Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 8-16)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } ، أي : ناعمة بما عاينت من عاقبة عملها الصالح في الدنيا ، ورضيت بما أوتيت جزاء عن سعيها في الدنيا ، جعل الله تعالى في وجوه الخلق يوم القيامة آثار صنائعهم في الدنيا : فمن أطاعه جعل علم طاعته في وجهه يوم القيامة ، ومن عصاه جعل أثره في وجهه يعرف به . وقوله - عز وجل - : { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قد علا قدرها ، وعظم شأنها ؛ فتكون { عَالِيَةٍ } نعتا للجنة ، فوصفها بالعلو من هذا الوجه . والثاني : يحتمل العلو من حيث الدرجات والمكان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } ما يحق أن يلقى من الشتم ومن كل ما يؤثم صاحبه ؛ بل هم كما وصفهم الله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] . ثم الذي يحمل المرء على شتم المرء إما ضغن أضمره في صدره ، أو خصومة حدثت بينهما ، أو آفة تدخل في عقله بسكر أو ما أشبهه ، والله - تعالى - نفى عن الشراب الآفات بقوله : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] ، ونزع الغل عن صدورهم ؛ فارتفعت دواعي السفه كلها ؛ فلا يسمع فيها [ ما يحق ] أن يلغى به . وقوله - عز وجل - : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } ، أي : عيونها جارية تأخذها العين ، وتجري على وجهها ، ليست كمياه الدنيا في أن بعضها يجري على وجه الأرض ، وبعضها تحتها ، نحو ماء القناة وماء البئر . وقوله - عز وجل - : { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } ، قال بعضهم : مرفوعة بعضها فوق بعض ، ترتفع ما شاء الله ، فإذا جاء ولي الله - تعالى - ليجلس عليها ، تطامنت له ، فإذا استوى عليها ارتفعت حيث شاء الله تعالى . وقال بعضهم : معنى { مَّرْفُوعَةٌ } هاهنا : أنها أنشئت مرفوعة القدر عند أهلها ، فوعدوا في الآخرة على ما هي عليه رغبتهم في الدنيا وإيثارهم لها ، والمرء يرغب في الوجهين اللذين ذكرناهما في الدنيا ؛ فعلى مثله جرى الوعد في الآخرة ، وكذلك يرغب في الأكواب والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة ؛ فوعد لهم مثلها في الآخرة . وقال في موضع : { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } [ الواقعة : 34 ] ، ورفعها يكون من الوجهين اللذين ذكرناهما في السرر ؛ فوعدوا بها - أيضا - في الآخرة ؛ ليرغبهم بها في الدنيا . وقول - عز وجل - : { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } الأكواب هي الكيزان التي لا عرا لها ؛ فإما أن يكون وصفا لكبر تلك الأكواب في أنفسها حيث لا عرا لها كالحباب في الدنيا . أو يكون لهم خدم وولدان يتولون نقلها إلى أين أحبوا ، وليست لها عرا يمدون أيديهم إليها فيرفعونها . وقوله - عز وجل - : { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } قيل : هي الوسائد وضعت على البسط ، وكذلك تبسط الوسائد في الدنيا ؛ فرغبوا كذلك في الآخرة .