Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } . اختلف فيه ؛ قال بعضهم : الأنفال : هي المغانم التي يغنمها المسلمون من أهل الحرب . وقال بعضهم : الأنفال : هي الفضول عن حقوق أصحاب الغنائم . فإن كانت الأنفال الغنائم ، فالسؤال يحتمل وجهين : يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها ؛ لأن الغنائم كانت لا تحل في الابتداء . قيل : إنهم كانوا يغنمونها ويجمعونها في موضع ، فجاءت نار فحرقتها ، فسألوا عن حلها وحرمتها ، فقال : { ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } ، أي : الحكم فيها لله [ والرسول ] يجعلها لمن يشاء . ويحتمل السؤال [ عنها : عن قسمتها ] ، وهو ما روي في بعض القصة أن الناس كانوا يوم بدر ثلاثة أثلاث : ثلث في نحر العدو ، وثلث خلفهم ردء لهم ، وثلث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسونه ، فلما فتح الله عليهم اختلفوا في الغنائم ؛ فقال الذين كانوا في نحر العدو : نحن أحق بالغنائم ، نحن ولينا القتال . وقال الذين كانوا ردءاً لهم : لستم بأولى [ بها ] منا ، وكنا لكم ردءاً . وقال الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : لستم بأحق بها منا ، كنا نحن حرساً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا فيها إلى رسول الله ، فنزل : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } . وقال أبو أمامة الباهلي : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت فيه أخلاقنا ، إذ انتزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله ، فقسمه على السواء . ومجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول فنسخها : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] . وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الأنفال : المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، ليس لأحد فيها شيء ، ما أصابت سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول ، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها ، فقال : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } ، ليس لكم فيها شيء . ويحتمل أن تكون الأنفال هي فضول المغانم ؛ على ما قال بعضهم ؛ نحو ما روي في الأخبار أن منهم من أخذ كبة فقال : اجعلها لي يا رسول الله ، وأخذ الآخر سيقاً وقال : اجعله لي ، ونحو ذلك كانوا يسألون رسول الله ذلك ، فقال : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } . ويحتمل أن يكون سؤالهم عن التنفيل : أن ينفلهم الرسول بعد ما وقع في أيديهم ، أو بعد ما انهزم الكفار وأدبر العدو ، وإنما يجوز للإمام التنفيل في حال إقبال الحرب ، وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : النفل ما لم يلتق الزحفان أو الصفان ، فإذا التقيا فهو مغنم . وروي عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد قال : " نزلت في أربع آيات : جرى أنه يوم بدر أصبت سيفاً ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : نفلنيه ، فقال : " ضعه ثم [ قام ] " ، فقلت يا نبي الله ، نفلنيه أأجعل كمن لا عمل له ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعه من حيث أخذته " ، فنزلت هذه الآية : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } . ثم قال سعد : دعاني رسول الله فقال : " اذهب فخذ سيفك " " ، فدل حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينفل قبل الحرب أحداً شيئاً منه مما لا يأخذه ؛ لأنه لو كان نفلهم لم يمنع سعداً - رضي الله عنه - السيف الذي جاء به ، ويدل على أن النبي لم يؤمر في الغنيمة بشيء حتى نزلت آية النفل ، فرد الله الأمر في الغنيمة إلى رسوله ، فأطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ردّ الأمر [ إليه ] . ويجوز أن يكون النبي لم ينفل أحداً قبل الحرب شيئاً ، ولكنه كان ينفل مما يؤتى به من يشاء ممن قتل بغير إيجاب متقدم ؛ يبين ذلك قول سعد : أأجعل كمن لا عمل له ؟ ! وحديث عبادة يخبر أن النبي نفل ما يأخذون من أهل الحرب قبل أن يأخذوه ، وهذا موضع الاختلاف بين الحديثين ، والظاهر من ذلك أن الفعل قد كان وقع في الغنائم ؛ لأن الله قد سماها أنفالاً قبل أن يحلها ، فلولا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفلهم أياها قبل الحرب أو بعدها ، لم يسمها الله أنفالاً ، والله أعلم . وفي حديث عبادة أن قوله : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] نزل بعد ذكر النفل ، وأنه الحكم الناسخ الثابت ، وكذلك قول ابن عباس يدل على ذلك . وقد أجمع أهل العلم على ما ذكره عبادة في آخر حديثه ، فقالوا جميعاً : إن الغنيمة يخرج خمسها للأصناف الذين ذكرهم الله إلا ما ختلفوا فيه من سهم ذوي القربى ، ثم تقسم الأربعة الأخماس بين أهل القسمة ، وجعلوا للإمام أن ينفل السلب وغيره ، فيقول : " من قتل قتيلاً فله سلبه " ، يحرض بذلك المقاتلة ، وينفل السرية ويخرج من العسكر شيئاً بعد الخمس ، ومما أجمعوا عليه من قسمة الغنيمة أخماساً نزول القرآن ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغنيمة لم تحل لأحد قبلنا ، وقد أحلت لنا " . وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " [ لم ] تحل الغنيمة لقوم سود الرأس قبلكم ، كانت [ نار تنزل ] من السماء فتأكلها " ، فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم ، فأنزل الله - تعالى - : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } [ الأنفال : 68 - 69 ] ونحو ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } يحتمل وجوهاً : أحدها : يسألونك عمن له الأنفال ، فقال : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } . والثاني : يسألونك الأنفال : على إسقاط عن ، وقد كانوا يسألون الأنفال والمغانم . والثالث : يسأل كل [ عن ] نفل له الذي جعل له ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ } . قال أهل التأويل : اتقوا الله في أخذ الأنفال ، ولكن في الأنفال وفي غيرها اتقوا معصية الله ومخالفته في أمره ونهيه . { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } . أمر بإصلاح ذات البين ؛ لما ذكر من عظيم منته ونعمه التي أنعم عليهم بقوله : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] ، أخبر أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم ، وذلك من عظيم نعمه عليهم ، فأمر - هاهنا - بإصلاح ذات البين ؛ ليكونوا على النعمة التي أنعمها عليهم مجتمعين غير متفرقين . وقوله - عز وجل - : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } . أي : أطيعوا الله في أمره ونهيه ، ورسوله في آدابه وسننه { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . أو يقول : أطيعوا الله فيما دعاكم إليه ورغبكم فيه ، ورسوله فيما بين لكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . يعني : مصدقين به .