Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 33-42)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } قال الحسن : هي اسم القيامة يصخ لها كل شيء ، وبه يقول أبو بكر : إنه يصخ لمجيئها كل شيء ، أي : يخشغ لها ويطأطئ رأسه للداعي ، كما قال [ الله ] تعالى : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } [ القمر : 8 ] . وقال القتبي : الصاخة هي الداهية ، فذكر القيامة بالأحوال التي تكون فيها ، أو بالأفعال التي توجد فيها ؛ على ما ذكرنا . وقال الزجاج : الصاخة : المصمة ، تصم لها الأسماع عن كل شيء إلا إلى ما يدعى إليها . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } جائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار . وجائز ألا يكون على التحقيق ، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار ، قال الله - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم أنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض ، وأنسوا بالاجتماع ، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم ، واهتموا لذلك . ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة حتى كأنه لا أنساب بينهم ، لا أن يكون بينهم في الحقيقة نسب ، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال بحاله والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار ؛ لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار ، لا على تحقيق الفرار ؛ لأنه قال : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه . أو يكون على حقيقة الفرار ، وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير ؛ فيخافون في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك فيحملهم على الفرار . أو يفر كل واحد منهم عن تحمل ثقل الأقرباء ، كما قال : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [ فاطر : 18 ] ، وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال ، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم ؛ بل يفرون . ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة ، وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة فيما بين الأخلاء بقوله : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال ، وذلك في الوقت الذي لم يتفرغ عن شغل نفسه ، فأما إذا أمن وجاءته البشارة فهو يقوم بشفاعته ، ويسأل عن أحواله ، ولا يفر منه . وقوله - عز وجل - : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } قالوا : أفضى إلى كل إنسان ما يشغله عن غيره . وقوله - عز وجل - : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } ، أي : مضيئة ، أو ناضرة ، ناعمة ، مشرقة ؛ فيكون فيه إخبار عما هم فيه من النعيم ؛ حتى يظهر ذلك في وجوههم . وقوله - عز وجل - : { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } ، أي : مسرورة بنعيم الله - تعالى - الذي أنعم عليهم ، مستبشرة برضاء الله - تعالى عنها . وقوله - عز وجل - : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } قالوا : هذا أول تغير يظهر في وجوههم ، كأنما علاها الغبار ، ثم تسود ، ثم تطمس ، وترد على أدبارها ، كما قال : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } [ النساء : 47 ] . وقوله - عز وجل - : { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } قال أبو بكر : { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } ، أي : تغشاها الذلة ، أو تعلوها ، ثم تتلون بعد ذلك ؛ فتكون كأنما علاها الغبار ، ثم تسود على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } ، أي : الكفرة بأنعم الله تعالى ، الفجرة : المائلة عن الحقوق ، والله الموفق ، [ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ] .