Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 128-129)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } . اختلف فيه : قال بعضهم : { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ، [ أي ] : من البشر وهو امتنان منه عليهم ؛ حيث بعث الرسول من البشر وله أن يبعث من غير البشر ، لكنه بعث من البشر ؛ ليعرفوا الآيات التي يأتي بها من التمويهات ؛ لأنهم يعرفون مبلغ وسع البشر في الأشياء وقدر إمكانهم بعلم الأشياء ، فإذا جاء بالأشياء التي هي خارجة عن الطباع ووسع البشر في التعليم ، عرفوا أنها آيات لا تمويهات ، مع [ ما ] يألف كل ذي جنس بجنسه وينفر من غير جنسه ، هذا ظاهر في الخلائق أن كل ذي جنس يألف بجنسه ولا يألف بغير جنسه ، فبعث الرسول من البشر ومن جنسهم ؛ ليألفوا به ، ويقبلوا منه ما يأتيهم به ويجيبوه إلى ما يدعوهم إليه . وقال بعضهم : { رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ، أي : من المكان الذي أنتم فيه وهو الحرم . وقال آخرون : { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ، أي : من أنسابكم ، وهو أيضاً موضع الامتنان عليهم ؛ حيث بعثه من أنسابهم يعرفون نسبه ومولده ومنشأه من بين أظهرهم سليماً عن جميع الآفات بريئا عن جميع المطاعن والعيوب ؛ لأن المرء إذا كان مولده ومنشؤه من غير أظهرهم في قبيلة أو في مكان لا يعرف له النسب ، ربما يتمكن فيه الطعن والعيب ، ويقع التناكر في نسبه ؛ لجهلهم بنسبه ومولده ومنشئه على السلامة والصحة والبراءة من العيوب ، فبعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ لئلا يتمكن فيه ما ذكرنا من المطاعن ، ولا يعرف شيء من العيوب والآفات التي ذكرنا فيه . وقال بعضهم : قوله : { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ، [ أي ] : من العرب أميا كما هم ، لا يكتب ولا يقرأ ولا يخطه بيمينه على ما وصفه في كتابه : { ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ … } [ الأعراف : 157 ] الآية ، وقال : { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] ، وذلك أن العرب تتمنى أن يبعث رسول منهم بقوله : { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ فاطر : 42 ] ، ذكر مجيء الرسول من أنفسهم ؛ ليكون أبعد من المطاعن التي طعنوا فيه والآفات التي ذكروا فيه ، وأبرأه من العيوب التي رموه بها من نحو السحر والكهانة والجنون والافتراء على الله ، و [ ليكون ] أقرب إلى المعرفة بأنه رسول ؛ لأن ما يأتي به من الآيات والحجج يعرفون أنها سماوية ؛ لما عرفوا أنه لم يتعلم السحر ولا أخذوا عليه بكذب قط ولا جن قط بما كان منشؤه فيما بين أظهرهم . وقوله : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } . قيل : شديد عليه ما أعنتكم ، أي : ما ضيق عليكم وضركم . وقال القتبي : العنت : الضيق . وقال بعضهم : العنت : الإثم ، أي : شديد عليه ما أثمتم . وقال أبو عوسجة : هو إلى الإثم أقرب . وهو يحتمل كل إثم : الكفر وغيره . { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } . قال بعضهم : حريص على من يسلم أن يسلم ، حريص عليكم بالهدى والرشد . { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } : رحمة الدين والإسلام ، لا رحمة الطبع . قال الشيخ أبو منصور - رحمه الله - في قوله : { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } : سماه بفعله العمل الحسن وبرأفته ورحمته بذلك ، أي : استحق ذلك الاسم بفعله ، وإنما سماه بذلك ؛ لأن عمله كان لله لم يكن عمل لنفسه شيئاً ، وكذلك ماله وأكسابه ؛ فلذلك لم يكن ماله ميراثاً بين ورثته . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } . أي : أعرضوا عن إجابتك ودعائك إياهم إلى الإيمان والتوحيد . { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } . أي : يكفيني الله لا إله إلا هو . ويحتمل قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } : عنك ، وردّوا إجابتك والطاعة لك والانقياد وهمُّوا أن يكيدوك ويمكروا بك ، { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } ، أي : على ما وعدني من النصر والظفر { تَوَكَّلْتُ } ، أي : اتكلت على وعده ووكلت أمري إليه . ويحتمل قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } : عن نصرك ومعونتك على الأعداء ، { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } في النصر والمعونة على الأعداء يكفيني عليهم . هذا في الموضع أقرب ؛ لأنه ذكر على أثر ذكر المنافقين ، ويحتمل ما ذكرنا من الإعراض عن التوحيد والإجابة . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } . قيل : هو رب الملك العظيم ، أي : كل ملك عند ملكه صغير ليس بملك . فإن كان العرش هو السرير على ما قاله بعض أهل التأويل - والله أعلم - [ فهو ] السرير الذي يكرم به الأخيار من الخلائق والأبرار منهم ، وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .