Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 29-36)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } : وجه ذكر صنيع الكفرة بالمؤمنين في القرآن ، وجعله آية تتلى وإن كان المؤمنون بذلك عارفين - يخرج على [ ثلاثة أوجه ] : أحدها : [ أن ] فيه تبيين موقع الحجج في قلوب المؤمنين وعملها بهم ؛ وذلك أن المؤمنين لما سخت أنفسهم باحتمال الأذى والمكروه من الكافرين ، انتصبوا لمعاداة آبائهم وأجدادهم وأهاليهم ، ورفضوا شهواتهم ، وتركوا أموالهم ، واختاروا اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ، ومعلوم أنهم لم يحملوا أنفسهم كل هذه المؤن ؛ طمعا ورغبة في الدنيا ؛ لما لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرغب في مثله من نعيم الدنيا ؛ فثبت أن الحجج هي التي حملتهم ودعتهم إلى متابعته لا غير ؛ فيكون فيما ذكرنا تثبيت رسالته ، وإن لم يكن في الآية إشارة إلى الحجج التي اضطرتهم إلى تصديقه والانقياد له ؛ فيكون في ذكره تقرير لمن تأخر عنهم من المؤمنين لرسالته ، عليه السلام . والثاني : أن أولئك المؤمنين صبروا على ما نالهم من المكاره ، واستقبلهم من أنواع الأذى في قيامهم بأمر الله تعالى ؛ ليكون في ذكره تذكير لمن تأخر من المؤمنين : أن عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه لا عذر لهم في الامتناع عن القيام بما ذكرنا وإن نالهم من ذلك أذى ومكروه ؛ بل الواجب عليهم الصبر على ما يصيبهم ، والقيام بما يحق عليهم . أو ذكر ما لقي الأوائل من السلف من المعاداة والشدائد من الكفرة بإظهارهم دين الإسلام ، ثم نلنا نحن هذه الرتبة ، وأكرمنا بالهدى بلا مشقة وعناء ؛ لنشكر لله تعالى بذلك ونحمده عليه ؛ لعظمة ثنائه لدينا ، وجزيل مننه علينا . وقوله - عز وجل - : { مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } فضحكهم يكون لأحد وجهين : إما على التعجب منهم أن كيف اختاروا متابعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وحملوا أنفسهم في الشدائد ، ورضوا بزوال النعيم عنهم من غير منفعة لهم في ذلك ، وهم قوم كانوا لا يؤمنون بالبعث ؛ فكانوا يكذبون بما وعد المؤمنون من النعيم في الآخرة ؛ وكان يحملهم ذلك على التعجب ؛ فيضحكون متعجبين منهم . أو كانوا يضحكون على استهزائهم بالمؤمنين ، يقولون : إن هؤلاء آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه فيما يخبرهم من نعيم الآخرة ، ولا يعرفون أنه كذلك ، وكانوا يجهلون المؤمنين على ما جهلوا بأنفسهم ، وظنوا أن لا بعث ولا جنة ولا نار . قال أبو بكر : المجرم : هو الوثاب في المعاصي . وذكر أبو بكر أن في ذكر صنيع الكفار بالمؤمنين دلالة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنهم كانوا يضحكون من المؤمنين ، ويتغامزون ، وينسبونهم إلى الضلال سرا من المسلمين ، فأطلع الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - على ما أسروا من الأفعال ؛ ليجعل لهم من أفعالهم حجة عليهم لنبوته ورسالته ، عليه السلام . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } قال بعضهم : لاهين ، أو معجبين بحال المؤمنين ، أو مسرورين ، كما قال - تعالى - : { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } [ الانشقاق : 13 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } : يجوز أن يكونوا نسبوهم إلى الضلال ؛ لتركهم دين آبائهم ، ورأوا ما اختاروه من تحمل الشدائد ، ورضوا بضيق من العيش ضلالاً منهم . وقوله : { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } أي : لم يرسلوا بحفظ أعمال المسلمين ؛ فيكون في ذكر هذا تسفيه أحلامهم ، وهو أنهم تركوا النظر في أحوال أنفسهم ، وجعلوا يعدون على المسلمين عيوبهم كأنهم أرسلوا عليهم حفاظا ، وما أرسلوا . أو يكون هذا إخبارا عن الكفار أنهم يقولون : ما أرسل على أحد حافظ يحفظ عليه أعماله ؛ فيكون هذا على الإنكار منهم بالكرام الكاتبين . وقوله - عز وجل - : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } يكون ضحكهم على المجازاة للكفرة بما كانوا يضحكون منهم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } منهم من وقف على قوله : { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } . ومنهم من رأى موضع الوقف على قوله : { يَنظُرُونَ } . فإذا وقفت على قوله : { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } ، كان معناه : أنهم ينظرون : هل جوزي الكفار ما أوعدهم الرسل في الدنيا أو لا بعد ؟ وإذا وقفت على قوله : { يَنظُرُونَ } ، كان قوله - تعالى - : { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ } ، أي : قد جوزي الكفار ما كانوا يفعلون ، فهم ينظرون كيف يعاقبون . ثم القول : أن كيف احتملت أنفسهم النظر إلى الكفار بما هم فيه من التعذيب ، والمرء إذا رأى أحدا في شدة العذاب ، لم يحتمل طبعه ذلك ، ونغص عليه العيش ؛ فجائز أن يكون الله - تعالى - أنشأهم على خلقة لا تقبل المكاره ولا تجدها ؛ بل تنال اللذات كلها والمسار . أو ارتفع عنهم المكروه ؛ لبلوغ العداوة بينهم وبين أهل النار غايتها ، وكذلك يرى المرء في الشاهد إذا عادى إنسانا واشتدت العداوة فيما بينهما ، ثم رآه يعذب بألوان العذاب ، لم يثقل عليه ذلك ؛ بل أحب أن يزاد منه . ثم جائز أن يرفع إليهم أهل النار إذا اشتاقوا النظر إليهم ، فيرونهم . أو يجعل في بصرهم من القوة ما ينتهي إلى ذلك المكان . ثم ذكر بعضهم أن هذه السورة مكية . ومنهم من ذكر أنها نزلت بين مكة والمدينة ، وهي مكية . ومنهم من ذكر أن أولها مدنية وآخرها مكية ، والله أعلم .