Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 11-17)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } قال أبو عبيدة : الرجع : هو الماء ؛ أي : السماء ذات المطر . وقال غيره : { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } ، أي : تعود في كل عام إلى ما كانت عليه في العام الذي قبله بالمطر ، والرجع : هو العود . ويحتمل : { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } ، أي : بتكرر إدرار بركتها على الخلق استوفوا منها . وقوله - عز وجل - : { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } قيل : { ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } بالنبات . أو { ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } ، أي : ذات أودية وأنهار يجتمع فيها الماء ، فينتفع بها الخلق لسقي أراضيهم ودوابهم ؛ فعظم أمر السماء والأرض ؛ فأقسم بهما . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } يعني : القرآن ، وليس بالهزل . وفي إخراج النبات من الأرض حكمة عجيبة ولطف تدبير ؛ وذلك أن النبات شيء لين ينثني بأدنى مس ، ثم إن الله - تعالى - بلطفه صدع له الأرض اليابسة الصلبة ، وأخرجه منها غير منثنٍ ولا منكسر ؛ ليعلموا أن مدبره حكيم ؛ فيلزمهم به التوحيد . وجعل منافع الأرض بمنافع السماء متصلة ؛ إذ الأرض إنما تتصدع للنبات إذا أصابها المطر من السماء ؛ فيكون في ذلك إنباء - أيضا - أن مدبرهما واحد ، ولولا ذلك لم تتصل منفعة إحداهما بالأخرى . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي : بَيِّن ، بَيَّنَ فيه الحلال والحرام ، وما يتقى عنه ، وما يؤتى ، وبيَّن فيه الصواب من الخطأ ، وبيَّن فيه الوعد والوعيد . أو يكون معنى الفصل : التفريق ، وهو أن فرق الوعد من الوعيد ، والحلال من الحرام ، والحق من الباطل ؛ فوضع كل شيء موضعه ، ولم يخلط أحدهما بالآخر . وقوله - عز وجل - : { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } ، أي : باللعب والباطل . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً } ، فقوله : { وَأَكِيدُ كَيْداً } يحتمل وجهين : أحدهما : أي : أجزيهم جزاء كيدهم ؛ فسمى الجزاء باسم ما له الجزاء وإن لم يكن ذلك كيداً ، كما سمى الجزاء للسيئة : سيئة مثلها ، وإن لم يكن الجزاء سيئة ، وكما سمى جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الجزاء اعتداء بقوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] ، وقال : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] ، أي : جزاهم جزاء النسيان ، أو جعلهم كالشيء المنسي الذي [ لا ] يعبأ به ، لا أن يكون منه في الحقيقة نسيان ؛ فكذا سمى جزاء الكيد : كيدا ، لا أن يكون الجزاء كيدا . ووجه آخر : أن الكيد في الحقيقة والمكر هو أن يأخذه من وجه أمنه ؛ فيلحق الكائد اسم الذم ؛ لأنه أخذه من وجه لم يشعر به ، وهذا المعنى في الكيد الذي أضيف إلى الله - تعالى - غير موجود ؛ لأن الله - تعالى - قد بين له الطريق الذي إذا سلكه وقع له به الأمن من الطريق الذي إذا سلكه حل به البوار والهلاك ، فإذا سلك هذا الطريق ، كان سلوكه عن عناد منه ، أو عن ترك الإنصاف من نفسه ؛ فوجد ما يكره من الكيد [ لا من الكائد ] ؛ فلم يلحقه بذلك الوصف المعنى المكروه . ثم كيدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله - تعالى - : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } [ الأنفال : 30 ] . وقوله - عز وجل - : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ } مهل وأمهل لغتان ؛ فكأنه يقول : { أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } ، ولا تجازهم بصنيعهم ؛ فإن الله - تعالى - يجازيهم بصنيعهم عن قريب ، وقد فعل ذلك بما سلط رسوله صلى الله عليه وسلم بقتلهم وسبيهم ؛ فيكون في هذا بشارة منه لرسوله صلى الله عليه وسلم بالنصر عليهم وبغلبته إياهم ، وفي ذلك آية رسالته ؛ لأنه قال لهم هذا عند قلة أعوانه وضعفه ، ثم إن الله - تعالى - كثر أنصاره وأظهره عليهم كما قال لهم ؛ ليعلموا أنه علم ذلك بالوحي ، والله الموفق .