Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-5)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } قد ذكرنا أن هذا جواب [ عن ] سؤال تقدم ، لم يبين السؤال عند ذكر الجواب ؛ لأن { إِذَا } جواب عن سؤال " متى " ؛ فجائز أن يكون سؤالهم ما ذكر في إتمام الجواب ، وهو قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : متى تعلم النفس ما قدمت وأخرت ؟ فنزل قوله : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } الآية إلى آخرها . ثم ذكر الانفطار هاهنا وهو الشق ، وذكر الفتح في موضع آخر ، وهو قوله - تعالى : { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } [ النبأ : 19 ] ، وقال في موضع آخر : و { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } [ المرسلات : 9 ] ، و { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] ، فمنهم من ذكر أن شقها وانفطارها أن تفتح أبوابها . ومنهم من حمله على الشق الذي يعرف من شق الأشياء ، وهذا أقرب ؛ لأن الآية في موضع التخويف والتهويل ، وليس في فتح أبوابها تخويف ، وإنما التخويف في انشقاقها بنفسها . ثم السؤال عن ملاقاة الأعمال وعن علم الأنفس بها سؤال عن الساعة ، وفي ذكر انفطار السماء ، وانتثار الكواكب ، وتفجير البحار ، وتسيير الجبال ، وجعل الأرض قاعا صفصفا ، وصفُ أحوال الساعة وآثارها ، وليس فيه إشارة إلى وقت كونها ؛ لأنه ليس في التوقف على حقيقة وقتها تخويف وتهويل ، وفي ذكر آثارها تخويف ، وهو أنه عظم هول ذلك اليوم ، واشتد حتى لا تقوم له الأشياء القوية العلية في أنفسها ، وهي الجبال ، والسماوات والأرضون ، بل يؤثر فيها هذا التأثير ، حتى تصير الجبال كالعهن المنفوش ، وتصير كثيبا مهيلا ، وتنشق السماء ، وتصير الأرض قاعا صفصفاً ، فكيف يقوم لها الإنسان الضعيف المهين ؟ ! . أو إذا كانت السماوات والأرضون والجبال مع طواعيتها لربها لا تقوم لها وأفزاعها بل تتقطع ، فكيف يقوم لها الآدمي الضعيف مع خبث عمله ؛ وكثرة مساوئه مع ربه ؟ ! . فيذكرهم هذه الأحوال ؛ ليخافوه ، ويهابوه ؟ فيستعدوا له ؛ فلهذا - والله أعلم - ذكرت الأحوال التي عليها حال ذلك اليوم ، ولم يبين متى وقته ؛ ولهذا ما لم يبين منتهى عمر الإنسان ؛ ليكون أبدا على خوف ووجل من حلول الموت به ؛ فيأخذ أهبته ، ويشمر له ، ولو بين له كان يقع له الأمن بذلك ؛ فيترك التزود إلى دنو ذلك الوقت ، ثم يتأهب له إذا دنا انقضاء عمره . ثم إن الله - تعالى - ذكر أحوال القيامة في غير موضع ، وجعل ذلك مترادفا متتابعا في القرآن ؛ فيكون في ذلك معنيان : أحدهما : أن للقلوب تغيراً وتقلبا في أوقات ، فرب قلب لا يلين لحادثة أول مرة حتى يعاد عليه ذكرها مرة بعد مرة ، وحالا بعد حال ، ثم تلين ؛ فيكون في تتابع ذكر البعث والقيامة مرة بعد مرة إبلاغ في النذارة وقطع عذر المعتذرين يوم القيامة . والثاني : أن القوم كانوا حديثي العهد بالإسلام ، وقد وقع الإسلام في قلوبهم موقعا ؛ فيكون في تكرار المواعظ تلقيح لعقولهم ، وتليين لقلوبهم على ما أكرمهم الله - تعالى - من الإيمان ، ونصرة رسول رب العالمين ؛ كقوله : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [ الأنفال : 2 ] . وقوله - تعالى - : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } : إما أن يكون انتثارها ؛ لأنها مجعولة لمنافع الخلق ، فإذا استغنى عنها أهلها فلا معنى لبقائها . أو لما جعلت زينة للسماء ، فإذا انفطرت السماء ، لم تحتج إلى زينة بعدها . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } ، قال قائلون : أي يفجر ماؤها في بحر واحد ، ثم يغور ماء ذلك البحر الذي اجتمعت فيه المياه ؛ إما بما تنشفها الأرض ، أو تجعل في بطن الحوت الذي ذكر أن الأرضين قرارها على ظهره ، أو في بطن الثور ، ثم يسوي الله - تعالى - الأرض كلها ؛ حتى لا يبقى فيها عوج ؛ ولا قعر ؛ فيبس البحار بما شاء : إما بالجبال ، أو بغيرها . وقال بعضهم : بل يغور ماء كل بحر في مكانه ، لا أن تجتمع المياه كلها في مكان واحد وبحر واحد . وقال بعضهم : بل يمتزج بعضها ببعض ؛ فتصير نارا يعذب بها أهلها ، وكذلك قوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [ التكوير : 6 ] ، وقال : { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 6 ] ، والله أعلم أي ذلك يكون ؟ . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } ، أي : بعث من فيها ، وتقذف القبور من فيها . وقوله - عز وجل - : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } ، أي : تعلم الأنفس ما عملت ، إلى آخر ما انتهى [ إليه عملها ] فلا يخفى عليها شيء من أمرها . ومنهم من يقول : ما قدمت من خيرت وأخرت من شر فستعرفه في ذلك اليوم . ومنهم من يقول : علمت ما قدمت من العمل ؛ أي : بما عملت بنفسها ، ( وما أخرت ) أي : ما سنت من السنة فعمل بها بعدها . وهذا الذي ذكروه داخل في تفسير الجملة التي ذكرنا أنها تعلم من أول ما عملت إلى آخر ما انتهى إليه عملها .