Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-5)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قيل فيه من أوجه : أحدها : أن سبح ربك . وقيل : سبح اسمه . وقيل : سبح ربك بأسمائه . فمن قال : سبح ربك ، فمعناه : أن نزهه عن جميع المعاني التي يحتملها غيره من الآفات والحاجات والأضداد والأنداد ؛ فيكون القول به توحيدا . وروي عن مقاتل بن سليمان أنه قال : تأويله : وحد ربك ، وتوحيده ما ذكرنا . وقال بعض المفسرين : تأويله : أن صل لربك ؛ وهذا محتمل ؛ لأن الصلاة بنفسها تسبيح ؛ لأنه بالافتتاح يقطع وجوه المعاملات بينه وبين الخلق ، ويمنع نفسه عن حوائجها ؛ فيجعلها لله تعالى ، وهذا هو التوحيد والإيمان ؛ لأنه بالإيمان يجعل الأشياء كلها لله تعالى سالمة ؛ فصارت الصلاة تسبيحا لعينها ، لا للتسبيح المجعول فيها . ومن حمل التسبيح على الاسم ، فقال : نزه اسمه ، فذلك يرجع إلى الأسماء الذاتية ، [ و ] هو ألا يشرك غيره فيسميه بها ، والأسماء الذاتية قوله : الله الذي لا إله غيره الرحمن ، وما أشبهه من الأسماء ، وتنزيهه للأسماء الصفاتية : أن ينزهها عن المعاني التي استوجب الخلق الوصف به ، كقولك : عالم ، حكيم ، رحيم ، مجيد ؛ فمن وصف بالعلم من الخلائق فإنما استوجب الوصف به بأغيار دخلن فيه ، واستوجب الوصف بالحكمة والوصف بالمدح بالأغيار ، والله - تعالى - استحق الوصف به بذاته ، لا بأغيار ، فينصرف التنزيه إلى الأغيار ؛ إذ صفاته ليست بأغيار للذات ؛ وهي لا تفارق الذات ، فالامتداح الواقع بالصفات امتداح بالذات الموصوف بها ، والله الموفق . وقال بعضهم : معناه : سبح بالحمد والثناء ؛ وهو يرجع إلى ما ذكرنا من التأويل الأول ، وهو أن يحمده بالثناء الذي يتضمن التوحيد والتنزيه عن معاني الخلق . ومن قال : سبح ربك بأسمائه ؛ فهذا ظاهر ، وهو أن يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأسماؤه معروفة ، لا نحتاج إلى إظهارها . وقوله - عز وجل - : { ٱلأَعْلَىٰ } ظاهره يقتضي أن يكون هناك أدون وأسفل ، وكذلك قول : " الله أكبر " ظاهره يقتضي الأصغر ، ولكن معنى قوله : { ٱلأَعْلَىٰ } أي : هو أعلى من أن تمسه حاجة أو تلحقه آفة ، وكذلك هذا في الأكبر ، ويكون الأكبر والأعلى في النهاية عن تنزيه المعاني التي ذكرنا ، وهو كقولك : هو أحسن وأجمل ، فإذا قلت : أحسن وأجمل ، أردت به النهاية في الحسن والجمال . أو يكون { ٱلأَعْلَىٰ } بمعنى : العلي و " الأكبر " بمعنى : الكبير ، وذلك جائز في اللغة . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } يحتمل أوجها : أحدها : أن يكون سواه على ما قدره ، خلافا لأفعال الخلق ؛ لأن الفعل من الخلق يخرج مرة سويا على [ ما ] قدر ، ومرة بخلافه . أو يكون سوى الخلق كله في دلالة وحدانيته وشهادة ربوبيته ، فما من خلق خلقه إلا إذا تفكر فيه العاقل ، دلت خلقته على معرفة الصانع ، ووحدانية الرب . أو سواه على ما فيه مصلحته ومنفعته . أو سواه على ما له خلق ؛ ألا ترى أن الإنسان إذا أمر بالركوع والسجود خلقه من وجه يتمكن من الركوع والسجود ؛ فهذا معنى قولنا : إنه سواه على ما له خلق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } يحتمل أوجها : أحدها : هداه إلى ما أحوجه إليه ، فهدى العبد [ إلى ] معيشته من أين يأخذها ؟ وهدى كل دابة إلى رزقها وعيشها ، فعرفت كل دابة رزقها . أو يكون قوله : { فَهَدَىٰ } ، أي : هدى به . أو تكون الهداية منصرفة إلى أمر الدين ، وذلك يرجع إلى الخصوص من الخلق الذين لهم عقول مميزة ؛ فيكون معناه : هدى فيمن هدى . وطعنت المعتزلة علينا بهذه الآية ، فقالت : إن الله - تعالى - يقول : { قَدَّرَ فَهَدَىٰ } ، وأنتم تقولون : قدر فأضل ؛ ولكن هذا التحقيق يرجع إليهم ؛ لأنهم يحملون تأويل الهداية على البيان ، وإذا كان كذلك وقد بين الله تعالى سبيل الهدى وسبيل الضلال جميعا ، فإذن قد أضله ؛ حيث بين له سبيل الضلال على قولهم . ثم ليس في قوله : { قَدَّرَ فَهَدَىٰ } نفي الإضلال ؛ إذ التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ذلك عما عداه ؛ فلم يجب قطع الحكم على ما ذكروه ، وقد ذكر في موضع آخر المكرمين بالهدى ؛ فقال : { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } الآية [ البقرة : 1 - 2 ] ؛ فثبت أن الهدى راجع إلى الخصوص ؛ فقوله : { قَدَّرَ } ، أي : قدر لخلقه معايشهم ، وهداهم وجه أخذ المعيشة . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } : في هذه الآية تعريف الرب الأعلى ؛ كأنه يقول : الرب الأعلى : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ * وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } . ثم ذكر هذه الأشياء التي يعرف انقضاؤها وبدؤها وإنشاؤها وإهلاكها من المرعى وغيره ؛ لأن وجه الدلالة بمعرفة الصانع بالأشياء التي يعرف بدؤها وانقضاؤها وحدوثها وفناؤها أقرب منه بالأشياء التي لم يشهد الخلق بدءها ولا انقضاءها ، وهي السماوات والأرضون ؛ إذ المرء يصل إلى وحدانية الرب ومعرفة الصانع بالأشياء التي تحدث وتتغير بأدنى نظر وتأمل ، ولا يصل إلى ذلك فيما يدوم إلا بلطائف الفكر ، وفضل بصر ، وزيادة تأمل . وجائز أن يكون خص المرعى بالذكر ؛ لما بالمراعي قوام هذا الخلق ؛ لأنه لا بد للبشر من الدواب والأنعام ؛ للتعيش ، والدواب حياتها بالمراعي ؛ فكان قوام الخلق في التحصيل بإخراج المراعي ، فذكرهم هذا ؛ ليستأدي منهم الشكر ؛ إذ كانت الدواب لم تنشأ لأنفسها ، وإنما أنشئت للخلق ؛ ليتمتعوا بها ، ثم الله - تعالى - بفضله أنشأ للدواب مراعي ، وقدر لها أوقاتها ، ولم يضيعها ، فكيف يضيع هذا الخلق ، وهم الذين قصد إليهم من خلق هذا العالم ، فلا يرزقهم ، ويخرجهم من تدبيره . وقوله - عز وجل - : { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } قيل : الغثاء : اليابس الذي تحمله السيول والأمطار { أَحْوَىٰ } أي : أسود من قدمه . وقيل : الأحوى : هو الأخضر الذي يضرب إلى السواد ، وهو على التقديم والتأخير ؛ أي : جعله غثاء بعدما كان أحوى .