Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 119-122)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } . في ظاهر الآية أن قوماً عرفوا بالصدق فأمروا بالكون معهم ، ويشبه أن يكون أمر هؤلاء [ الذين ] تخلفوا عن رسول الله بالكون مع المهاجرين والأنصار الذين كانوا مع رسول الله . وفيه دلالة على أن الإجماع حجة ؛ لأنه أمر بالكون مع الصادقين في دين الله ، فلو لم يلزمهم قبول قولهم لم يكن للأمر بالكون معهم وجه . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } ، وهو ظاهر . وقوله : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } . يحتمل وجوهاً : أحدها : [ يقول ] : احفظوا الله في حقه ولا تضيعوه ، وكونوا مع الصادقين في وفاء ذلك وحفظه . أو : اتقوا الله فيما نزل ما امتحنكم به من الخروج والجهاد مع رسول الله وغير ذلك من المحن . أو يقول : اتقوا مخالفة الله ورسوله فيما يأمركم به ، وكونوا مع الموافقين لأمره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } . يشبه أن يكون هذا صلة ما سبق منهم من المبايعة والعهود التي جرت بينهم وبين رسول الله ؛ يقول - والله أعلم - : { مَا كَانَ } ، أي : لم يكن لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ، بعد ما قبلوا النصر له والمعونة وبايعوه على ذلك ؛ هذا محتمل . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن يكون صلة ما ذكر على أثره وهو قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ؛ يقول - والله أعلم - : ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ، وقد جعل بكل ما يصيبهم في أنفسهم من العناء والشدة ، وفي أموالهم من النقصان وما ينفقون من النفقة قليلة كانت أو كثيرة ، أو يصيبون من العدو ومن القتل والغنيمة - إلا كتب لهم بذلك العمل الصالح ، أي : ما كان ينبغي لهم أن يتخلفوا عنه ، وقد كتب لهم بكل ما يصيبهم من الشدة والعناء وما يصيبون من الخير - العمل الصالح والأجر لهم ، والله أعلم . أو يقول : ما كان لأهل المدينة إذ تخلفوا عن رسول الله أن يتخلفوا عنه . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } . يحتمل قوله : { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } ، أي : ولا يرغبوا بالتخلف عن نفسه ؛ يقال : جاء فلان بنفسه ، ورأيت أنا بعيني ونحوه ، أي : جاء هو ورأى هو ؛ فعلى ذلك هذا { وَلاَ يَرْغَبُواْ } ، أي : ما كان ينبغي لهم أن يرغبوا عن رسول الله . ويحتمل { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ } ، أي : لأنفسهم عن نفسه ، [ و ] ذلك جائز ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ } قيل : عطش ، { وَلاَ نَصَبٌ } : العناء والمشقة ، { وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، أي : مجاعة . { وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } ، قال بعضهم : ولا يقفون موقفاً . وقال بعضهم : هو من الوطء والموطئ : الشيء الذي يوطأ . { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً } ، قيل : فيهم أو إغارة عليهم ، { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } ، أي : يكتب ما لهم وما عليهم العمل الصالح مكان من تخلف منهم مخافة أن يصيبه ما ذكر من العناء والشدة ؛ يقول : كتب لهم بكل ما يصيبهم العمل الصالح ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } . هو ما ذكرنا أنه يجزيهم بكل ما يصيبهم من الشدة والعناء في أنفسهم وفي أموالهم من النقصان وما ينفقون . { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : يجزيهم لصالح أعمالهم وأحسنها ، ولا يجزيهم لسيئاتهم ؛ وهو كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] ، أخبر أنه يتقبل منهم أحسن ما عملوا ويكفر عنهم سيئاتهم ؛ فعلى ذلك الأول يخبر أنه يجزيهم أحسن ما عملوا في الغزو ، ويتجاوز عن سيئاتهم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ … } الآية . اختلف أهل التأويل : قال بعضهم : إن نبي الله كان إذا خرج للغزو خرجوا جميعاً ، فتبقى المدينة خالية عن الرجال ، فنهى الله عن ذلك وقال : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } . وقال بعضهم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية خرجوا جميعاً ، فبقي هو وحده لم يبق معه أحد ممن يشهد التنزيل ؛ ليخبروا أولئك إذا حضروا . وقال آخرون : الآية في الوفود ، وذلك أن الوفود إذا قدموا من الآفاق المدينة قدموا مع النساء والذراري جميعاً ، فأمروا أن ينفر الرجال منهم دون النساء والذراري ، أو من كل قوم نفر ؛ ليتفقهوا في الدين . ذكر في هذه الآية : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، نهى الكل أن ينفروا ، وأمروا في الآية الأخرى بنفر الكل بقوله : { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } [ النساء : 71 ] ، فهو يخرج على وجهين : أحدهما : أمر بالنفر الجميع عند قلة المؤمنين ؛ ليكون لهم الكفاية مع العدو . والثاني : أمر بنفر الكل عند النفير . فيكون إحدى الآيتين في حالة النفير ، والاخرى في غير حال النفير وما ذكرنا في وقت القلة والكثرة . فمن يقول : إن الآية في الذين كانوا يخرجون جميعاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، كأنه نهى عن الخروج جملة مع رسول الله ؛ خوفاً على أهاليهم وذراريهم ، لعل العدو سباهم وأخذ أموالهم يقول الله : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } ، أي : هلا نفر طائفة منهم فيخبروا الكفار المقيمين بما أنزل الله على رسوله من النصر والمعونة والهزيمة على الكفار الذين قاتلوا رسول الله ، فيكون ذلك سبب دعائهم إلى الإسلام . وإلى هذا ذهب الحسن والأصم ويقولون : إن هذه الآية نسخت الآية التي قبلها وهي قوله : { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 120 ] . يقول الحسن : إن عليهم أن يخرجوا مع رسول الله إذا خرج ، فيقول : هذا منسوخ بالآية التي تليها : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } الآية . ومن يقول بأن الآية في الوفود الذين كانوا يأتون رسول الله المدينة بالنساء والذراري ، فالنهي لذلك لما كانوا يضيقون على أهل المدينة أوطانهم ويغلون أسعارهم ونحوه ؛ يقول : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } ، أي : يعلمون الدين وأحكامه ، ثم ليرجعوا إلى قومهم فيعلموهم . ومن يقول : الآية في الذين خرجوا ونفروا مع السرايا ، نهاهم عن خروج الكل ؛ لما لعله لما نزل على رسول الله شيئاً ، فلم يكن معه أحد يبلغه إليهم ثم يبلغ إلى من هو غاب عنه ضاع ذلك فيقول : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } ما نزل على رسول الله ، وليبلغوا ذلك إلى من غاب عنه . { مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } . قيل : من كل عصبة ، ومن كل قبيلة ، ومن كل حي ، ففي الآية دلالة سقوط فرض السفر لتعلم العلم والتفقه في الدين عن الكل إذا قام بعض بذلك يخرجون ويتعلمون ثم يعلمون قومهم ؛ لأنه قال : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ … } الآية . وفيه أيضاً دلالة سقوط فرض الجهاد عن الجماعة إذا قام بعضهم عن بعض . وفيه دلالة لزوم العمل بخبر الأحاد وإن احتمل الغلط ؛ لأن ما ذكر من الطائفة يحتمل أن يجتمعوا على ذلك كذبا أو غلطا ، ثم ألزم قومهم قبول خبرهم وإن احتمل الغلط والكذب بقوله : { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } . والآية تخرج على وجهين : أحدهما : أن كل أهل بلدة وأهل قبيلة يختارون من يصلح للتفقة في الدين والتعلم فينفر ، حتى إذا تفقه وتعلم رجع إلى قومه فيعلمهم . والثاني : يأمر من يصلح للتفقه بالتخلف عن الجهاد إذا كان بهم غنية ليتفقه عند رسول الله ؛ فينذر قومه إذا رجعوا إليه من غزاتهم .