Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-15)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } هو جواب سؤال تقدم ؛ لما ذكرنا أن حرف ( إذا ) حرف جواب ، وليس بحرف ابتداء ؛ فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ملاقاة الأعمال متى وقتها ؟ فقال - تعالى - : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } فذلك وقت ملاقاة الأعمال . وقيل : ذكر في الخبر أن أخوين أحدهما مسلم ، والآخر كافر ، قال للمسلم : أترانا بعد الموت مبعوثين ؟ فقال له : بلى ، والذي خلقك والجبلة الأولين ؛ فنزلت هذه السورة تبين لهم وقت بعثهم : أنه عند انشقاق السماء ومد الأرض ونحوه . ثم ذكر الجواب في ابتداء السورة ؛ ليكون المرء أذكر لها ؛ لأنه [ يكون ] أوعى لها وإذا ذكر في وسط السورة ، لم يتحفظ إلا بالتلاوة ؛ ولهذا المعنى - والله أعلم - جعلت " الۤـمۤ " ، و " الۤمۤر " و " كۤهيعۤصۤ " و " طه " رءوس السور ؛ لأن الكفرة كانت من عادتهم الإعراض عن القرآن وترك الاستماع إليه ليفهموه ، فابتدئت السور بما ذكرت من الرموز والإشارات ؛ ليحملهم ذلك على التفكر فيه والنظر ؛ إذ لم يكن سبق منهم العلم بمعرفة ما يراد من قوله : " الۤـمۤ " و " الۤمۤر " ثم ذكر انشقاق السماء ومد الأرض وإلقائها لما جعل فيها ؛ ليعرفوا شدة ذلك اليوم ؛ فيخافوه ، ويستعدوا له . وقوله - عز وجل - : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } ، قيل : سمعت لربها ، وأطاعت [ وأجابت ] إلى ما دعيت إليه . ثم المراد من الإذن مختلف ؛ فحقه أن يصرف كل شيء إلى ما هو الأولى به ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : " أذن الرجل لعبده في التجارة " ، فلست تريد بقولك : " أذن " ، ما تريد به إذا أذنت لغيرك أن يتناول من طعامك ، بل تريد بالإذن للعبد الأمر بأن يتجر ، حتى لو لم يفعل ، تلومه على ذلك ، وتريد بالآخر إباحة التناول ، قال الله - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ } [ آل عمران : 145 ] ، وقال في موضع آخر : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ يونس : 100 ] ، فكان المراد من الإذنين مختلفا ؛ فثبت أن حقه أن نحمله إلى ما إليه أوجَهُ ، وهو إلى الطاعة والإجابة هاهنا أوجه ؛ لذلك حملوه عليه . وقوله - عز وجل - : { وَحُقَّتْ } ، أي : حق لها أن تسمع وتطيع . وجائز أن تكون الإجابة منصرفة إلى أهلها ، ثم نسب إليها ذلك وإن كان المراد منه الأهل ؛ كقوله تعالى : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } [ الطلاق : 8 ] ، ولا يوجد من القرية عتو ، وإنما يوجد من أهلها ، فإن كان كذلك ، ففيه أنه لا يتخلف أحد من الإجابة إلى ما دعاه إليه الرب - تعالى - خلافا على ما كانوا عليه من الدنيا ، فإن كثيرا من أهل الدنيا ، أعرضوا عن طاعته ، واشتغلوا بمعصيته . ثم الإجابة والطاعة والطوع والكره ، ومثل هذه الأوصاف إذا أضيفت إلى من هو من أهل الاختيار ، فهي على الطوع المعروف والإجابة المعروفة ، وإذا أضيفت إلى من ليس هو من أهل الاختيار فهو على تغيير الهيئة ؛ على ما عليه الخلقة ، نحو الأرض توصف بالحياة ؛ إذا أنبتت ، وتوصف بالموت ؛ إذا يبس ما عليها ، وصارت متهشمة ؛ فيراد بها : أنها صارت بهيئة لو وجدت تلك الهيئة في الروحانيين لصار أحدهما علما لحياته ، والآخر علما لوفاته ، وقال - تعالى - : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ البقرة : 29 ] ، وقوله - تعالى - : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ، وهما لا يوصفان بطوع ولا إكراه ، ولكن خلقتا على هيئة لو وجدت تلك الهيئة فيمن وصف بالطوع والإكراه ، كان ذلك منه طوعا . وقال إبراهيم - عليه السلام - : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] ، وهي في الحقيقة لا تضل ، ولكنها أنشئت على هيئة لو كانت تملك الإضلال ، لعد ذلك منها إضلالا . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } قيل : بسطت ، وسويت بكسر الشعاب والأودية بالجبال ، أو بما شاء ؛ فصارت : { قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 106 - 107 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } ، [ أي ] : ألقت ما وضع فيها من الموتى والكنوز ؛ فتخلت عنها ؛ فنسب التخلي إليها ، وإن كان من فيها هو الذي خلا عنها ، وكانت هي الحابسة ؛ لأنه إذا خلا عنها خلت هي عنه . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ } الكادح : هو الساعي ، وهو الذي اعتاد ذلك ، وهذا في كل الإنسان ، تراه أبدا ساعيا إما في عمل الخير أو عمل الشر ، أو فيما ينفعه أو فيما يضره ، حتى لو هم بترك السعي لم يقدر ؛ لأن تركه السعي نوع من السعي . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حين تلا هذه الآية : " أنا ذلك الإنسان " فهذا ليس [ أنه ] هو المخصوص بالخطاب ؛ لأنه بين الإنسان ، فقال : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } ، { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } ، ولا يجوز أن يكون هو المراد بهذا كله ، فكل أحد على الإشارة إليه مراد بقوله - تعالى - : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } ، فلذلك قال [ النبي ] - عليه السلام - : " أنا ذلك الإنسان " . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } جائز أن يكون معناه : أن اجعل كدحك إلى ربك في أن تسعى في طاعته وطلب مرضاته ؛ فإنك ملاقيه لا محالة ؛ أي : تلاقي جزاء عملك : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وجائز أن تكون الملاقاة كناية عن البعث ؛ إذ البعث قد يكنى عنه بلقاء الرب ، قال الله - تعالى - : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } [ الكهف : 110 ] وسمي ذلك اليوم : يوم المصير إلى الله - تعالى - ويوم البروز بقوله - تعالى - : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] . ووجه التسمية بهذه الأسامي ما ذكرنا : أن المقصود من خلق العالم العاقبة ؛ فسمي : بروزا ؛ لما للبروز أنشئ ، وسمى : مصيرا إلى الله تعالى ؛ لمصيرهم إلى ما له خلقوا ، وإن كان الخلق كلهم بارزين له قبل ذلك ، ولم يكونوا عنه غائبين ؛ فيصيرون إليه خصوصا لذلك اليوم . وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ، فسماه : [ حسابا ] يسيرا ؛ لوجوه : أحدها : أن المؤمن اعتقد تصديق الرب في كل ما دعاه إليه ، وإذا كان على التصديق سهل عليه تذكر ما قد عمله بتفكر الجملة . ووجه آخر : أنه إذا نظر في كتابه رأى حسناته مقبولة وسيئاته مغفورة له ، فسمي ذلك اليوم : يسيرا له ؛ لما أثبت فيه من الخيرات ، ومُحي عنه من السيئات ، كما سميت الخيرات : يسرى ، وسمي ما يجري عليها : يسرى أيضا ، فكذلك من أوتي كتابه بيمينه يجري عليه الخير ؛ فسمي : حسابا يسيرا . وجائز أن يكون المسلم يحاسب في أن يذكر ما أنعم الله عليه في الدنيا ، ولا يحاسب حساب توبيخ وتهويل ؛ بأن يقال له : لم فعلت كذا ؟ والكافر يسأل سؤال توبيخ ، فيقال له : لم فعلت كذا ؟ ! على [ الإنكار منه لما فعل ] ، وفي ذلك تعسير عليه . وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من نوقش الحساب فهو معذب " ، وفي بعضها : " من حوسب عذب " قالت : قلت : يا رسول الله ، ألم يقل الله تعالى : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } ؟ قال : " يا عائشة ، ذاك العرض ، ولكن من نوقش الحساب هلك " . قال الفقيه - رحمه الله - : في الظاهر قوله - عليه السلام - : " من نوقش الحساب عذب " دفع لما قالته عائشة - رضي الله عنها - لأن الفهم من قوله - عليه السلام - : " من نوقش الحساب " غير الفهم من قوله - تعالى - : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ؛ فليس في ظاهر قوله جواب لها ؛ فكان الظاهر من الكلام الأول على ما فهمته عائشة رضي الله عنه . ولكن وجه الجواب فيه : أن قوله - عليه السلام - : " من حوسب عذب " ، وقوله - عز وجل - : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ } ليس على كل حساب ، وإنما هو على الحساب الذي لا يناقش فيه ، فأما الذي هو عرض فليس مما يعذب عليه ؛ فيكون فيه إبانة أنه لا يفهم بالخطاب العام عموم المراد كما فهمته عائشة - رضي الله عنها - بل يجوز أن يكون الخطاب عاما ، والمراد منه خاصا . وقوله - عز وجل - : { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } ، وقال في شأن الذي أوتي كتابه وراء ظهره { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } ؛ فهذا لأن المسلم إنما تأهل على قصد تحصيل النفع لنفسه في العاقبة ، وتكون معينة له على أمور الآخرة ؛ فحصل له ذلك النفع بإحرازه السرور الدائم بذلك ، والكافر تأهل للمنافع الحاضرة وسر بها سرورا ، وأنساه السرور أمر العاقبة ؛ فحق عليه العذاب ؛ لتركه السعي للآخرة ، لا لسروره بأهله ، وهو كقوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ … } الآية [ الإسراء : 18 ] ، والكل منا يريد العاجلة ولا بد له منها ، لكن الذي يصلى جهنم هو الذي ابتغى العاجلة ابتغاء أنساه ذلك عن الآخرة ، فكذلك المسرور بأهله إنما حلت به النقمة ؛ لما منعه السرور عن النظر للعاقبة ، لا لنفس السرور ؛ إذ كل متأهل لا يخلو عن السرور بأهله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } ، فالإيتاء من وراء الظهر يحتمل وجهين : أحدهما : أن استقذر منه ؛ لخبث منظره ؛ فأوتي من وراء ظهره ؛ مجازاة له بما سبق من صنعه ، وصنعه أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره ، وترك أوامره ونواهيه كذلك وراء ظهره ؛ فجوزي - أيضا - بدفع كتابه وراء ظهره ، ودفع إلى المؤمن كتابه بيمينه ؛ لما في كتابه من المحاسن والبركات ، واليمين أنشئت ؛ لتستعمل في البركات وأنواع الخير ، وسميت - أيضا - باسم مشتق من اليمن والبركة ، والشمال جعلت لتستعمل في الأقذار والأنجاس ، فدفع كتابه من خبث عمله إليه بشماله أيضا أو من وراء ظهره . ولأن أهل الإيمان قبلوا أمر الله - تعالى - ونواهيه واستقبلوها بالتعظيم والتبجيل ، ومن أراد تعظيم الآخر في الشاهد وتبجيله ، أخذه بيمينه ، فجوزوا في الآخرة بالتعظيم لهم بأن أوتوا كتبهم بأيمانهم ، وأما الكافر فإنه استخف بأمر الله - تعالى - وطاعته ، فجوزي في الآخرة بأن أوتي كتابه بشماله التي تستعمل في الأقذار ؛ إهانة له وتحقيرا . وقوله - عز وجل - : { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } : الثبور والويل حرفان يتكلم بهما عند الوقوع في المهالك ؛ فيكون في ذكر [ الثبور ذكر ] وقوعه في المهلكة التي يحق له دعاء الثبور والويل على نفسه ، دعا به أو لم يدع ؛ على سبيل الكناية عن الوقوع في الهلاك ، وهو كقوله - تعالى - : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } [ التوبة : 82 ] ، فالضحك كناية عن السرور ، والبكاء كناية عن الحزن ؛ فمعناه : أنه يستقبله ما يحزن له طويلا ، كان هناك بكاء أو لم يكن . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ } فيه دلالة أنه إنما حل به ما ذكر من العذاب ؛ لأنه كان للبعث ظانا ، ولم يكن به متيقنا ؛ وكذلك الله - سبحانه وتعالى - حيث قسم الوعد والوعيد بين الفريقين ذكر في آخره ما يبين أن الذي أوعد بالعذاب هو المكذب ، وذكر الوعيد هاهنا وبين أن الذي يحل به هذا الوعيد هو الذي كان ظانا بالميعاد ولم يكن متحققا ، وقال الله - عز وجل - : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ … } [ السجدة : 20 ] إلى قوله : { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ السجدة : 20 ] فبين أن الوعيد في المكذبين ، وقال - تعالى - : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ … } [ المؤمنون : 104 ] إلى قوله : { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ المؤمنون : 105 ] ؛ ليعلم أن الوعيد الدائم في المكذبين خاصة ؛ فيكون فيه دفع قول المعتزلة : إن أهل الكبائر يخلدون في النار . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } ، أي : كان بصيرا بما سبق من أعماله الخبيثة ؛ فيحاسبه على علم منه بما كسبت يداه ، ويعذبه على علم منه باكتساب ما استوجب من العذاب ، خلافا لأمر ملوك الدنيا : أنهم يحاسبون على تذكير الغير لهم ما عليه من الحساب ، ويعذبون على تعريف الغير لهم ما استوجب به التعذيب ، لا على علم منهم بذلك . أو يكون معناه : أنه كان به بصيرا في الأزل : أنه ماذا يعمل إذا أنشأه ؟ وإلى ماذا ينقلب أمره : إلى النار أو إلى الجنة ؟ فخلقه على علم منه أنه يعادي أولياءه ، ويعمل بمعاصيه . ولقائل أن يقول بأن المرء في الشاهد لا يشرع في الأمر الذي يعلم أنه في العاقبة يضره ولا ينفعه ، ولو شرع فيه ، وأتمه كان مذموما عند الناس ، ولم يكن محمودا ، فأي حكمة في إنشاء عدوه وهو عالم أنه يسعى في معاداته ؟ ! . فجوابه - والله أعلم - : أن الذي يشرع في الأمر الذي علم أن إتمامه يضره ولا ينفعه ، إنما لحقته المذمة ؛ لما سعى في إضرار نفسه ، فأما الذي أعرض عن إطاعة الله - تعالى - وكفر به فإنما اكتسب الضرر على نفسه خاصة بأن أوقعها في المهالك ، ولم يضر غيره ؛ لذلك لم تلحقه المذمة في خلقه وإنشائه ، وفي هذا دلالة أن الله - تعالى - حيث خلق الخلق لم يخلقهم لمنفعة له ولا لمضرة تلحقه من جهتهم ؛ بل منافعهم ومضارهم راجعة إلى أنفسهم ، والله أعلم .