Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 50-55)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } . قيل : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ } ، أي : الغنيمة ، والظفر ، والنصر على الأعداء ، يسؤهم ذلك ، وإن تصبك مصيبة النكبة والهزيمة فرحوا بها . { يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } . أي : أخذنا أمرنا بالوثيقة والاحتياط ؛ حيث لم نخرج معهم حتى لم يصبنا ما أصابهم . ويحتمل أن يكون قوله : { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } ، أي : قد أظهرنا الموافقة للمؤمنين في الظاهر ، وكنا مع الكافرين في السر ، وواليناهم في الحقيقة ، وهو ما ذكر من انتظارهم أحد أمرين في قوله : { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ … } الآية [ النساء : 141 ] . { وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } . يحتمل : يتولوا أولئك الكفرة وهم فرحون . وفي الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ؛ لأنه معلوم أن ما يسوءهم كانوا يضمرونه ويسرونه عنهم ، ثم أخبر عما أسروا وأضمروا ؛ دل أنه إنما علم ذلك بالله . وقوله - عز وجل - : { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } . قال بعضهم : { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } ، أي : قضى الله لنا ، أي : لن يصيبنا إلا ما قضى الله لنا . وقال بعضهم : { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } ، أي : ما جاء به القرآن ، وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [ التوبة : 111 ] . ويحتمل قوله : { لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } : من الكرامة ، والمنزلة ، والنعيم الدائم في الآخرة ، أي : لن يصيبنا إلا ذلك ، وإن كنتم أنتم تفرحون بذلك ، فذلك الذي كتب الله لنا . { هُوَ مَوْلاَنَا } . أي : [ هو ] ربنا ونحن عبيده ، يكتب لنا ما يشاء من الخير والشر ؛ أي : ما أكرمنا الله لنا ، أي : ما أحل لنا وأباح ، وأما القضاء فإنه قل ما يقال فيما يكون لهم ، وإنما يقال فيما قضى عليهم ، وأما الكتاب لهم فهو فيما … ويحل لهم ويبيح . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . يحتمل وجهين : الأول : يحتمل : على الإخبار ، أي : على الله يتوكل المؤمنون ، لا يتوكلون على غيره . والثاني : يحتمل : أن يكون على الأمر ، أي : على الله توكلوا أيها المؤمنون . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } يعني : الشهادة ، والحياة ، والرزق الدائم ، والكرامة ؛ كقوله - تعالى - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً … } الآية [ آل عمران : 169 ] . ويحتمل : إلا إحدى الحسنيين في الدنيا : الغنيمة والظفر ؛ يقول : هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين : إما الحياة الدائمة في الآخرة ، والرزق الحسن ، والكرامة ، وإما الغنيمة والنصر في الدنيا ، هذا تتربصون بنا ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده : العذاب في الآخرة إن قتلتم ، أو بأيدينا ، أي : القتل بأيدينا . { تَرَبَّصُونَ بِنَآ } الشر { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } العذاب بكم ، هم كانوا لا يتربصون بنا إلا الدوائر والهلاك ، وهو ما ذكر في آية أخرى حيث قال : { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } [ التوبة : 98 ] هم كانوا لا يتربصون بنا الحسنى ، ولكن ما ذكرنا من الدوائر ، لكن ذلك وإن كان عند أولئك المنافقين هلاك ودائرة ، فهو للمؤمنين الحسنى في الآخرة . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } . قال بعضهم : الآية في الجهاد ، أن المنافقين كانوا يؤمرون بالجهاد والقتال مع الكفرة على [ ما ] أمر أهل الإيمان بذلك ، ثم منهم من كان يخرج للجهاد ، ومنهم من كان يجهز غيره ويقعد ، ومنهم من كان يخرج كارهاً ، ونحوه ، فنزل قوله : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } ، أي : خوفاً ، { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } . ومنهم من قال : الآية في الزكاة ؛ أن الله - عز وجل - فرض الزكاة في أموال المؤمنين ، والمنافقون قد أظهروا الإيمان ، وكانوا ينفقون ، ويؤدون الزكاة ، لكن منهم من كان يؤدي طوعاً ، ومنهم من يؤدي كرهاً ، فقال : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } ؛ لأنهم كانوا لا يرون الزكاة قربة ، وكانوا ينفقون وهم كارهون في الباطن . ألا ترى أنه قال : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } ؛ دل أنهم كانوا ينفقون جميعاً وهم كارهون لذلك في الباطن ، ثم بين ما به لم يتقبل نفقاتهم ، وهو ما ذكر : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . وقال : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } في الآية وجهان : أحدهما : دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ، وهم في الظاهر كانوا يأتون الصلاة على ما كان يأتي المؤمنون ، ثم أخبر أنهم يأتونها كسالى ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله ، تعالى . وكذلك أخبر أنهم ينفقون وهم كارهون لذلك ، وكانوا ينفقون في الظاهر مراءاة لموافقيهم ، ثم أخبر أنهم كانوا كارهين لذلك في السر ؛ دل أنه إنما علم ذلك بالله تعالى . والثاني : ألا تقوم قربة ولا تقبل إلا على حقيقة الإيمان الذي هو شرط قيام هذه العبادات وقبول القرب ، لا أن أنفسها إيمان ؛ لأنهم كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر ؛ دل أنه ما ذكرنا ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . أي : إنكم كنتم فاسقين . ويحتمل قوله : { كُنتُمْ } ، أي : صرتم فاسقين بما أنفقتم وأنتم كارهون ؛ إذ هم قد أظهروا الإيمان ثم تركوه ؛ كقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا } [ المنافقون : 3 ] أخبر أنهم آمنوا ثم كفروا ؛ فعلى ذلك الأول . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } وكسلى وكسالى فيه لغات ثلاث والمعنى واحد ، وهو أنهم لا يأتون الصلاة إلا مستثقلين ؛ لأنهم كانوا لا يرونها قربة . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } . قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم [ في الحياة الدنيا ] ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وفي الحياة الدنيا . والتعذيب في الدنيا : هو ما فرض عليهم الجهاد وأمروا بالخروج للقتال ، فكان يشق ذلك عليهم ويشتد ، فذلك التعذيب لهم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ … } [ الأحزاب : 19 ] الآية . أو التعذيب في الدنيا هو القتل ؛ يقتلون إن لم يخرجوا . وفي الآية دلالة الرد على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : لا يعطي الله أحداً شيئاً إلا ما هو أصلح له في الدين ، ثم قال لرسول الله : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } ، ولو كان لم يعطهم الأموال والأولاد إلا للخيرات والصلاح ، فكأنه قال : لا يعجبك ما أعطيتهم من الخيرات والصلاح ، فذلك بعيد ؛ فدل أنه قد يعطي خلقه ما ليس بأصلح لهم في الدين . وكذلك في قوله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } [ المؤمنون : 55 - 56 ] الآية ، دلالة الرد على قولهم ؛ لأنه قال : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ المؤمنون : 55 - 56 ] ثم قال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 56 ] أنه يمدهم به لا للخيرات ؛ دل أنه قد يعطي خلقه ما ليس هو أصلح لهم في الدين . وفي قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } دلالة الرد عليهم أيضاً ؛ لأنه أخبر أنه يعذبهم في الدنيا والآخرة ، ولا يعذبهم مجاناً فيما لا فعل لهم في ذلك ؛ دل أن لهم صنعاً في ذلك ، وأنه إنما يعذبهم بفعل اكتسبوه . وفي قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا } دلالة أن ليس كل ما يعطيهم إنما يعطيهم ليرحمهم به ، ولكن يعطيهم لما علم منهم ، فإن كان علم منهم أنهم يستعملون ما أعطاهم من الأموال وغيرها فيما فيه هلاكهم ، أعطاهم لذلك ، ومن علم منهم أنهم يستعملونه لنجاتهم أعطاهم ليرحمهم به ، فإنما أعطي كلاًّ ما علم أنه يكون منهم ؛ لأنه لو أعطاهم على غير ما علم منهم يكون في إعطائه مخطئاً . وقوله - عز وجل - : { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } . قيل : تخرج أنفسهم وتهلك خوفاً . قال أبو عوسجة : يقال : خرج نفسه من فمه . وقيل : تذهب أنفسهم ؛ كقوله : { وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [ الإسراء : 81 ] ، أي : ذهب . وكذلك قال أبو عبيد : تزهق ، أي : تذهب . وفي الآية دلالة إثبات رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر أن أنفسهم تزهق وهم كافرون ، فكان ما ذكر ؛ دل أنه علم ذلك بالله .