Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 124-127)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } . قال أهل التأويل : قوله : { فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } يعني : يقول المنافقون بعضهم لبعض إذا خلوا عن المؤمنين : أيكم زادته هذه إيماناً ؟ استهزاء منهم بها وسخرية ، فأجاب الله تعالى فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، أي : شك ونفاق ، { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } أي : تكذيباً وكفراً إلى تكذيبهم الذي كان منهم ؛ لأن أهل النفاق والكفر ليسوا هم بأهل إنصاف يقبلون الحجة والدلالة إذا قامت عليهم ، إنما همتهم العناد والتكذيب ورد الحجج والدلائل ، فكلما ازداد لهم الحجج والبراهين ازداد لهم عناداً في التكذيب والرد ، وأما أهل الإيمان فإن همتهم قبول الحجج والإنصاف ، فكلما ازداد لهم الحجج والبراهين ازداد لهم إيماناً وتصديقاً على ما كان لهم . ثم قوله : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } : زادتهم ثباتاً ودواماً على ما كانوا من قبل ، بما قامت لهم من الحجج والبراهين ، وكذلك ازداد أهل النفاق والكفر بها الثبات على العناد في تكذيب الحجج والآيات . والثاني : ازداد لهم إيماناً بالتفسير على إيمانهم بالجملة ، وإذا كانوا مصدقين لذلك كله جملة ، فإذا نزلت لهم نوازل وفرائض ازداد لهم بذلك التصديق والثبات . وأصله أنه لو ما كان منهم من الإيمان والتصديق ، لكان هذا منهم ابتداء إيمان وإحداث تصديق ، وكذلك لو لم يكن من أهل النفاق ما سبق من العناد ، لكان ذلك منهم إحداث تكذيب وعناد ، فإذا كان منهم ما ذكرنا كان ذلك زيادة على ما كان لما ذكرنا . وقال بعضهم : يزداد لأهل الإيمان خيرات ، ولأهل النفاق شرّ ، ولكن هو واحد وهو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً } . يخرج على وجهين : أحدهما : زادت المؤمنين إيماناً على الذين كان لهم من الإيمان والتصديق . والثاني : زاد لهم حجة وبرهاناً لما كان ، وكذلك يزداد لأهل النفاق ضد ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } . قيل : يفرحون بنزولها ، ثم إضافة الزيادة إلى السورة بقوله : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } لوجهين : أحدهما : أضيف أليها الزيادة على ما أضيف الغرور إلى الدنيا ، وهو لما ذكرنا أنه يبدو منها لهم من التزيين ما لو كان [ ذلك ] من ذوي الأفعال والتغرير كان ذلك غروراً . والثاني : إضافة التغرير إليها لما بها اغتر أهلها ، وكذلك إضافة الزيادة إلى السورة لما بها ازداد لهم التكذيب والكفر ، وازداد لأهل الإيمان بها التصديق ، فأضيف الزيادة إليها . وقال بعضهم : [ هو ] ما ذكرنا أنها حجة ودلالة ، فبالحجة يزداد لأهل [ الإيمان ] الإيمان بها ؛ إذ هم قد اعتقدوا قبول الحجج والدلائل ، وأما أهل النفاق والكفر فإنهم أهل عناد ومكابرة ؛ إذ قد اعتقدوا العناد ورد الحجج ، فكلما [ ازداد لهم الحجة ] ازداد لهم عناداً وكفراً . وقال أبو بكر الأصم : إنما أضيف الزيادة إليها ؛ لأنها كانت سبب الزيادة ، وقد تضاف الأشياء إلى أسبابها كما تضاف إلى حقيقة الأفعال ، ولكن [ لا ] يحتمل أن تكون السورة التي نزلت سبباً لزيادة الكفر ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } . قيل : يبتلون بالجهاد والغزو فيتخلفون عنه ، فيظهر بذلك نفاقهم وكفرهم . وقيل : يبتلون بالشدة والجوع فيظهر أيضاً بذلك نفاقهم ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] . وقيل : يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ؛ وذلك أنهم كانوا إذا خلوا تكلموا بالكفر فيما بينهم ، ثم إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بما تكلموا به في الخلوة فيفتضحون بذلك ، فذلك افتتانه إياهم وابتلاؤه لهم ، كان يظهر بما ذكر نفاقهم : مرة في الجهاد في سبيل الله ، ومرة بالشدة والخوف ، ومرة بما يطلع الله نبيه بما يضمرون ويتكلمون به [ في الخلاء ] . وتحتمل هذه الآية الوجوه الثلاثة : الجهاد معه ، الابتلاء بالشدائد ، والإفزاع . وتحتمل إظهار الأسرار التي أسروا في أنفسهم والافتضاح مما أخفوا ، لكن لو كان هذا فذلك مما يكثر منهم ، أعني : كتمان النفاق وإسرار الخلاف لهم ، لكن ذكر المرة والمرتين يرجع [ إلى ] الافتضاح والإظهار ، فذلك يحتمل أن يكون في العام مرة أو مرتين . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ } : عن نفاقهم . { وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } : بما ابتلوا من الافتضاح وظهور النفاق منهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } . قال بعضهم : الآية صلة قوله : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } [ التوبة : 124 ] ، أي : كان ينظر بعضهم إلى بعض ثم يقولون ما ذكر . ومنهم من يقول : إذا كانت السورة التي نزلت حجة في إظهار الدين والإيمان ، يسمعون ويقولون : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } وإذا أنزلت في إظهار نفاقهم وافتضاحهم نظر بعضهم إلى بعض ، ثم انصرفوا ولا يسمعون منه السورة ؛ إشفاقاً لئلا يظهر نفاقهم . وقوله : { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } . يحتمل خلق الله منهم انصرافهم فأضيف إليه الصرف ، ويشبه أن يكون قوله : { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } عقوبة ، أي : عاقبهم الله بصرف قلوبهم باعتقادهم العناد وردهم الحجج وتركهم القبول .