعينه ، على ما عليه عادة العرب ، وإن كان محقا فهو أولى ، فترك ما هو أولى به من النصر والحماية ، والله أعلم .