Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 34-46)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } قال : الطامة : هي الصيحة ، سميت : طامة ؛ لأنها تطم الأشياء وتعمها ، وسميت : كبرى ؛ لأنها إن طمت بالعذاب فهو يدوم ولا ينقطع ، وإن أحاطت بالثواب والكرامة فهو يدوم ولا ينقطع ؛ فسميت : كبرى ؛ لدوامها . وقوله - تعالى - : { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } : ما عمل ، وتذكره يكون بوجهين : أحدهما : بقراءته كتابه ؛ [ كقوله تعالى ] : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] والتذكر الثاني يكون بالجزاء . فالتذكر الأول يكون باللطف من الله تعالى ، وإلا فالمرء قد يكتب أشياء ، ثم ينساها إذا طالت المدة ، ولا يتذكر بالقراءة ، ففيما لم يتول كتابته أحق ألا يتذكر ، لكن الله - تعالى - بلطفه يذكره بالقراءة ؛ فيعرف به صدق ما كتبته الملائكة ، ويعرف أنه إذا عوقب ، عوقب جزاء ما كسبته يداه ، ويكون الجزاء أبلغ في التذكير ؛ فيتذكر في ذلك الوقت ، أيضا . وقوله - عز وجل - : { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } وقرئ { لمن ترى } فتضيف الرؤية إلى الجحيم ؛ كقوله : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 12 ] . وقوله - عز وجل - : { لِمَن يَرَىٰ } جائز أن تكون الرؤية كناية عن الحضور والدخول ؛ فيكون قوله : { لِمَن يَرَىٰ } أي : لمن يدخلها ويحضرها ، وهو كقوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] ، ومعناه : أن رحمة الله للمحسنين ، وقال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [ الأعراف : 19 ] ، وأريد بالقرب : التناول ؛ فكنى عنه بالقرب ؛ فجائز أن تكون الرؤية هاهنا كناية عن الدخول والحضور ؛ فيكون فيه إخبار عن إحاطة العذاب بجميع أبدانهم . وجائز أن يكون أهل الرؤية هم أهل الجنة ، فيرونها مشاهدة ؛ فيتلذذون بذلك لما نجوا وفازوا بالنعيم ، كما تألموا بذكرها عندما كانت غائبة لا يرونها ؛ قال الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [ المؤمنون : 60 ] ، وقالوا : { إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا … } الآية [ الطور : 26 - 27 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، أي : عصى ، وتمرد . أو طغى بأنعم الله - تعالى - فاستعملها في معاصيه ، أو جاوز حدود الله . وقوله - عز وجل - : { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } جائز أن يكون إيثاره أن يبتغي بمحاسنه الحياة الدنيا حتى أنساه ذلك عن الآخرة ، وإذا ابتغى بها الحياة الدنيا ، لم يبق له في الآخرة نصيب ؛ لأنه قد وفي له عمله ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } [ هود : 15 ] . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } ، أي : يأوي إليها . وقوله - تعالى - : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } : جائز أن يكون أريد بالمقام حساب ربه أو مقامه عند ربه ، فأضيف إلى الله تعالى ؛ لأن البعث مضاف إليه ، فكل أحواله أضيف إليه أيضا . وجائز أن يكون الخوف راجعا إلى الحالة التي هو فيها ؛ فيخاف أن يكون مقامه في موضعٍ نَهَى الله تعالى عن المقام فيه . وقوله - عز وجل - : { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } ، ليس هذا نهيَ قول ، وإنما نهيه إياها أن يكفها عن شهواتها ولذاتها ، وكفها أن يشعرها عذاب الآخرة ، ويخوفها آلامها وعقابها ، فإذا فعل ذلك سهل عليها ترك الشهوات الحاضرة ، وسهل عليها العمل للآخرة ، والناس في نهي النفس عن هواها على ضربين : فمنهم من يقهرها فلا يعطيها شهواتها ، فهو أبدا في جهد وعناء . ومنهم من يذكرها العواقب ويريها ما أعد لأهل الطاعة ، ويعلمها ما يحل بالظلمة ؛ فيصير ذلك لها كالعيان ؛ فتختار لَذَّات الآخرة على لذات الدنيا ؛ إذ ذلك أدوم وألذ ، ويسهل عليه العمل للآخرة ، والهوى هو ميل النفس إلى شهواتها ولذتها ؛ ففيه أن الأنفس جبلت على حب الشهوات والميل إليها ، ولا تنتهي عن ذلك إلا بما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } : هي القيامة ، سميت : ساعة ؛ لما يخف أمرها على من إليه تدبيرها . أو سميت : ساعة ؛ لسرعة كونها إذا أتى وقتها . أو سميت : لقربها إلى الحالة التي كانوا عليها ؛ كقوله تعالى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] . ثم إن كان هذا السؤال من المؤمنين فهو سؤال استهداء ، كأنه لما قيل لهم : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] ، و { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] ، قالوا : متى تكون الساعة ؟ فنزلت هذه الآية . وجائز أن يكون السؤال من الكفرة ؛ لما ذكرنا أنه ليس في تبيين وقتها كثير منفعة حتى تقع الحاجة للمسلمين إلى تبيينه بالسؤال ؛ فيسألونه سؤال استهزاء واستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسألونه استعجالها بقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] ؛ فكانوا يسألونه عن شيء يعلمون أنهم متعنتون في السؤال ؛ قصدا منهم للتمويه والتلبيس على الضعفة والأتباع ؛ لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك الوقت ليس هو وقت مجيء الساعة ، فإذا طلبوا الاستعجال علموا أنه لا يتهيأ له أن يريهم في ذلك الوقت ؛ إذ ذلك يخرج مخرج خلاف الوعيد ؛ فيحتجون على الضعفة أنه لو كان صادقا في مقالته : إن الساعة تكون ، لكانوا متى طلبوا مجيئها ، يأتيهم بها . وقوله - عز وجل - : { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } ، أي : لست أنت من علمها في شيء . هذا إن ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلع عليها [ أو لست أنت من أخبارها في شيء ؛ إذا لم يثبت ، ولم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلع عليها ] . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } ، أي : منتهى علمها ؛ فيكون هذا نهياً للسائلين عن العود إلى السؤال . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } فهو صلى الله عليه وسلم كان منذرا للعالمين جملة بقوله : { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] ، لكنه ينتفع بإنذاره من يخشى الإنذار . وقوله - عز وجل - : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } قال أهل التأويل في هذه الآية : إنهم إذا رأوا الساعة ، استقصروا هذه الأيام ، وقلت الدنيا في قلوبهم حين عاينوا الآخرة . وجائز أن يكون تأويله : أنهم لو أرادوا الساعة للحالة التي هم فيها ، لم يلبثوا فيها إلا عشية أو ضحاها ، فلا يقع ذلك موقع التهويل والتخويف ، والله أعلم [ بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ] .