Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-26)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } . قال بعضهم : هذه الآية صلة قوله : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [ الأنفال : 5 ] ، يقول - والله أعلم - : أجيبوا لله وللرسول إلى ما يدعوكم ، وإن كانت أنفسكم تكره الخروج لذلك ؛ لقلة عددكم ، وضعف أبدانكم ، وكثرة عدد العدو وقوتهم . وقوله - عز وجل - : { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } . بالذكر ، والشرف والثناء الحسن في الدنيا ، والحياة في الآخرة اللذيذة الدائمة ، وإن متم وهلكتم فيما يدعوكم إليه ، يكون لكم في الآخرة حياة الأبد . ويحتمل أن تكون الآية في جملة المؤمنين ، أي : استجيبوا لله في أوامره ونواهيه ، وللرسول فيما يدعوكم إليه ، وإنما كان يدعو إلى دار الآخرة ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] ودار الآخرة هي دار الحياة ؛ كقوله : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] ؛ كأنه قال : - والله أعلم - : أجيبوا لله وللرسول ، فإنه إنما دعاكم إلى ما تحبون فيها ، ليس كالكافر الذي لا يموت فيها ، ولا يحيا بتركه الإجابة . { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } . يخرج على وجهين : يحول بين قلب المؤمن وبين الكفر . ويحول بين الكافر والإيمان . وقوله : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } . أمكن أن يخرج هذا على الأول ، أي : اعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه ، يجعل القوي ضعيفاً ، والعزيز ذليلاً ، والضعيف قوياً ، والذليل عزيزاً ، والشجاع جباناً ، والخائف آمناً ، والآمن خائفاً ، فأجيبوا للرسول بالخروج للجهاد ، وإن كنتم تخافون لضعفكم وقوتهم . ويحتمل في جملة المؤمنين ، أي : من أجاب لله وللرسول إذا دعاه ، يجعل قلبه هو الغالب على نفسه ، والحائل بينه وبين ما تدعو إليه النفس ، وإذا ترك الإجابة ، يجعل نفسه هي الحائلة بينه وبين ما يدعو إليه قلبه والداعية إلى ذلك { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . وقيل : { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } : بالطاعة في أمر القتال ، { إِذَا دَعَاكُم } : إلى الحرب ، { لِمَا يُحْيِيكُمْ } يعني : بالحرب التي أعزكم الله ؛ يقول : أحياكم الله بعد الذل ، وقواكم بعد الضعف ، وكان ذلك حياة . { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } يخرج على وجهين : أحدهما : يستعجل التوبة قبل أن ينزل به الموت ؛ يقول : أجيبوا لله وللرسول قبل أن يحال بين المرء وبين التوبة بالموت . والثاني : يحول بين المرء وقلبه بالأعمال التي يكتسبها ، ينشئ الفعل الذي يفعله طبع قلبه وختمه ، وينشئ ظلمة تحول بينه وبين ما يقصده ويدعى إليه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } . قال بعضهم : { لاَّ } هاهنا صلة ؛ كأنه قال : " واتقوا فتنة تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " . أي : اتقوا الفتنة التي تصيب الظلمة منكم خاصة بظلمهم ، وهي العذاب ؛ كقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ؛ فعلى ذلك قوله : واتقوا فتنة تصيبن الذين ظلموا في الآخرة ، وهي العذاب ، وذلك جائز في الكلام ؛ نحو ما قرأ بعضهم قوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] ، بكسر الألف وطرح { لاَ } { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] ، أي : أنها وإن جاءت لا يؤمنون . وأما على إثبات { لاَّ } : فإنه يحتمل وجوهاً : قيل : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ } ، أي : اتقوا أن تكونوا فتنة للذين ظلموا ؛ كقوله : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الممتحنة : 5 ] { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ يونس : 85 ] ، ووجه جعله إياهم فتنة للذين كفروا : هو أن يجعل العدو غالباً عليهم منتصرين وهم المغلوبون ، فيظنون أنهم على حق والمؤمنون على باطل ؛ فذلك معنى دعائهم : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ يونس : 85 ] ؛ لئلا يقولوا : لو كانوا على حق ما غلبوا ، ولا قهروا ، ولا انْتُصِرَ منهم . وقيل : قوله : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } : نهى الأتباع منهم ؛ أن يسعوا فيما بين الظلمة بالفساد ، ولا يغري بعضهم على بعض ، فيقع فيما بينهم الفساد ، فيكون هؤلاء الأتباع فتنة للذين ظلموا بإغراء بعضهم على بعض ، وذلك معروف فيما بين الخلق في الظلمة ، يغري الأتباع بعضهم على بعض ؛ فذاك فتنة . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن الله - تعالى - يغير الأحوال في الخلق : مرة سعة وخصباً ، ومرة قحطاً وضيقاً ، ومرة غلبة العدو على الأولياء ، ونحوه ، ويدفع العذاب عن الظلمة بمن لم يظلم ما لم يشاركوا الظلمة ، فإذا شاركوا أولئك يحل بأولئك بظلمهم ، وأهل الصلاح والعدل بتركهم الظلمة ، وأهل الفساد ولهم قوة المنع لهم عن ذلك ؛ فيقول : { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } ، ولكن تصيبهم وتصيبكم ، فقال : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } أخذ الظلمة العذاب لمشاركة أهل العدل أولئك ، فيكونون فتنة لهم ؛ كقوله : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } [ البقرة : 251 ] . أو أن يدفع عن الظلمة البلاء والعذاب ما دام أهل العدل يأمرونهم بالمعروف ، ويغيرون عليهم المنكر ، فإذا تركوا [ ذلك ] ولا يغيرون عليهم المنكر ، نزل بهم البلاء ، فيعمهم البلاء ، الظالم وغيره . والفتنة على وجهين : [ الأول ] فتنة الجزاء ، جزاء أعمالهم ، وتلك تأخذ أهلها خاصة . و [ الثاني ] فتنة المحنة ، وتلك تعم الخلق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ … } الآية . إن أهل الإسلام في ابتداء الأمر كانوا قليلي العدد ، مستضعفين عند الكفرة ، حتى كانوا يخافون أن يسلب الكفرة أرواحهم ، وكانوا لا يأمنون على أنفسهم بالمقام في البلدان ، لقلة عددهم وضعفهم ؛ خوفاً على أنفسهم وإشفاقاً فتركوا المقام بالبلدان ، وخرجوا إلى الجبال والغيران ، فأقاموا فيها ، وأكلوا الحشيش والكلأ طعام الأنعام ؛ خوفاً على أبدانهم وإشفاقاً على دينهم ، ثم إن الله - عز وجل - آواهم ، وأنزلهم في البلدان والأمصار ، وأيدهم ونصرهم على عدوهم ، ورزقهم الطيبات طعام البشر بعد ما أكلوا الحشيش طعام البهائم . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } : ليلزمهم الشكر على ذلك ، ولا يجوز لهم ألا يشكروا بعد ما أصابوا ؛ ذكر هذا - والله أعلم - لنكون نحن من الإشفاق في الدين مثل أولئك حين هربوا منهم ، واتخذوا الجبال والغيران بيوتاً ، والحشيش طعاماً ، وتركوا أموالهم ونعمهم ، ورضوا بذلك ؛ إشفاقاً على دينهم . وقال عامة أهل التأويل : نزلت الآية في أهل بدر ، وكانوا قليلي العدد والعدة ، ضعيفي الأبدان ، والعدو كثير العدد ، وقوي الأبدان ، فاشتد عليهم الخروج لذلك ؛ كقوله : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ … } الآية [ الأنفال : 5 ] ، فيكفما كان ففيه ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ } . أي : إذ كنتم قليلاً . وفيه دلالة لقول أبي حنيفة - رحمه الله - فيمن قال : هذا الشيء لفلان اشتريته منه ، صدق ، ويصير كأنه قال : هذا الشيء كان لفلان اشتريته منه ؛ دليله قوله : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : إذ كنتم قليلاً . وقوله : { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } . على هذا التأويل [ أي ] : بالملائكة . { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } . المغانم التي رزقهم وأحل لهم .