Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 73-74)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } يحتمل الأمر بالجهاد الفريقين جميعاً جهاداً بالسيف . ويحتمل : مجاهدة بالحجج والبراهين الفريقين جميعاً . ويحتمل - أيضاً - : الأمر بالمجاهدة الكفار ، يجاهدهم بالسيف ، ويغلظ القول ويشدده على المنافقين ، ويقيم عليهم الحدود . فإن كان على مجاهدة الفريقين جميعاً بالسيف ، فهو - والله أعلم - في المنافقين الذين انفصلوا من المؤمنين ، وخرجوا من بين أظهرهم ، وأظهروا الخلاف للمؤمنين بعد ما أظهروا الموافقة لهم ؛ فأمثال هؤلاء يجاهدون بالسيف ويقاتلون به ، وهو كقوله : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ } [ الأحزاب : 60 ] إلى قوله : { مَّلْعُونِينَ } [ الأحزاب : 61 ] الآية ، أخبر أنهم يؤخذون ويقتلون إينما وجدوا ، فيشبه أن تكون الآية في الأمر بالجهاد في هؤلاء المنافقين . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن المنافقين كانوا يطعنون في رسول الله ويعيبون عليه ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، وهم قد علموا أن الله أطلعه على ما يطعنون فيه ويذكرونه بسوء ، فيقول - والله أعلم - : جاهدهم إذا طعنوا فيك وذكروك بسوء بعد ذلك . وإن كان الأمر على المجاهدة مجاهدة بالحجج ، فهو صلى الله عليه وسلم قد حاج الفريقين جميعاً بالحجج ، وخاصة سورة براءة إنما أنزلت في محاجة المنافقين . ويحتمل الأمر بالجهاد في الكفار خاصّة ، وفي المنافقين تغليظ القول والتشديد ، وإقامة الحدود التي ذكرنا ، والتعزير إذا ارتكبوا شيئاً مما يجب فيه الحد أو التعزير - والله أعلم بذلك - لما أقاموا بين أظهر المؤمنين مظهرين لهم الموافقة . [ وقوله : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } هذا في المنافقين الذين ماتوا على النفاق . ] وقوله - عز وجل - : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } . قال بعض أهل التأويل : الآية نزلت في شأن رجل منافق قال يوماً : والله أعلم ، لئن كان ما يقول محمد حقّاً لنحن شر من الحمير . فسمع ذلك غلام وهو ربيب ذلك القائل ، فقال له : تب إلى الله . وجاء الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه ، فجعل يحلف : ما قال ذلك ؛ فنزلت الآية فيه : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ … } . لكن غير هذا كان أشبه ؛ لأن الآية : { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } وقول الرجل : لئن كان ما يقول محمد حقّاً لنحن شر من الحمير - هذا القول نفسه ليس هو كلام كفر ؛ إنما كلامُ ذمٍّ ، ذمَّ به نفسه في الآية { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } فهو قول جماعة . وقيل : نزل في شأن عبد الله بن أبي ، قال أصحابه : فوالله ، ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : " سمِّنْ كلبك يأكلك " ، وقال : { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] ، فأخبر النبي بذلك ، فدعاه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله . ولكن يشبه أن تكون الآية صلة قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ … } الآية [ التوبة : 65 ] . كانوا يستهزءون بالله وبآياته وبرسوله ، والاستهزاء بذلك كفر ، أو أن قالوا قول كفر لم يبين الله لنا ذلك فلا أنهم قالوا كذا ؛ لما ليس لنا إلى معرفة ذلك القول الذي قالوه حاجة . وقوله : { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } : يحتمل : كفروا بعد ما أسلموا إسلام تقيَّة . ويحتمل قوله بعد ما أظهروا الإسلام ، أي : رجعوا عما أظهروا من الإسلام . وفي الآية دلالة أن الإسلام والإيمان واحد ؛ لأنه قال : { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } وقال في آية أخرى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] ، ثم قال : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } [ آل عمران : 86 ] ، وقال في آية أخرى : { كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } [ آل عمران : 90 ] ؛ فدل أن الإسلام والإيمان واحد . وقوله : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } . قيل : هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمكر به ، فلم ينالوا ما هموا به . وفيه دلالة إثبات الرسالة ؛ لأنهم أسروا ما هموا به ، ثم أخبر عن ذلك وهو غيب ، دل أنه بالله علم ذلك . وقوله : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } . قال بعض أهل التأويل : إن الرجل الذي قال ذلك تاب عن ذلك ، فقبل منه ذلك ، وكان له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته ، فاستغنى بذلك . قال ابن عباس : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المنافقين من الغنائم والصدقات ، يقول : ما نقموا ما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة والصدقة . وقوله : { نَقَمُوۤاْ } ، قال بعض أهل الأدب - أبو معاذ وغيره - : نقموا ، أي : طعنوا ، فيه لغتان : نقِموا - بالخفض - ونقَموا - بالنصب - يقال : نقِم ينقَم ، ونقَم ينقِم - بكسر القاف - فهو - والله أعلم - يقول : ما طعنوا [ مني ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكروه بسوء إلا أن أغناهم الله ؛ لأنهم لو كانوا أهل فقر وحاجة ما اجترءوا على الطعن على رسول الله وما ذكروه بسوء ، ولكن طعنوا فيه لما أغناهم الله . ويحتمل قوله : { وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } : ما عاملهم رسول الله معاملة الكرام وتبسط إليهم حتى قالوا : إنه أذن يقبل العذر ، فذلك الذي حملهم على الطعن . وقوله : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } فيه أن المنافق تقبل منه التوبة . { وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } بما ذكرنا في الدنيا : الأمر بالجهاد والقتل والخوف ، هذا التعذيب في الدنيا ، والتعذيب في الآخرة . وقوله : { وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } قد ذكرنا هذا في غير موضع .