Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } هذا ليس بابتداء خطاب ، ولكنه جواب عن سؤال تقدم ؛ فيشبه أن يكون السؤال عن وقت لقاء الأنفس الأعمال ؛ فنزل قوله : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } إشارة إلى أحوال ذلك الوقت وآثارها ؛ على ما نذكر المعنى الذي له وقع لتبيين الأحوال دون تبيين الوقت في سورة { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] . واختلف في قوله - تعالى : { كُوِّرَتْ } : قال بعضهم : هي فارسية ، معربة ، وهي بالعربية : غورت . وقال بعضهم : { كُوِّرَتْ } ، أي : ذهب ضوءها ؛ يقال : كور الليل على النهار ، أي : أذهب نوره وضياءه ؛ فالتكوير يغطي لون الشيء عن الأبصار ، فقيل : كورت الشمس ، أي : حبس ضوءها على الأبصار بالطمس ؛ فيكون فيه إنباء أنه يطمس ظاهرها ، ثم يرد التغيير في نفسها فتتلف وتتلاشى ، ومنه يقال : كور العمامة ؛ إذا لفها على رأسه فتغطيه . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } : تناثرت وتساقطت ، وهو كقوله : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [ الانفطار : 2 ] . وقيل : ذهب ضوءها ؛ فكأن ضوءها يذهب أولا ، ثم تتناثر بعد ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ، أي : قلعت عن أماكنها وسيرت ، كما قال في آية أخرى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] ، وهي إذا قلعت تكثرت ؛ حتى لا يتبين للناظر سيرها ؛ لكثرتها ؛ فيحسبها جامدة ، وهي تسير ، فهذا أول تغير يظهر منها ، ثم تصير كثيبا مهيلا ، ثم كالعهن المنفوش ، ثم هباء منثورا إلى أن تتلاشى وتتلف . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } ، فالعشار هي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر ، وهي من أنفس الأموال عند أهلها ؛ فيخبر أن أربابها يعطلونها في ذلك اليوم ولا يلتفتون إليها ؛ لشغلهم بأنفسهم في ذلك ، وهو كما قال : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [ الحج : 2 ] إلى قوله : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } الآية [ الحج : 2 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قيل : جمعت ، وهو يحتمل وجهين : أحدهما : أن تجمع كلها فتتلف وتهلك . والثاني : أن تحشر مرات يحييها بعد موتها ؛ فيضع الله تعالى فيها ما شاء ؛ فيكون في هذا إخبار عن عظم هول ذلك اليوم ؛ حتى يؤثر الهول في الوحوش ، والشمس ، والقمر ، والسماوات . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } قيل : فجرت ، وسنذكر تأويل التفجير فيما بعد ، [ إن شاء الله تعالى ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قيل : قرنت . ثم اختلف في معنى القرآن : فقال بعضهم : قرن زوجها إليها . وقال بعضهم : يقرن كل بأهل شيعته ؛ فيقرن الكفرة بالشياطين ، وأهل الشراب بأهل الشراب ، وأهل الزنى بأهل الزنى ، وقال [ الله - عز وجل - : ] { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] إلى قوله : { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] ، ففي هذا إخبار أن المعذب منهم إذا رأى عدوه يعذب عذابه ، ويكون في العذاب الذي هو فيه لم يتسل بذلك شيئا ، ولم ينل به راحة ، وإن كان المرء في الدنيا إذا رأى عدوه يعذب عذابه يتسلى بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } ، وقرأ بعضهم : { وإذا الموءودة سألت } وهذا هو الظاهر أن تكون هي السائلة ، أي : تسأل إياهم : بأي ذنب قتلت ؟ ! وتقول : بأي ذنب قتلتموني ؟ ! . وكانت العرب تدفن بناتها ، يقال : وأدته : أي : دفنته . ثم القراءة المعروفة : { سُئِلَتْ } ، وهي تحتمل أوجها ثلاثة : أحدها : ذكر أبو عبيد وقال : إن قتلتها تسأل : بأي ذنب قتلت الموءودة ؟ ! . و [ الثاني : ] يحتمل أن تسأل الموءودة عند حضرة الذين وأدوها : بأي ذنب قتلْتِ ؟ ! يراد بالسؤال تخويف وتهويل للذين وأدوها ، لا سؤال استخبار واستفهام ، وهو كقوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] ، وليس يسأل عن هذا سؤال استخبار واستفهام ، ولكن يسأل سؤال تخويف وتهويل لمن ادعى أن عيسى - عليه السلام - هو الذي أمرهم أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله . و [ الثالث : ] جائز أن تسأل الموءودة : أتدعي أو لا تدعي ؟ وما الذي تدعي عليهم ؟ فيبدأ بها بالسؤال ، كما يرى المدعي في الشاهد هو الذي يبدأ بالسؤال ، فيقال له : ما تدعي على هذا ؟ فقوله : { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } كأنها إذا سئلت عن الذي ادعت ، قالت : { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } ، أي : الكتب نشرت للحساب ، وهي التي فيها أعمال ابن آدم وقتما تدفع إليهم بأيمانهم وشمائلهم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } ، قيل : قشرت ، وذلك أن تتناثر النجوم ، وتطمس الشمس ، فتطوى كطي السجل للكتب . وقيل : كشفت ، تكشف السماء ، كما يكشف الغطاء عن الشيء . ويقال : كشطت ؛ أي : قلعت كما يقلع السقف . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن يحدث تسعيرها ؛ فيكون فيه علم الحدثيَّة ، وكذلك في قوله - تعالى - : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } يحتمل أن يبتدئ تسجيرها ، ولما تسجر من قبل . وجائز أن يراد من التسجير والتسعير على ما كان من قبل ؛ لقوله : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ البقرة : 24 ] وقد كان وقودها بغير هذين ، ثم يزاد في وقودها بالناس والحجارة . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } قيل : قربت ؛ فأضيف إليها التقريب ؛ لأن أهلها إذا قربوا إليها فقد قربت هي إليهم . وقوله - عز وجل - : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } ، أي : ما أحضرت من خير أو شر ؛ كقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } الآية [ آل عمران : 30 ] . أو تعلم ما أحضرتها الملائكة الذين كتبوا عليها .