Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 11-15)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } : ولم يبين لمن كذبوا ، وقد بينه في آية أخرى فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 141 ] . وقوله - عز وجل - : { بِطَغْوَاهَآ } يحتمل وجهين : أي : لأجل معصيتها وطغيانها ؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره ؛ وإلا لو تفكروا فيما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لم يجدوا ] موضع التكذيب . والثاني : بأهل طغواها ، أي : كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان ؛ فيكون في هذه الآية إنباء أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم ، أو بحجة كانت لهم ، بل كذبوه عن عناد منهم ، وتيقن منهم برسالته ، وذلك أن حجة نبيهم صالح - عليه السلام - جاوزت الحجج ؛ لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم ، وعلى تعد منهم في السؤال ؛ إذ كان لهم أن يطالبوه بالحجة على دعوى الرسالة ، ولم يكن لهم أن ينصوا السؤال على شيء يشيرون إليه ، فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه . ثم من حكمة الله - تعالى - أن الحجة إذا كانت على أثر السؤال ، ثم ظهر التكذيب من السائلين هو الاستئصال في الدنيا ، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب ؛ فعوقبوا بالاستئصال ، قال الله - تعالى - : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 59 ] ؛ فيبين الله - تعالى - المعنى الذي [ لأجله ] لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أنهم لو أوتوا ، ثم عندوا ، استؤصلوا ؛ فقد أراد الله - تعالى - إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين ، وهي القتال ، ووجه الرحمة فيه : أنهم كانوا يمتنعون عن اتباعه ؛ لحب الدنيا وشهواتها ؛ فكان يمنعهم ذلك عن النظر في حججه وآيات رسالته ؛ فكان في الجهاد ما يضيق عليهم المعاش ، ويضطرهم إلى النظر في الحجج ؛ فيحملهم ذلك على تصديقه والإيمان به ؛ فثبت أن في القتال رحمة عليهم . وقوله - عز وجل - : { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } . أي : قام أشقاها ، وصار أشقاها بما أحدث من الكفر بعقر الناقة . وروي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه - : " ألا أخبرك بأشقى الناس ، رجلين ؟ " قال : بلى ، يا رسول الله . فقال : " أحيمر ثمود ، عاقر الناقة ، والذي يضرب على هذه - وأشار إلى هامته - حتى يبتل منها هذه ، وأشار إلى لحيته " فصار عاقر الناقة أشقى الناس بما ذكرنا . وجائز أن يكون قاتل علي ، صار أشقى الناس ؛ لأنه استحل قتله . وقوله - عز وجل - : { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } : فهو يحتمل وجهين : أحدهما : أي : احذروا ناقة الله ، وهو كقوله : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأعراف : 73 ] . والثاني : أي : قال لهم : ذروا ناقة الله تأكل في أرض الله ، وذروا بين الناقة وسقياها - أي : شربها - ثم أضيفت الناقة إلى الله - تعالى - لوجهين : أحدهما : أن الله - تعالى - لم يأذن لأحد بالتملك عليها ؛ حتى ينسب إليه الملك ، بل بقيت غير مملوكة لأحد ؛ فأضيفت إلى الله - تعالى - كما أضيفت إليه المساجد ؛ لما لا ملك لأحد عليها . أو أضيفت إلى الله - تعالى - على معنى التفضيل ، والأصل أن إضافة الأشياء إلى الله - تعالى - بحق الجزئيات على تفضيل تلك الأجزاء من بين غيرها ، وإضافة الأشياء إلى الله - تعالى - بحق الكليات ، تخرج مخرج تعظيم الله تعالى ، فإذا قيل : رب المساجد ، أريد به : تفضيل المساجد من بين سائر البقاع ، وإذا قيل : رب العرش ، أريد به تعظيم العرش ، وكذلك إذا قيل : رب الناقة ، أريد به تعظيم أمرها ، وإذا قيل : رب العالمين ، ورب كل شيء ، أريد به تعظيم الرب ، جل جلاله . وقوله - عز وجل - : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } : يحتمل أن يكونوا كذبوا صالحا في رسالته ، أو كذبوه فيما أخبرهم من حلول العذاب بهم إذا عقروا الناقة ، فعقروها مع ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } ، قال بعضهم : اي : أطبق عليهم العذاب على الصغير والكبير ، ومنه يقال : بعير مدموم ؛ إذا كان سمينا أطبق شحمه على لحمه . وقال بعضهم : دمدم عليهم ، أي : دمر عليهم بذنبهم ، وذنبهم ما تعدوا من تكذيبهم الرسول ، وعقرهم الناقة . وقوله - عز وجل - : { فَسَوَّاهَا } : يحتمل وجهين : أحدهما : أنه سواهم بالأرض ؛ كقوله - عز وجل - : { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [ النساء : 42 ] . أو سوى بين الصغير والكبير في الإهلاك ؛ فالصغار منهم يومئذ ماتوا بآجالهم ، والكبار منهم استؤصلوا بذنوبهم . وقوله : { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } : جائز أن تكون الإضافة منصرفة إلى الله تعالى ، وهو أن يكون الله لما أهلكهم لم يخف تبعة الإهلاك . ووجه الخوف : هو أنه فيما أهلكهم ، أهلكهم بما أوجبت الحكمة إهلاكهم ، ولم يلحقه تقصير في الحكمة ، ولا وجد العائب في ذلك مقالا . وهكذا قال الحسن : ذاك ربنا ، لم يخف مما أنزل عليهم العذاب . أو يكون منصرفا إلى العاقر ؛ فيكون معناه : أنه عقرها ، ولم يخف العاقبة التي حذرهم بها صالح - عليه السلام - من قوله : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأعراف : 73 ] . وقال بعضهم : { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } ، أي : لم يعلم ما يحل به من عقر تلك الناقة ، ولو علم لم يفعل . ويجوز استعمال الخوف في موضع العلم ؛ لأن الخوف إذا بلغ غايته ، صار علما . ثم الحكمة في ذكر قصة ثمود وجهان : أحدهما : أن في ذكرها تثبيت [ رسالة محمد صلوات الله عليه ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ] لم يوجد منه الاختلاف إلى من عنده علم الأنباء والأخبار ، ولا كان يعرف الكتابة ؛ ليقع له المعرفة بهما ؛ فثبت أنه بالوحي علم . والثاني : أن في ذكرها تحذيرا لمكذبي الرسل ، فحذروا بها ليمتنعوا عن تكذيبه ؛ فلا يحل بهم كما حل بمكذبي صالح - عليه السلام - من بأسه وعذابه ، والله الهادي .