Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-7)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } قيل : معناه : قد أتاك حديث الغاشية ؛ فإما أن يكون الإتيان سابقا أو أتاه حديث الغاشية بنفس هذه السورة . ثم في هذه الآيات ترغيب فيما تحمد عاقبته ، وتحذير عما يذم في العاقبة ، وتبيين أن العاقبة المحمودة متصلة باكتسابه وكدحه ، وكذلك العاقبة المذمومة ينالها بعمله ونصبه . ثم اختلف في تأويل { ٱلْغَاشِيَةِ } : فقيل : { ٱلْغَاشِيَةِ } : النار تغشاهم ، كما قال تعالى : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] ، وقال في آية أخرى : { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } [ إبراهيم : 50 ] . ومنهم من يقول : { ٱلْغَاشِيَةِ } : هي الساعة ؛ سميت : غاشية ؛ لأنها تغشى الصغير والكبير ، والمحمود والمذموم ، والشقي والسعيد ؛ فتعمهم جميعا ؛ وهذا التأويل أقرب ؛ لأنه ذكر الغاشية أولا ثم ذكر الجزاء بعد ذلك بقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } ، وقوله - عز وجل - : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } [ الغاشية : 8 ] . ثم قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } أي : ذليلة ، وإنما خص الوجه بالذكر ؛ لأن الحزن والسرور إذا استحكما في القلب أثرا في الوجه ؛ فيكون في ذكر الوجه وصف للغاية التي هم عليها من الذل . وقوله - عز وجل - : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } قال بعضهم : إلى عباده الكفرة ، و [ هو ] أنهم بقوا أبدا في النصب والعمل في الدنيا والآخرة . وجائز أن يكون نصبها وعملها في النار ، وهو أنها لم تعمل في الدنيا ؛ بل تكبرت عن طاعة الله - تعالى - فأعملها وأنصبها في الآخرة بمعالجة الأغلال والسلاسل في النار الحامية . أو عملت في الدنيا بالمعاصي ونصبت في الآخرة ؛ فيكون فيه تبيين العمل والجزاء . وقوله - عز وجل - : { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } ، أي : حارة ، قد أحماها الله - تعالى - من يوم خلقت إلى الوقت الذي يسقى منها . وقوله : { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } قيل : الآني : الذي قد انتهى في الحر غايته حتى لا حر أحر منه . وقوله - عز وجل - : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } ، اختلف في الضريع : منهم من يقول : سمي : ضريعا ؛ لأنهم يتضرعون عنه ، ويجزعون إذا طعموا . ومنهم من جعل الضريع لونا من ألوان العذاب لم يبينه الله - تعالى - للخلق . ومنهم من قال : الضريع : اسم لنبت قد عرفته العرب فيما بينهم تأكله الإبل والدواب ما دام رطبا ؛ فإذا هاج ويبس تركت الدواب أكله ، وعافته لخبثه وكثرة ما عليه من الشوك ، ويسمونه : شبرقا في الربيع ، وإذا هاج وجف ، يسمونه ضريعا ، فذلك النبت في الدنيا يعمل في إسمان الدابة ويغنيها من الجوع ، فنفي الله - تعالى - وجه الإسمان والإغناء ، وحصل أمره على الخبث بقوله : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } ، وهو كقوله : { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 28 - 29 ] ، فالسدر اسم شجرة ذات شوك في الدنيا ، فأنشئت في الآخرة بلا شوك ، ووصف خمر الجنة قال : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] ، والخمر في الدنيا تعمل في التصديع ، وهي تنزف ؛ فنفى عنها هذه الآفات ، وجعلها شرابا سائغا لذة للشاربين ، فكذلك الضريع نفى به ما يقع به الإسمان والإغناء ، وحصل أمره على الخبث ، والله أعلم .