Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 12-21)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } : هذا يخرج على وجوه : أحدهما : جائز أن يكون قوله : { عَلَيْنَا } ، أي : لنا ، وذلك جائز في اللغة جار ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [ المائدة : 3 ] ، أي : للنصب ، وكقوله - تعالى - : { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، و { عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [ الغاشية : 26 ] ، أي : لنا محاسبتهم ، وقوله - تعالى - : { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [ النحل : 9 ] ، أي : لله قصد السبيل ، وكقوله - تعالى - : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [ الأنعام : 30 ] ، أي : لربهم ، كما قال : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 6 ] ، ونحو ذلك كثير أن يكون " علينا " بمعنى " لنا " ؛ فيصير كأنه قال : إن لنا للهدى ؛ كقوله : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } [ الزمر : 3 ] ، وكقوله : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [ النحل : 52 ] ، يكون فيه إخبار أن الهدى له والدين الخالص له ، وأما سائر الأديان - فلما هي سبل الشيطان - ليست لله تعالى . على هذا جائز أن يخرج تأويل الآية ، والوجهان الآخران يخرجان على حقيقة " على " ، لكن أحدهما يخرج ذكر الهدى على إرادة البيان وتبيين الطريق ، والآخر على إرادة حقيقة الهدى ، الذي هو ضد الكفر ومقابله . فأما على إرادة البيان ؛ فكأنه قال : إن علينا غاية البيان في حق الحكمة والعدل فيما يمتحنون ، حتى إن كان التقصير والتفريط فإنما يكون من قبل أنفسهم ، لا من قبل الله تعالى ، أي : يبين لهم كل شيء غاية البيان ونهايته ؛ لتزول الشبهة عنهم ، والله أعلم . ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقول : إن علينا هداية من استهدانا واجتهد في طلبها ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] . ووجه آخر : إن علينا إنجاز ما وعدنا على الهدى لمن اهتدى واختاره يخرج تأويل الآية على إرادة البيان من الوجوه التي ذكرنا . وأما على إرادة حقيقة الهدى الذي هو مقابل الكفر ؛ فكأنه قال : إن علينا التوفيق والمعونة والعصمة في حق الإحسان والإفضال ، لا على أن ذلك عليه لهم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : " إن علينا بيان ما للآخرة والأولى ؛ كي لا يزول عن قصد الطريق ؛ فيهلك نفسه في كل مضيق " . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } : فهو يخرج على وجهين : أحدهما : يقول - والله أعلم : إنكم تعلمون أن لنا الآخرة والأولى ، وليس لما تعبدون من الأصنام والأوثان [ لا آخرة ولا أولى ] ، فكيف صرفتم عبادتكم عمن له الآخرة والأولى إلى من ليس له [ الآخرة والأولى ] ، على علم منكم بذلك ؟ يسفههم في اختيارهم عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى . والثاني : يقول - والله أعلم - : إن لنا الآخرة والأولى ؛ فما بالكم تبخلون بالإنفاق على أنفسكم ، وما يرجع منفعته إليكم ، بما ليس لكم في الحقيقة ، وإنما هو لله تعالى ؟ ! وهذا التأويل صلة قوله - تعالى - : { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ … } الآية [ الليل : 8 ] ، والأول يكون صلة قوله : { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } . وقوله - عز وجل - : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } ، أي : نارا تتوقد ، وتتلهب ، أو تتشعب ، على ما ذكر من صفتها . ثم ذلك الإنذار يكون للفريقين : لأهل التوحيد ، ولأهل الشرك جميعا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } . قالت المعتزلة : هذا ليس على حقيقة التكذيب ؛ ولكن على التقصير والتفريط في أمر الله تعالى ، والوقوع في مناهيه ؛ فيصرفون الآية إلى أصحاب الكبائر بارتكابهم الكبيرة يصيرون مكذبين ومتولين ؛ لأنهم في ابتداء اعتقادهم التوحيد والإيمان اعتقدوا وفاء كل ما وقع به الأمر ، ووفاء كل ما يليق به ، والانتهاء عن جميع ما لا يليق به ، فإذا ترك ذلك صار مكذبا لما اعتقد في الأصل وفاء ذلك . لكن عندنا لا يصير بترك الوفاء مكذبا ؛ لكن يصير مخالفا لما وعد واعتقد . واستدلت المرجئة الذين لا يرون العذاب إلا لأهل الشرك والكفر بهذه الآية يقولون : إنه لا يصلاها إلا الذي كذب وتولى ، والمسلم وإن ارتكب الكبيرة أو الصغيرة فهو ليس بمكذب ولا متولٍّ . ولكن تأويل الآية عندنا في الكفرة ، ليست في أهل التوحيد والإيمان . ثم يحتمل قوله : { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } في باب ودرك دون درك وباب ، فإن لكل فريق دركا ، قال الله - تعالى - : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [ النساء : 145 ] ، وهذا كما قال : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [ الغاشية : 6 ] ، وقال في آية أخرى : { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] ؛ فيكون الضريع الذي ذكر في باب ودرك منها ، والغسلين في باب آخر ، فجائز على هذا ألا يصلى ذلك الدرك إلا الأشقى . فأما يجوز أن يكون لصاحب الكبيرة درك خاص . وأما ما ذكروا أن أصحاب الكبائر قد أوعدوا وخوفوا بمواعيد شديدة ، فلسنا ننكر المواعيد لهم ، وأنهم يعذبون ، ولكن نقول : لا يكونون في الدركات التي فيها الكفار إن أدخلوا في النار . وجائز - أيضا - أن يعذبوا بعذاب سوى العذاب الذي ذكر بالنار والتلظي . وعندنا : هم في مشيئة الله - تعالى - إن شاء عذبهم وإن شاء تجاوز عنهم ، وخلى عنهم سبيلهم ، وأما النار التي ذكر بصفة التلظي فهي للكفار ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } : أخبر أنه يجنب النار عن الأتقى ويقيه عنها . ثم فيه دلالة أنه إنما يجنبها ويقيها بالأعمال التي يعملها ؛ فدل أن لله - تعالى - في أفعالهم صنعا ، حيث أضاف الوقاية إليه والتجنب عنها ، وهو كقوله : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 201 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } . أي : ما لأحد عند الله تعالى من نعمة يجزى بها ولا بد [ أن ] يستحق الثواب بها ، لكن إذا أدى نعمة من نعم الله - تعالى - التي أعطاها إياه لغيره ؛ ابتغاء وجهه ، وطلب رضاه - يجزيه بفضله ؛ كأنه كانت له عنده نعمة يجزى بها . والثاني : يحتمل أن هذا صلة قوله : { يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } ، أي : يتصدق ويتزكى ؛ لابتغاء وجه الله - تعالى - على من ليس عنده نعمة ويد يجازيه بها وينفق عليه جزاء لصنيع قد سبق منه في حقه ؛ كأنه يقول : لا يعطي الزكاة أحداً عن مجازاة [ لما ] سبق منه إليه من نعمة ؛ إنما أعطاها له لا مجازاة ، ولكن لله تعالى خالصا . وفيه دليل ألا يعطي الرجل زكاة ماله من عنده له نعمة أو منة ؛ لأنه يخرج ذلك مخرج الإعطاء ببدل . وقوله - عز وجل - : { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } ، أي : يرضى بالذي يجزى به ، ويساق إليه من الثواب . وحرف الـ " سوف " والـ " عسى " من الله تعالى واجب ؛ كأنه يقول : يعطيه حتى يرضى . وقال بعضهم : نزلت هذه الآية - وهي قوله عز وجل : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } - في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . وقال بعضهم : هذه الآية نزلت في أبي الدحداح - رضي الله عنه - طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه نخلة - إلى آخر القصة . وقال بعض أهل الأدب : تردى في النار ، أي : سقط ، ويقال : تردى : تفعل ، من الردى ، وهو الهلاك ، [ و ] { إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 2 ] : إذا بدا ، واليسرى من التيسير ، والعسرى من التعسير ، والله أعلم .