Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 81-85)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ … } الآية . جمعوا - أعني المنافقين - جميع خصال الشر التي فعلوا : أحدها : ما ذكر من فرحهم بالتخلف عن رسول الله . والثاني : كراهيتهم الجهاد مع رسول الله وبخلهم بأموالهم . والثالث : صدهم الناس عن الجهاد والخروج في سبيل الله بقولهم : { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } . جمع الله جميع خصال المنافقين في هذه الآية . وقوله : { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ } ، ذكر المخلفون ، وهم كانوا متخلفين في الحقيقة ، لكنه يحتمل وجهين : ] مخلفون خلفهم الله ؛ لما ذكر أن خروجهم لا يزيدهم إلا خبالاً ، وأنهم يبغون الفتنة خلفهم عن ذلك ؛ كقوله : { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ } [ التوبة : 46 ] قيل : حبسهم ؛ فعلى ذلك مخلفون خلفهم الله لما علم أن خروجهم لا يزيدهم إلا خبالاً وفساداً . ويحتمل : مخلفون خلفهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم لو أرادوا أن يخرجوهم كرهاً لقدروا على ذلك ، فهم كالمخلفين من هذا الوجه لما لو أرادوا إخراجهم أخرجوهم ، وإن كانوا متخلفين في الحقيقة . وقوله : { بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } أي : مخالفة رسول الله ، وقرئ : ( خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ) ، أي : فرحوا لقعودهم بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله : { بِمَقْعَدِهِمْ } . يحتمل : القعود ، أي : بقعودهم خلفه . ويحتمل : { بِمَقْعَدِهِمْ } ، أي : موضع قعودهم ، وهو منازلهم وأوطانهم ، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم ؛ لبخلهم وخلافهم الذي في قلوبهم . وقوله - عز وجل - : { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } هذا في الظاهر يخرج على إظهار الشفقة للمؤمنين ، ولكن لم يكونوا أرادوا ذلك ؛ إنما أرادوا حبسهم عن الخروج في سبيل الله ، لكن المؤمنين لا يمتنعون عن الخروج في سبيل الله ؛ إذ قالوا لهم مطلقاً : " لا تنفروا " ، وهو كقوله : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، كانوا يجبنون المؤمنين عن الخروج إلى الغزو ، وكانوا يحتالون في منعهم المؤمنين عن الخروج في سبيل الله ، ولو أطلقوا القول في المنع وصرحوه لفهم المؤمنون ذلك ، ولظهر نفاقهم . وجائز أن يكون قولهم : { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } قالوا ذلك لأتباعهم ، لا للمؤمنين ؛ كقوله : { وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى } [ آل عمران : 156 ] . وقوله - عز وجل - : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } [ أي : لو كانوا يفقهون ] ما أنزل على رسول الله لعلموا أن نار جهنم أشد حرّاً من حر الدنيا . أو لو كانوا يفقهون أنهم لم يخلقوا في الدنيا للدنيا خاصّة ، ولكن خلقهم [ فيها ] ليمتحنهم ؛ لعلموا أن الموعود في الآخرة أشد مما امتحنوا في الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } . يشبه أن يكون الضحك كناية عن الفرح والسرور ، والبكاء كناية عن الحزن ؛ يقول : افرحوا وسروا قليلا ، وتحزنون في الآخرة طويلاً كثيراً . ويمكن أن يكون على حقيقة الضحك ؛ لأنهم كانوا يضحكون ويستهزئون بالمؤمنين في الدنيا ؛ يقول : ضحكوا قليلاً ؛ لأن الدنيا قليلة تنقطع ، ويبكون كثيراً في الآخرة ؛ لأنها لا تنقطع { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . وقوله - عز وجل - : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } . [ دل ] قوله : { رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } ، أي : ليس كل من تخلف عنه في ذلك فهو منافق ، ولا كل المنافقين امتنعوا وتخلفوا عنه . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } . لأنه أخبر أن خروجهم معهم لا يزيدهم إلا خبالاً وفساداً ، فيقول : { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، أي : عوقبوا بالقعود أول مرة لنفاقهم . وقوله : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } ، أي : لن آذن لكم أن تخرجوا معي أبداً ، ولن آذن لكم أن تقاتلوا معي أبداً . ويحتمل : لن تخرجوا ، أي : و [ إن ] أذنت لكم بالخروج فلن تخرجوا أبداً . { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } . قيل : مع المتخلفين ، وهم المنافقون ؛ على ما ذكر . ويحتمل : أن اقعدوا مع أصحاب الأعذار . وقال بعضهم : مع النساء والزمنى ؛ وهو واحد . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } . يعني : المنافقين . { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } . ذكر في بعض القصّة " أنه لما مات عبد الله بن أبيّ ، فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن إبي مات وأوصانا أن نكفنه في قميصك ، وأن تصلي عليه ، فخلع النبي قميصه فأعطاه ، ومشى فصلى ، وقام على قبره " . وروي في بعض الأخبار " أنه صلى عليه ، وألبسه قميصه ، فقيل له : تلبس عدو الله قميصك ، فقال : " إني لأرجو أن يسلم بقميصي من بني الخزرج ألف " " ، فذكر أنه لما فعل ذلك أسلم ألف رجل من المنافقين . وروي أنه لم يصل عليه ، فلا ندري كيف كان الأمر بعد أن جاء النهي عن الصلاة على المنافقين بقوله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } ، سماهم فسقة ، واسم الكفر أقبح وأذمّ ، لكنهم جمعوا مع الكفر أنواع الفسق ؛ ليعلم أن اعتقادهم الكفر والمذهب الذي يذهبون إليه إنما اعتقدوا لهواهم ؛ إذ الفسق مما يحرمه كل [ ذي ] مذهب ودين ، وكل يأنف عن الفسق ويتبرأ منه ، ولا كذلك الكفر ؛ لأن كل من آمن بشيء كفر بضده ، وأصل الفسق : هو الخروج عن الأمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا } . قال بعضهم من أهل التأويل : إنه على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : ولا تعجبك أموالهم وأولادهم في الدنيا إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الآخرة . وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح ، وقد ذكرنا الوجه الذي يدل على نقض قولهم فيما تقدم . ويحتمل قوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا } : وهو القتال والحروب التي أمروا بها ؛ [ كقوله ] : { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] . وهو التعذيب الذي ذكر ؛ لأنهم يصيرون مقتولين . وقوله - عز وجل - : { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ } . قيل : تذهب وتهلك { وَهُمْ كَٰفِرُونَ } .