Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 117-118)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ … } الآية . قال بعض من أهل التأويل : تاب الله عليهم لزلات سبقت منهم ، ولهفوات تقدمت من غير أن كان منهم زلات في هذا - يعني : [ في ] غزوة تبوك - وهفوات ، أما التوبة على النبي فقوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } [ التوبة : 43 ] وعلى المهاجرين والأنصار ما كان منهم يوم أحد ويوم حنين ، و [ هو ] قوله : { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 155 ] . وقال بعضهم : تاب عليهم لهفوات كانت منهم في غزوة تبوك ، هموا أن ينصرفوا في غير وقت الانصراف على غير إذن لشدائد أصابتهم ، فقال : { تَابَ عَلَيْهِمْ } ، لما هموا بالانصراف في غير وقت الانصراف . ويشبه أن تكون التوبة التي ذكر على وجهين سوى ما ذكروا : [ أحدهما ] : وهو أنه تاب عليهم ، أي : جدد عليهم التوبة للهفوات التي تقدمت ، أو الثبات عليها من غير أن كان منهم في الحدوث شيء ، ولكن يكون لذلك حكم التجديد أو الثبات عليها كسؤال الهدى [ وهم ] على الهدى ؛ كقوله - عز وجل - : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] . [ وقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ النساء : 136 ] أي : يا أيها الذين آمنوا فيما مضى من الوقت آمنوا في حادث الوقت ، أو اثبتوا على ذلك ؛ فعلى ذلك يحتمل أن يكون قوله ] : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أي : جدد عليهم التوبة من غير أن كان منهم هفوة ، أو ثبتهم على التوبة التي كانت منهم . والثاني : أنه ذكر التوبة ، وذلك أنهم حيث صبروا على ما أصابهم من الشدائد والجهد ، كشف الله عنهم أشياء كانت مستورة عندهم وجلالهم أغطية كانت لا تنجلي لهم من قبل ، لكن انجلى ذلك لهم وانكشف ؛ لصبرهم على الشدائد التي أصابتهم ؛ كقوله : { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] ، لما صبروا على ما أصابهم من المصائب ازداد لهم تفويض وتسليم الأمر والمرجع إليه ؛ وكقوله : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ التغابن : 11 ] الآية ، ازداد لهم بما صبروا هدى وتجلى لهم أشياء لهم لم تكن من قبل ؛ فعلى ذلك يحتمل التوبة التي ذكر أنهم لما صبروا على ما أصابهم من الشدة والجهد ، تجلت لهم أشياء كانت مغطاة - والله أعلم - فإنه ذكر : { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } ، [ ولم يذكر أنها زاغت وذكر قلوب فريق منهم ] ولم يذكر قلوب الكل فهو ما ذكرنا . ويحتمل ذكر التوبة على النبي على الإشراك مع المؤمنين من غير أن كان له ذنب ؛ لأنه أخبر أن ذنبه مغفور بقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] ، فهو كما أشركه في الاستغفار ؛ بقوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ محمد : 19 ] ، أمره بالاستغفار لذنبه على الإشراك له مع استغفار المؤمنين ؛ إذ أخبر أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . والتوبة من الله تعالى تخرج على وجوه : أحدها : التوفيق وفقهم للتوبة وأكرمهم بها ؛ كقوله : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } [ التوبة : 118 ] أي : وفقهم للتوبة فتابوا . والثاني : التوبة منه قبولها منهم ، أي : يقبل منهم التوبة ؛ كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ التوبة : 118 ] . والثالث : { تَابَ عَلَيْهِمْ } ، أي : تجاوز عنهم وعفا وصفح عنهم . على هذه الوجوه الثلاثة تخرج إضافة التوبة إلى الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } . قيل : في عسرة النفقة وعسرة الظهر . وقوله - عز وجل - : { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } . ذكر في بعض القصة أنه قد أصابهم من الجهد والشدة حتى أن الرجلين يقسمان التمرة بينهما ، وكانوا يتداولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها الماء ، ثم يمصها هذا ، ذكر نحو هذا ، ولكن لا ندري كيف كان الأمر سوى أنه أخبر أن قلوبهم كادت تزيغ من الجهد . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } . [ قال بعضهم : خلفوا ] عن التوبة ؛ نحو قوله : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } [ التوبة : 117 ] . فكانوا يبتهلون ويدعون الله حتى تاب الله عليهم فتابوا . وقال قائلون : خلفوا عن رسول الله لما تقدمهم القوم ، فهم المخلفون بتقدم أولئك . وقال قائلون : خلفوا خلفهم الله ، أي : خلفهم . ويشبه أن يكون قوله : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } هم الذين تخلفوا فخلفهم رسول الله ، وهو ما ذكرنا . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } . يحتمل هذا على التحقيق ، ويحتمل أن يكون على التمثيل . وللتحقيق وجهان : أحدهما : { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } : ما ذكر أنهم شدوا أنفسهم بالسواري والأسطوانات ، وأتوا بأموالهم التي منعتهم عن الخروج مع رسول الله ، وتصدقوا بالأرضين التي منعتهم عن الخروج ، وضاقت عليهم الأرض بعد ما كانت عليهم متسعة يتسعون فيها ؛ لأنه ذكر في القصة أن واحداً من هؤلاء ممن حبسته أرضه عن الخروج فتصدق بها على الفقراء ، وكان له التوسع بتلك الأرض ثم ضاقت عليه . والثاني : { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } : لما حبسوا أنفسهم عن أراضيهم ، وتركوا شهواتهم وأمانيهم وما يتلذذون به ؛ ذلك ضيق الأرض . { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } : لما شدوا أنفسهم بالأسطوانات . ويحتمل أن يكون على التمثيل ؛ وذلك أن الخوف إذا اشتد بالإنسان وبلغ غايته حتى يمنعه عن القرار في الأرض والتلذذ فيها يقال : ضاقت عليه الأرض بسعتها ، وضاقت عليهم أنفسهم ؛ لما ذكر كان الناس لا يكلمونهم ولا يخالطونهم ولا يبايعونهم ولا يكلمهم أهاليهم . وقوله - عز وجل - : { وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ } . قال بعضهم : ظنوا أن لا نجاة من عقوبة الله إلا عفوه ، أي : أيقنوا أن لا مخلص لهم ولا احتراز [ لهم ] من عقابه . وقيل : ظنوا أن لا ملجأ من عذاب الله إلا إلى رحمته . وقيل : وظنوا أن لا ملجأ من رسول الله [ إلا إلى الله ؛ لأنه ذكر أنهم سألوا رسول الله ] التجاوز عن ذلك فلم يجبهم ، فأيقنوا عند ذلك أن المفزع والملجأ إلى الله لا إلى أحد دونه . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } . أي : وفقهم للتوبة فتابوا . { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } . أي : يقبل التوبة ، أي : قابلها .