Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 12-22)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ، أي : أخذه للانتقام شديد ، يشتد على الذي يعذب ؛ كقوله - تعالى - : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . وقوله : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } . قال بعضهم : يبدئ العذاب ، ثم يعيده . وقال بعضهم : يبدئ الخلق ، ثم يعيده بعدما أماته . وقوله : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } الغفور : هو الستور يستر على المذنب ذنبه إذا تاب حتى لا يذكر به ، ولولا ذلك لم يكن يصفو له نعيم الآخرة عن التنغيص . [ وقوله ] : { ٱلْوَدُودُ } : الذي يتودد إلى خلقه فيما ينعم عليهم ويحسن إليهم ؛ قال [ النبي ] - عليه السلام - : " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها " ؛ فجعل الإحسان سبب التودد . والثاني : أن كل من واد آخر ، فالحق عليه أن يوده في الله - تعالى - لأنه به نال ما به يتودد ؛ قال الله - تعالى - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [ مريم : 96 ] ، فكأنه يقول : هو المستوجب للمودة من الخلق . وقوله - عز وجل - : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } منهم من جعل المجيد نعتا للعرش . ومنهم من جعله نعتا لله تعالى . فمن جعله نعتا للعرش فهو مستقيم ؛ لأنه وصفه في مكان آخر بالكريم بقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } [ المؤمنون : 116 ] ، والمجيد يقرب معناه [ من ] معنى الكريم ؛ لأن الكريم هو الذي عظم قدره وشرفه ، والمجيد كذلك هو الشريف المعظم ، وعظم قدر العرش في قلوب الخلق وعلا حتى زعم بعض الناس أنه مكان الرب تعالى ، والكريم في الشاهد هو الذي يطمع عنده وجود ما يرجى ويؤمل ، ويؤمن منه ما يتقى ويحذر ، وسمى الله - تعالى - النبات : كريما بقوله : { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [ لقمان : 10 ] ؛ لما فيه من عظم المنافع ، والكريم : هو النافع للخلق . وقوله - عز وجل - : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } ، أي : ما يريد تكوينه يكونه ؛ فيكون فيه إيجاب القول بخلق أفعال العباد ، وأنه شاء لكل أحد ما علم أنه يكون منه ؛ لأنه امتدح - جل وعلا - بالفعل لما يريد ، ولو لم يثبت له صنع في أفعال العباد ، لكان لا يختص بهذا الامتداح ؛ بل يكون كل واحد مستوجبا لهذا المدح ؛ فثبت أن كون حقائق الأشياء بما لله - تعالى - فيه صنع . والثاني : أن إحداث شيء في سلطان آخر وفي مملكته من حيث لا يشاؤه ولا يريده آية الضعف والقهر ، ومن ذلك وصفه ، لم يجز أن يكون ربّاً ؛ لذلك لزم وصف الله - تعالى - بذلك . وجائز أن يكون قوله - تعالى - : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } ، أي : البعث ، وهو أنه أنشأ هذا الخلق للعاقبة ، وهكذا فعل كل مختار أنه يقصد بفعله العاقبة إلا أن يكون جاهلا بها . وقوله - عز وجل - : { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } [ الآية ] . قد وصفنا ما في ذكر الأنباء من الفوائد ، وقد ذكرنا أن فيها إثبات رسالته ؛ على ما تقدم ذكره غير مرة . وقوله - عز وجل - : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ } ، أي : كفروا أنعم الله - تعالى - فهم في تكذيب بأنعم الله تعالى . أو لما جحدوا أنعم الله - تعالى - لم يوفقهم للإيمان به ؛ فجعلوا على التكذيب . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } ، أي : من وراء تكذيبهم محيط بما ينزل بهم من العذاب ليس يوعدهم عن غفلة وخيال كما يفعله ملوك الدنيا ؛ قد يوعدون بالعذاب ، ولا يدرون أنهم يتمكنون من ذلك أم لا ؟ والله - تعالى - ينزل عليهم عذابه كما أوعد . أو يكون قوله : { مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } ، أي : عالم بما يسرون ويخفون عن الخلق ، لا يعزب عنه شيء . وقوله - عز وجل - : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } سماه : مجيدا ، وكريما ، وحكيما ، وهذه أوصاف من وصف بها في الشاهد فإنما استحق الوصف بفعل وجد منه ، ولا يوجد من القرآن فعل يستحق به الوصف ، فالوصف به يحتمل أوجها : أحدها : { مَّجِيدٌ } ، أي : يصير من تبعه وعمل بما فيه مجيدا حكيما كريما ؛ كقوله تعالى : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] ، أي : يبصر به أو يكون قوله : { مَّجِيدٌ } ، [ و ] { كَرِيمٌ } [ الواقعة : 77 ] ، أي : على الله تعالى . أو سماه : كريماً ، مجيداً ، حكيماً ؛ لعظم قدره . أو سماه : كريماً ، حكيماً ، مجيداً ؛ لما يوجد منه ما يوجد من الكرماء والحكماء والأمجاد . وقوله : { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } : منهم من حقق اللوح والقلم ، وقد وصفه أهل التفسير . ومنهم من جعل اللوح عبارة عما يلوح - أي : يظهر - للملك من الأمر ، لا على تحقيق اللوح ، وسمت الباطنية [ القلم : المبدع ] الأول ، واللوح : المبدع الثاني ، وجعلوا المبدع الأول علة كون المبدع الثاني ، وزعموا أن المبدع الأول بذل له إنشاء المبدع الثاني ، فهو المنشئ له ، وسمت المبدع الأول : بارئا ، والمبدع الثاني : خالقا ورحمانا ، وسمت الفلاسفة المبدع الأول : عقلا والثاني : نفسا ، ثم حدث التوالد من الأنفس . فأما جعلهم الأول أصلا وعلة ليس كما ذكروا ، فذلك يحتمل أن يجعل الأول أصلا للثاني وعلة كما استقام أن تجعل النطفة أصلا لخلق البشر ، ولكنه لا يجوز أن يسمى بواحد من الاسمين اللذين ذكرتهما الباطنية والفلاسفة ؛ لأنه لا يجوز إنشاء الأسماء لهذه الأشياء اختراعا ، بل تسميهما بما جاءت بهما التسمية من عند الحجة ، وإنما جاءت التسمية من عند الحجة باللوح والقلم ؛ فلا تسميهما بغيرهما . وقوله - عز وجل - : { مَّحْفُوظٍ } ، أي : عن أعدائه ؛ فلا يتمكنون من تغييره وتبديله . وأخبر أنه أنزل إليه على يدي رسول قوي ؛ فلا يقدر أحد أن يغلبه ؛ فيحرف ما فيه . ووصفه بالأمانة في نفسه بقوله : { ذِي قُوَّةٍ … } [ التكوير : 20 ] إلى قوله : { أَمِينٍ } [ التكوير : 21 ] ؛ ليؤمن تغييره بنفسه ، والله الهادي للعباد والموفق للرشاد ، [ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ] .