Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-78)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ … } : قال بعضهم : نزلت الآية في ثعلبة بن حاطب ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله ليرزقه مالاً ، وقال : { لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . ومنهم من قال : إنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، أنه كان له أموال في الشام ، فقال : لئن آتاني تلك الأموال لأصدقن وأكن من الصالحين ، فقد آتاه الله تلك الأموال ، فبخل ومنع ما وعد . ومنهم من قال : نزلت في المنافقين جملة ، ولكن ليست في شأن واحد منصوص مشار إليه ، ولكن في المنافقين جملة ، وهكذا كانت عادتهم أنهم إذا وعدوا شيئاً أخلفوا ولم يوفوا الوعد . ثم يحتمل قوله : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } أنه كان منافقاً وقت ما وعد الله ، ووعد الله لئن أتاه من فضله ليصدقن ، ويحتمل أنه لم يكن منافقاً في ذلك الوقت ، لكنه صار بما بخل وكذب واعتقد الخلاف واستحل الخُلْف لما وعد - منافقاً ، فإن كان إنما صار منافقاً بما بخل واستحل الخلاف له والمنع ؛ فيكون قوله : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ } أي : أعقبهم الدوام على النفاق إلى يوم القيامة ببخلهم ومنعهم ما وعدوا ؛ فيكون هذا كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ … } الآية . وفي قوله : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } إلى قوله : { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } دلالة أن النذور يلزم أهلها الوفاء بها ، ويؤاخذون بها إن تركوا الوفاء ، ويكفرون إن استحلوا نقض ما عاهدوا . وقوله : { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } قال بعضهم : من المؤمنين ، فهو على تأويل من قال : إنه كان منافقاً وقتئذ . ويحتمل { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : من الشاكرين . وكذلك ذكر في الخبر أن ثعلبة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله له مالاً فقال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي حقه . أو كلام نحو هذا . وقوله : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } . يحتمل : تولوا عن وفاء ما وعدوا ، أو تولوا عن طاعة الله ، { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } : أيضاً عن طاعة الله ، أو معرضون عما وعدوا وعاهدوا أن يوفوا . وقوله : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } : قال بعضهم أثابهم نفاقاً بما بخلوا به إلى يوم القيامة . وقال بعضهم : أعقبهم الدوام على النفاق { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [ التوبة : 77 ] . ينبغي للمسلم أن يجتنب الكذب والخلف في الوعد ؛ فإنه سبب النفاق أو نوع من النفاق ، [ و ] على ذلك روي في الخبر : " أن اجتنبوا الكذب ؛ فإنه باب من النفاق ، وعليكم بالصدق ؛ فإنه باب من الإيمان " ، وفي بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " " أربع من كن فيه كان منافقاً : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " ، وفي بعضها : " وإذا اؤتمن خان " " . فإن قيل : إن أولاد يعقوب اؤتمنوا فخانوا ، وحدثوا فكذبوا بقولهم : { أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } [ يوسف : 14 ] ، ووعدوا فأخلفوا ، فترى أنهم نافقوا ؟ قيل : ما روي أن من إذا حدث كذب هو الكذب في أمر الدين ، وأما الكذب في غير أمر الدين فإنه لا يوجب النفاق . وفي الآية دلالة ألا ينص بالسؤال في شيء على غير الخبر في ذلك من الله ؛ ألا ترى أن ثعلبة لما ألح على الرسول صلى الله عليه وسلم بالسؤال أن يسأل ربه ليرزقه مالاً ففعل ، فأعقبه الله نفاقاً إلى يوم القيامة ؟ ! ولأن أولاد يعقوب قد قدموا التوبة والإصلاح قِبَلَ صنيعهم الذي صنعوا على خوف منهم بما فعلوا والمنافقين ، وأصله : أن اعتقاد الكذب ، واستحلال الخلاف لما عهد ، والخلف في الوعد - هو الموجب للنفاق ، فأما ترك الوفاء على غير استحلال منه فلا يوجب ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } : يحتمل هذا وجهين : أن قد علموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ؛ لكثرة ما يطلع رسوله على ما أسروا من الخلاف له وذكرهم السوء في رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : ألم يعلموا أي : الذين نافقوا أن يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ، فيطلع رسوله على سرهم ونجواهم فيتركوا الطعن في رسول الله ، وذِكْرِ ذلك والخلاف له . وقوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } . أي : علام بالغيوب التي غاب عن الخلق ، وإلا ليس شيء يغيب عنه ، ما غاب عن الخلق وما لم يغب عنده بمحل واحد . أو { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } ، أي : علام بما يكون أبداً في جميع الأوقات التي تكون . [ و ] فيه دلالة أنه عالماً بما في الضمائر والسرائر وما كان غائباً عن الخلق والغيب : هو ما علم أنه يكون له أنه كان ولم يزل عالماً ؛ لما ذكرنا .