Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } إلى آخر ما ذكر . يحتمل وجوهاً : يحتمل قوله : إنما المؤمنون الذين [ حققوا إيمانهم بما ذكر من الأفعال . والثاني : إنما المؤمنون الذين ] ظهر صدقهم عندكم بما ذكر من الأفعال من وجل القلب والخشية والثبات واليقين على ما كانوا عليه ، ليس كالمنافقين الذين كانوا مرتابين في إيمانهم ، كما وصفهم في آية أخرى ؛ حيث قال : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } [ النساء : 142 ] ، وكانوا إذا أنفقوا أنفقوا كارهين ، وكانوا لا يذكرون الله إلا قليلاً مراءاة للناس ، وأما المؤمنون فهم الذين يقومون بوفاء ذلك كله حقيقة ، فيظهر صدقهم بذلك ، وهو ما وصفهم [ به ] في آية أخرى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحجرات : 15 ] . ويحتمل أن يكون على الاعتقاد خاصة ، ليس على نفس العمل ؛ كأنه قال : إنما المؤمنون الذين اعتقدوا في إيمانهم ما ذكر من وجل القلوب والخشية عند ارتكاب المعصية ، والتقصير عن القيام بما عليه ، وما يرتكب المؤمن من المعاصي إنما يرتكب عن جهالة ثم يتوب عن قريب ؛ كقوله : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } [ النساء : 17 ] ، يرتكب ذلك إما لغلبة شهوة ، أو يعتقد التوبة من بعده ، أو يرجو رحمة الله وفضله في العفو عن ذلك ، فيكون قوله : إنما المؤمنون الذين اعتقدوا لإيمانهم ما ذكر من الأفعال ؛ وهو كقوله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] هو على الاعتقاد والقبول له : أنهم إذا اعتقدوا ذلك وقبلوا ، يخلى سبيلهم وإن لم يقيموا الصلاة وما ذكر وكذلك الأول يحتمل ذلك . والرابع : يحتمل قوله : إنما المؤمنون هم الذين فعلوا هذا وأتوا بذلك كله ، لكنهم أجمعوا : أن من آمن بقلبه وصدق كان مؤمناً وإن لم يأت بغيره من الأفعال ؛ نحو أن يؤمن ثم يخترم ويموت من ساعته مات مؤمناً ؛ فدل أنه لم يخرج ذلك على الشرط لما ذكرنا ، ولكن على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } يخرج على وجوه : أحدها : يخبر أن المؤمن هو على وصف ما ذكر . أو يقول : إن المؤمنين الذين ينبغي أن يكونوا ما ذكر . أو يقول : إنما المؤمنون المختارون ما ذكر ، جعل الله تعالى ما ذكر من وجل القلب وغيره علماً بين الذين حققوا الإيمان في الظاهر والباطن وبين الذين أظهروا الإيمان وأضمروا الكفر والخلاف ، وكذلك ما ذكر في آية أخرى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ } [ النور : 62 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } يحتمل قوله : { ءَايَٰتُهُ } : حججه وبراهينه إذا تليت عليهم ذلك يزداد لهم ثباتاً وقوة على ما كانوا ، وأما المنافقون فإن الآيات التي نزلت كانت تزداد لهم بها رجساً وبعداً فإن المؤمنين يزيد لهم ذلك ثباتاً وقوة . أو ذكر الزيادة ؛ لأن للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت وكل ساعة ، فإذا كان له حكم الحدوث والتجدد فهو زيادة على ما كان ، فإن شئت سميتها زيادة وإن شئت سميتها ثباتاً . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : يزيد الإيمان بالتفسير على الإيمان بالجملة ، فإذا فسروا لهم وقالوا : فلان رسول ونبي ، ازداد بذلك له إيماناً وإن كان قد آمن به بالجملة ، وكذلك الإيمان بجميع الكتب والأمر وإن كنا نؤمن في الجملة أن له الخلق والأمر ، فإذا عرف ذلك الأمر ازداد له إيماناً في ذلك - والله أعلم - لأن من آمن بالله وأن له الخلق والأمر فقد أتى بعقدة الإيمان ، فإذا جاء بالتفسير واحداً بعد واحد ازداد له إيمانه بالتفسير على إيمانه بالجملة . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي : على ربهم يتقون ويعتمدون في كل أمورهم لا يتوكلون على غيره إنما يتوكلون على الله وليس كالمنافقين هم إنما يتوكلون على النعم التي أعطوا ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] ونحو ذلك ، وأما المؤمن فإنه في جميع أحواله يتوكل على الله ومنه يخاف ، وإن كان يصل ذلك إليه ويجري على يد غيره فهو في الحقيقة من الله . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } بحق الله الذي عليهم . وقوله - عز وجل - : { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } يحتمل وجهين : يحتمل : أولئك الذين حققوا إيمانهم . والثاني : أولئك المؤمنون الذين وعد لهم وعداً حقّاً ، وهو ما وعد لهم من الدرجات والمغفرة حق لهم ذلك الوعد ، والله أعلم . { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } قيل : فضائل عند ربهم { وَمَغْفِرَةٌ } أي : يستر عليهم ذنوبهم التي كانت لهم في الدنيا في الجنة وينسونها ؛ لأن ذكر ذلك ينقص عليهم نعمتهم التي أنعم عليهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } قيل : الحسن ورزق يكرم به أهله .