Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-49)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ } . قال بعض أهل التأويل : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } : أي : غنيمة قريبة ، { وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ } : في غزاتك : { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } يعني : المسير . وقيل : العرض : الدنيا ، { وَسَفَراً قَاصِداً } : ليس فيه مشقة . وأصل قوله : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } أي : منافع حاضرة ، { وَسَفَراً قَاصِداً } أي : منافع غائبة ، والعرض : هو المنافع ؛ يقول : لو كانت لهم منافع حاضرة أو منافع غير حاضرة ، لاتبعوك فيما استتبعتهم ؛ لأن عادتهم اتباع المنافع ، يعني : المنافقين ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] أخبر أنهم يعبدون الله على حرف ، وهو ما ذكر : { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ } [ الحج : 11 ] فمن عادتهم أنهم إنما يتبعون المنافع ، وإليها يميلون ، وأما المؤمنون [ فإنهم ] يعبدون الله في كل حال : في حال السعة ، وفي حال الضيق ، ويتبعون رسول الله ، ولا يفارقونه ، كانت لهم منافع أو لم تكن ، أصابتهم مشقة أولا ، هم لا يفارقون رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل حال . وقوله - عز وجل - : { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } . أي : لو كان لنا ظهر وسلاح لخرجنا معكم ، ولو كان [ لنا ] زاد وما نشتري ما نحارب به لخرجنا معكم . ثم أخبر أن لهم استطاعة على ذلك ، وأنهم كاذبون أنه لا استطاعة لهم ؛ حيث قال : { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } . وقالت المعتزلة : دل قوله : { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أن الاستطاعة تتقدم الفعل ؛ لأنه أخبر أنهم كاذبون فيما يقولون : إنه ليس معنا ما ننفق وما نشتري به السلاح . لكنا نقول : إن الاستطاعة على وجهين : استطاعة الأسباب ، والأحوال . واستطاعة الأفعال ، واستطاعة الأسباب والأحوال يجوز أن تتقدم ، وهذه الاستطاعة هي استطاعة الأسباب والأحوال . ألا ترى أنه قال : { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } . ومن قولهم أيضاً : إن استطاعة الأفعال لا تبقي أوقاتاً ، ثم إن هذه أخبر أنها كانت باقية أوقاتاً ؛ دل أنها هي استطاعة الأسباب والأحوال . وقوله - عز وجل - : { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } . قيل : يهلكون أنفسهم بأيمانهم الكاذبة أنهم لا يستطيعون . وقيل : يهلكون أنفسهم بتركهم الخروج ؛ لأنهم يقتلون إذا تركوا الخروج ؛ كقوله : { مَّلْعُونِينَ … } الآية [ الأحزاب : 61 ] . ويحتمل : يهلكون أنفسهم في الآخرة بنفاقهم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } بالتخلف . { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } . يحتمل قوله : { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } ، أي : يطلعك الله على نفاقهم ، فيكون ذلك آية من آيات النبوة إن لم تأذن لهم بالتخلف . إو إن لم تأذن لهم يتبين لك نفاقهم ؛ لأنهم يتخلفون ويفارقونك ؛ وإن لم تأذن لهم ، والذين صدقوا لا يفارقونك ، فيتبين هؤلاء من هؤلاء ، ويظهر كذب هؤلاء من صدق هؤلاء [ المؤمنين ] . وفي قوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ } دلالة أن النبي إنما أذن لهم بالتخلف بلا أمر . وفيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد ؛ لأنه لو كان أذن لهم بالتخلف بالأمر ، لم يكن ليعاتبه على الإذن ، دل أنه إنما أذن لهم بالتخلف بالاجتهاد لما ظن أنهم إنما يستأذنونه بالقعود للعذر . فإن قيل : كيف عاتب رسوله بما أذن لهم بالقعود ، وقد أخبر أنه إنما كان يحكم بما أراه الله بقوله : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [ النساء : 105 ] . قيل : يحتمل أنه إنما عاتبه على ترك الأفضل ؛ لأن ترك الإذن لهم بالقعود أفضل من الإذن ؛ إذ به يتبين [ له ] الصادق من الكاذب ، ويكون فيه آية من آيات الرسالة ، ويجوز أن يعاتب على ترك الأفضل . ويحتمل أن يكون قوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } تعليم من الله أن كيف يعامل الناس بعضهم بعضاً ، ليس على العتاب . ومن الناس من استدل على تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء - صلوات الله عليهم - بهذه الآية ؛ لأنه بدأ بذكر العفو ، وكذلك في جميع ما ذكر من العتاب ، لم يذكر زلته ، وذكر في سائر الأنبياء الزلات . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } الآية . أي : لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله لغير عذر ، إنما يستأذنونك لعذر { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } بالقعود لغير عذر . { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } . أي : عن شكهم يترددون . وعن الحسن قال : { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } إلى قوله : { يَتَرَدَّدُونَ } . نسختها الآية التي في سورة النور : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ النور : 62 ] . لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنه ذكر أن سورة التوبة من آخر ما نزل . أو أنهم إذا كانوا في أمر جامع لم يذهبوا إلا بعد الاستئذان ؛ لأنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين في الأمور الجامعة ، وأما في الخلوات فلا . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } . يحتمل أن يكون هذا في غزوة تبوك ؛ على ما قاله أهل التأويل ، أمروا بالخروج والتأهب للغزو فعزموا ألا يخرجوا ، فعوتبوا على ذلك . ويحتمل أن يكون في جميع الغزاة عزموا واعتقدوا ألا يخرجوا ، ولا يتأهبوا له قط ، فقالوا : لو استطعنا لخرجنا معكم ، فأكذبهم الله - تعالى - أنهم كذبة ، وأنهم أغنياء ، لكنهم عزموا ألا يخرجوا ، ولا يعدوا له عدة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } . يحتمل قوله : { كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } أي : لم يرض الله بخروجهم وانبعاثهم . ثم بين الوجه الذي لم يرض ما ذكر في قوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } ، أي : فساداً ، لم يرد الله خروجهم لما علم منهم [ أن خروجهم وانبعاثهم لا يزيد ] في الجهاد إلا ما ذكر من الخبال والفساد . وقوله - عز وجل - : { فَثَبَّطَهُمْ } . قيل : حبسهم ، أي : إذا علم منهم أن خروجهم وانبعاثهم لم يزدهم إلا فساداً ، حبسهم . ويحتمل : أن خلق منهم الفعل الذي كان منهم من الكسل والتثاقل . وفيه دلالة خلق الله فعل الشرّ ، ويكون في ذلك خير لغيره ، وإن كان شرّاً لهم ، فعلى ذلك خلق فعل المعصية من المعاصي ، وهو شرّ له ، ويكون ذلك خيراً لغيره . وقوله - عز وجل - : { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } . يحتمل قوله : { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ } : لما استأذنوا رسول الله بالقعود ، أذن لهم في ذلك ؛ على ما وقع عنده أن لهم عذراً في ذلك . وإن كان من الله - عز وجل - فهو على التهديد والوعيد . ويحتمل أن يكون من الشيطان ، وسوس إليهم أن اقعدوا ؛ ترغيباً منه إياهم بالقعود والتخلف ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } . قوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم } ، أي : لو كانوا خرجوا فيكم ؛ ألا ترى أنه قال : { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ } ؛ دل هذا أنهم لم يكونوا خرجوا ، ولو كانوا خرجوا لم يكن يثبطهم ، دل أنه ما ذكرنا . والانبعاث : هو الخروج ، وكذلك في حرف ابن مسعود : { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } . والتثبيط : الحبس ، وأصل التثبيط : التثقيل . وقال أبو عوسجة : الانبعاث : هو القيام ، والخبال : قيل : الفساد والشر . وقيل : الغي ، وهو واحد . وقوله : { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } ، يحتمل زيادة الخبال وجوهاً : يحتمل : أن يكونوا عيوناً للعدو ، ويخبروهم عن عورات المسلمين ، أو كانوا يجبنون أهل الإسلام ؛ كقولهم : { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] ونحوه . وقوله - عز وجل - : { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } قيل : هو من إيضاع الإبل { خِلاَلَكُمْ } يتخلل فيما بينكم . وقيل : { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } . أي : رواحلهم حتى يدخلوا بينكم حتى لا يصيبهم الأذى ، كانوا يستترون بالمسلمين ؛ لئلا يصيبهم [ شيء ] من البلاء والشدة . وقال القتبي : { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } : من الوضع ، وهو سرعة السير . وقال أبو عوسجة : هو من الإيضاع يكون على الإبل . وهو عندي من عدو الإبل ، يقال : أوضعت البعير ، وركضت الفرس ، وأجريت الحمار . { خِلاَلَكُمْ } : بينكم . وقيل : الخلال : القتال ، وهو ما ذكرنا أنهم يدخلون فيهم النقصان والقتال والفشل . وقوله - عز وجل - : { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } . قيل : يبغون منكم الفتنة ، وهو الشرك الذي كانوا هم عليه . ويحتمل ما ذكرنا من القتل ، وإدخال الفشل والجبن فيهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } . هذا يحتمل وجهين أيضاً : يحتمل : أن هؤلاء المنافقين يكونون سماعاً لهم وخبراً وعيوناً ، يخبرونهم عن عورات المسلمين وضعفهم . ويحتمل قوله : { وَفِيكُمْ } : من المؤمنين . { سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ؛ لأنه قيل : إنه كان من أصحاب النبي أهل محبة لهم وطاعة ؛ لشرفهم فيهم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } : كان الرجل يرى الجماعة من المسلمين فيضرب دابته حتى يدخل بينهم ، ثم يقول : أبلغكم ما بلغني ؟ إن العدو أمامكم قد غوروا المياه ، وفعلوا كذا ، وهيئوا . ويحتمل قوله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } أي : فيكم من المنافقين الذين قعدوا ولم يخرجوا يسمعون المؤمنين الذين لم يخرجوا - أيضاً - ما يكرهونه يقولون : الدبرة على المؤمنين ، ونحو ذلك من الهزيمة . وقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } . أي : لا عن جهل أمهلهم على ما هم عليه ، ولكن أخرهم ليوم ؛ كقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً … } الآية [ إبراهيم : 42 ] . وقوله - عز وجل - : { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } تحتمل الفتنة الوجهين اللذين ذكرتهما . وقوله - عز وجل - : { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } . أي : تكلفوا واجتهدوا ليطفئوا هذا النور ، { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } قيل : دين الله الإسلام . ويحتمل : حجج الله وأدلته ، وهو ما ذكر : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ التوبة : 32 ] . ويحتمل قوله : { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } : ظهراً لبطن ؛ ليمكروا برسول الله ، ويقتلوه ؛ كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ … } الآية [ الأنفال : 30 ] ، [ وقوله ] : { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } ما ذكرنا من دين الله وحججه ، { وَهُمْ كَارِهُونَ } لذلك ؛ كقوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [ التوبة : 33 ] ، فظهر دين الإسلام وهم كارهون [ له ] . وقوله - عز وجل - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } . فيه دلالة أنه لا كل المنافقين قالوا ، إنما قال ذلك بعضهم ، وبعضهم قالوا غير هذا . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَفْتِنِّي } . قيل : لا تؤثمني . وقيل : ولا تخرجني . وقيل : ولا تكفرني ، والكل واحد ، يقول : ومنهم من قال : ولا تفتني ، أي : لا تكن سبب فتنتي ومعصيتي ، أي : لا تأمرني بالخروج ، ولكن ائذن لي بالقعود ؛ لأنك إن أمرتني بالخروج ولم تأذن بالقعود والتخلف فقعدت وتخلفت ، كنت عاصياً ، تاركاً لأمرك ، فكنت أنت سبب عصياني وفتنتي . والثاني : قوله : { وَلاَ تَفْتِنِّي } ، أي : لا تأمرني المشقة والشدة ، ولكن الدعة والسعة والرخاء حيث كانوا مالوا إليهم ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ … } الآية [ الحج : 11 ] ، يقول : لا تكن سبب إثمي وانقلابي . ومنهم من قال : إن رجلاً منهم يقال له : الجدّ بن قيس قال : إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ، ولكن أعينك بمال ، ففيه نزل قوله : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } [ التوبة : 53 ] ، وهو قول ابن عباس ؛ يقول : لا تأمرني بالخروج ؛ فإني مولع بالنساء ، لا أصبر إذا رأيتهن . ولا ندري كيف كانت القصة ، لكن الوجوه فيه ما ذكرنا آنفاً . وقوله : { وَلاَ تَفْتِنِّي } ، أي : ولا تمتحني بالمحنة التي فيها الهلاك والمشقة ، فقال : { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } أي : ألا في [ المشقة والفتنة والبلاء والهلاك سقطوا ؛ وهذا يدل أن أهل النفاق هم كفرة . وقوله : { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } أي : ألا في ] الشر والإثم سقطوا ؛ على تأويل من تأول قوله : { وَلاَ تَفْتِنِّي } : لا تؤثمني ، ولا تخرجني . وعلى تأويل من قال : { وَلاَ تَفْتِنِّي } : لا تشق علي ، ولا تأمرني بالمشقة والشدة والضيق ، يقول : ألا في الشدة والضيق يسقطون . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } . أي : تحيط بهم حتى لا يجدوا منقذاً ولا مخلصاً . أو تحيط بهم من تحت ومن فوق ، وأمام وخلف ، ويمين وشمال ، تحيط بهم حتى تصيب كل جارجة منهم ؛ كقوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ … } الآية [ الزمر : 16 ] ، أخبر أنها تحيط بهم . وفيه دلالة : أن المنافقين هم كفار ؛ لأنه ذكر في أول الآية صفة المنافقين ، ثم أخبر أن جهنم تحيط بالكافرين .