Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 27-29)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } . جعل الله - عز وجل - هذه الأمة وسطاً عدلاً بقوله : { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] ؛ فكأنه قال : يأيها الذين آمنوا قد جعلكم الله أمناء عدلا وسطاً ، فلا تخونوا الله فيه ؛ كقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ … } الآية [ النساء : 135 ] ، وقال : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ المائدة : 8 ] ، وقال : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأحزاب : 72 ] ، أخبر أنه ألزمهم الأمانة - أعني : البشر - دون ما ذكر من الخلائق فمنهم من ضيّع تلك الأمانة ؛ من نحو المنافقين والمشركين ، وخانوا فيها ، فلحقهم الوعيد بالتضييع ، وهو قوله : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ … } [ الأحزاب : 73 ] الآية ، فكأنه قال : يأيها الذين آمنوا ، قد قبلتم أمانة الله فلا تضيعوها ، ولا تخونوا فيها ؛ كما قال : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } [ النحل : 91 ] ، { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [ البقرة : 40 ] ، وغيرها من الآيات التي فيها ذكر الأمانات ، نهاهم أن يخونوا فيها ، فيكونون كأنهم خانوا أمانتهم . ويحتمل قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، إن أنفسكم وأموالكم لله ، وهي عندكم أمانة استحفظم فيها ، فلا تستعملوها في غير ما أذن لكم ؛ لأن من استحفظ أحداً في شيء ووضع عنده أمانة ، فاستعملها في غير ما أذن له - صار خائنا فيها ضامناً ؛ فعلى ذلك أنفسكم وأموالكم لله عندكم أمانة استحفظكم فيها ، فإن استعملتموها في غير ما أذن لكم فيها ، ختم الله والرسول فيها ، فتخونوا أماناتكم التي لكم عند الله [ إذا ضيعتم الأمانة ] ؛ كقوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [ البقرة : 40 ] . وقال بعضهم : قوله : { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } ، أي : لا تخونوا الله والرسول ، ولا تخونوا أماناتكم التي فيما بينكم . وأصله : أنه - عز وجل - امتحنهم فيما امتحنهم لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، فيصيرون فيما خانوا فيما امتحنهم كأنهم خانوا أنفسهم وخانوا أماناتهم ؛ كقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ البقرة : 57 ] ، وقوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] ، وقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ … } الآية [ فصلت : 46 ] . ثم خيانة المنافقين والمشركين في الدين ، وخيانة المؤمنين في أفعالهم ، فوعدهم التوبة عن خيانتهم ، وأوعد أولئك على ما خانوا بقوله : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ الأحزاب : 73 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . أن أنفسكم وأموالكم ليست لكم ، إنما هي لله عندكم أمانة ، فلا تخونوا فيها . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الأمانة : الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد ، يعني : الفريضة ؛ يقول : { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ } ، أي : لا تنقصوها . ثم اختلف أهل التأويل في نزول الآية : قال بعضهم : نزلت في أبي لبابة ؛ وذلك أنه قيل في بعض القصة : إن النبي - عليه السلام - حاصر يهود قريظة ، فسألوا الصلح على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات ، فأبى النبي ، إلا أن ينزلوا على الحكم ، فأبوا ، فقالوا : فأرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحهم ، فبعثه النبي إليهم ، فلما أتاهم قالوا : يا أبا لبابة ، أننزل على حكم محمد ؟ فأشار أبو لبابة بيده ألا تنزلوا على الحكم ، فأطاعوه ، وكان أبو لبابة ماله وولده معهم ، فخان المسلمين ؛ فنزلت الآية في شأنه . [ وقال بعضهم : نزلت في شأن ] حاطب بن أبي بلتعة ، [ حيث ] فعل ما فعل أبو لبابة . وقيل : نزلت في شأن قوم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الذين كانوا يعبدون الأوثان والأصنام . لكنا لا ندري في شأن من نزلت ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، سوى أن فيه ما ذكرنا من النهي عن الخيانة في أمانة الله ، والأمر بحفظها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } . أي : لم يعطهم الأولاد والأموال لعباً وباطلا ، أو لتكون لهم الأموال والأولاد ، ولكن أعطاهم محنة وابتلاء ، وكذلك جميع ما أنشأ في الدنيا من الأشياء إنما أنشأها لنا فتنة ومحنة ؛ كقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ … } الآية [ البقرة : 155 ] ، وقوله : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] ، وقال : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ … } الآية [ الأعراف : 168 ] ، وغيرها من الآيات ؛ يدل على أن جميع ما أنشأ فتنة ومحنة يمتحن به البشر ؛ كقوله : { أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي : محنة وابتلاء امتحنا به في أنواع التأديب والتعليم والحفظ والحقوق التي جعلها لهم عليهم ؛ [ و ] هو كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ … } الآية [ التحريم : 6 ] ، وأوجب في الأموال حقوقاً امتحننا بأداء تلك الحقوق التي فيها ، وكذلك في جميع ما أمر الله به الخلائق بأمور ونهاهم إنما أمر ونهى لمنفعة الخلائق ، ودفع الضرر عنهم ، لا لمنفعة نفسه ، أو ضرر ، أو حاجة يدفع بها عن نفسه ؛ إذ له ملك ما في السماوات والأرض ، وهو العزيز بذاته لا تمسه حاجة ، يتعالى عن ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . لمن لم يخن الله والرسول ؛ وعدهم الأجر العظيم إذا قاموا بوفاء ما امتحنهم الله وابتلاهم به من الأموال والأولاد ؛ حيث قال : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . وقوله - عز وجل - : { يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } . قال بعض أهل التأويل : إن هذه الآية صلة ما سبق من الأمر بالجهاد ببدر والخروج إليه ؛ كأنه قال : إن تتقوا الله وأطعتم الله وأجبتم له فيما دعاكم إليه ، { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } ، [ يحتمل قوله : { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } ] أي : يجعل خروجكم إليه وجهادكم آية عظيمة يظهر بها المحق من المبطل ؛ كقوله : { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } [ الأنفال : 7 ] ، وقال : { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ } [ الأنفال : 8 ] ، أي : ليظهر الحق من الباطل ، وقد كان بحمد الله ذلك ، وبان الحق من الباطل ، والمحق من المبطل . وقيل : قوله : { فُرْقَاناً } ، أي : مخرجاً في الدين من الشبهات . وقيل : مخرجاً في الدنيا والآخرة . ويحتمل : { فُرْقَاناً } أي : بياناً لما ذكرنا ؛ جعل الله - تعالى - التقوى مشتملة على كل خير ، وأصلا لكل بر ، وصيرها مخرجاً من كل شبهة ، ومن كل ضيق وشدة ، وجعلها سبيلاً يوصل به إلى كل لذة وسرور ، وينال به كل خير وبركة ؛ على ما ذكر في غير آي من القرآن . وقوله - عز وجل - : { وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } : التي سبقت ، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي : يستر عليكم ذنوبكم ، لا يطلع أحداً عليها ، وذلك من أعظم النعم ، وأصل المغفرة : الستر . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } . أي : عند الله فضل ؛ يعطيكم خيراً مما تطمعون [ بالتقوى الذي ذكر ] .