Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } : ذكر أهل التأويل أن هذه أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول وحي أوحي إليه . وقيل : غير هذه هي الأولى . ثم الإشكال أنه أمره بأن يقرأ باسم ربك الذي خلق ، وحق هذا ونحوه إذا قيل له : اقرأ ، أو افعل : ألا يقول مثل ما قيل له : اقرأ أو افعل ؛ لأنه أمر في الظاهر إنما يكون عليه الائتمار بذلك ، وكذلك قوله : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] ، و [ ، { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [ الفلق : 1 ] ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 1 ] ] وكذلك على هذا قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ … } [ الأحزاب : 59 ] وأمثال ذلك ، يجب ألا يقول هو مثل ما قيل له : { قُلْ } ، أو : { ٱقْرَأْ } ، ولكن يقول : " يأيها الكافرون " ، ويقول : " هو الله أحد " ، " أعوذ برب الفلق " ، " أعوذ برب الناس " ، هذا هو وجه الكلام ومعناه . وجوابه أنه يحتمل وجوها : أحدها : [ أنه ] أريد بهذا أن يكون قرآنا يقرأ هكذا في حق القراءة يبقى ، ويثبت في المصاحف إلى آخر الدهر ؛ ليعلم كيف قيل لرسول الله ؟ وكيف أوحي إليه ؟ وأنه لم يترك مما قيل له حرفا واحدا ؛ ليكون حجة لرسالته وآية لنبوته ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون كذلك على خلاف المفهوم من كلام الناس ؛ لئلا يكون المفهوم من وحي السماء والمنزل منها كخطاب بعض بعضا ، ولكن خلاف [ المفهوم ] منه . والثاني : أن يكون الخطاب منه لكل أحد ، ومن كل أحد لآخر ، خاطب جبريل - عليه السلام - رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأمره أن يقرأ ، ثم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره بذلك ، وذلك الغير يقول لآخر كذلك ؛ فيكون الخطاب منه لكل أحد ، ومن كل أحد لآخر ، والله أعلم . وقوله - تعالى - : { بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } يحتمل أن يريد به [ أي ] : افتتح القراءة باسم ربك على ما جعل افتتاح كل شيء باسم الرب - تعالى - لينال بركة ذلك فيه . والثاني : أن يكون ما ذكر على أثر اسم ربه ، هو تفسير اسم ربه ؛ حيث قال : { ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } ؛ فيكون هذا تفسيرا لما ذكر من اسم ربه . أو يكون قوله : { بِٱسْمِ رَبِّكَ } كما يقال : " أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سئلت به أعطيت " ، وذلك الاسم مكتوم بين أسمائه . ثم قوله : { بِٱسْمِ رَبِّكَ } يخرج إضافته إليه مخرج التعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخصوصيته له ؛ على ما ذكرنا أن إضافة خاصية الأشياء إلى الله - تعالى - تخرج مخرج تعظيم ذلك الخاص ، من ذلك قوله : [ { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ } [ البقرة : 125 ] ] و { نَاقَةُ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 73 ] ، { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [ الجن : 18 ] ، ونحو ذلك من إضافة خاصية الأشياء إليه ، وإضافة كلية الاشياء إلى الله - تعالى - تخرج مخرج تعظيم الرب والمحمدة له ، نحو قوله : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البروج : 9 ] ، و { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الرعد : 16 ] ، و { رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] . ثم لا يجوز إضافة الخاص الذي لا خصوصية ظهرت له إلى الله - تعالى - لا يجوز أن يقال : يا رب زيد ، ويا رب عمرو ، ونحو ذلك ؛ إنما يجوز ذلك فيمن ظهرت له خصوصية [ و ] فضل من الأنبياء والرسل والملائكة ، عليهم السلام ، والبقاع والأمكنة التي ظهرت لها خصوصية وفضل ؛ ليكون ذلك تعظيما لها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } : العلق : الدم الجامد ، [ ثم قوله : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } ] أراد به كل إنسان ، و { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } كذلك ؛ ليعلم أن الاسم الفرد [ إذا دخله ] لام التعريف أريد به العموم ، وهو كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] . ثم في الآية دلالة على إبطال قول من يدعي طهارة النطفة ؛ بعلة أن الإنسان خلق منها ؛ فإنه أخبر أنه خلق الإنسان من علق ، نسب خلق الإنسان إليه ، ولا شك أن العلق نجس ، ثم أخبر أنه خلق الإنسان منه ؛ فعلى ذلك جائز أن تكون النطفة التي منها يخلق الإنسان نجسة ، وذلك غير مستحيل . ثم أضاف [ خلقه مرة أخرى إلى ] الأحوال التي قلب منها ، حيث قال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ … } [ غافر : 67 ] إلى آخر ما ذكر ، وأضاف هاهنا إلى حالة واحدة ، وهي العلقة التي ذكر ، وإن لم يكن الإنسان في الحقيقة مخلوقا من العلقة والنطفة والتراب الذي ذكر ؛ لأن هذه [ الأسماء ] أسامي هذه الأشياء باعتبار خاصيات فيها ، وتلك الخاصيات تنعدم باعتراض حال أخرى عليها ، وإنما يخلق الإنسان من المضغة وإنما ذكر خلق الإنسان منه ، ونسبه إلى ما ذكر ؛ لما أن الإنسان هو المقصود من [ خلق ذلك ، وهو النهاية التي ينتهي إليها ، فذكر بالذي ينتهي إليه من ] الغاية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ * ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } : ذكر { ٱلأَكْرَمُ } ؛ ليعلم أن اختياره واصطفاءه لرسالته ونبوته ، وتعليم القرآن ابتداء إحسان من [ إليه ] وتفضل عليه ، لا بحق له عليه ؛ إذ ذكر في موضع المنة والفضل والكرم ؛ إذ الأكرم هو الوصف بغاية الكرم ؛ كالأعلم وصف بإحاطة العلم وكماله . وقوله - عز وجل - : { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } . جعل الله - تعالى - القلم سببا به يحفظ ، وبه يثبت ، وبه يوصل إلى حفظ ما يخاف فوته ونسيانه من أمر دينهم ودنياهم ، ما لو لم يكن القلم ، لم يستقم أمر دينهم ولا دنياهم . ثم قوله : { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } ، أي : علم الخط والكتابة بالقلم . وكذا ذكر في حرف ابن مسعود وأبي وحفصة - رضي الله عنهم - : { علم الخط بالقلم } . ثم أضاف التعليم بالقلم إلى نفسه . وكذلك قوله : { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ؛ فهو يخرج على وجهين : أحدهما : أن يكون أضاف ذلك إلى نفسه ؛ لما يخلق منهم فعل تعلمهم . ويحتمل إضافته إليه ؛ للأسباب التي جعلها لهم في التعليم ، [ والله أعلم ] . ثم ذلك التعليم بالقلم لأمته ، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه علمه إياه بلا كتابة ولا خط ؛ حيث قال : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنكبوت : 48 ] ، ثم في تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا قلم ولا كتابة آية عظيمة لرسالته ، حيث جعله بحال يحفظ بقلبه بلا إثبات ، ولا كتابة ، ولا خط يخطه . ثم قوله : { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } يحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ، وكقوله : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } [ هود : 49 ] ، وقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] . ويحتمل [ قوله ] : { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } : كل إنسان ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } [ النحل : 78 ] . وقوله - عز وجل - : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } : طغى بالغنى ، أي : تكبر ، وافتخر بما رأى نفسه غنية ، وعلى هذا ما روي في الخبر [ من ] التعوذ من غنى يطغي ، وفقر ينسي ؛ لأن الغنى يحمل على التكبر والافتخار ، والطغيان هو المجاوزة عن الحد والتعدي فيه ، والفقر المنسي : هو المجهد الذي ينسي غيره من النعم ، أعني : ينسي غير المال من صحة البدن والعقل والعلم ونحو ذلك . وقوله : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } ، ليس هذا وصف ذلك الكافر بعينه على ما ذكره أهل التأويل - : أبي جهل لعنه الله - ولكن كل كافر يطغى ؛ إن رأى نفسه غنية . وقوله - عز وجل - : { إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } : أي : المرجع كذا قال أبو عبيد . وقال غيره : الرجوع . ثم يحتمل قوله : { إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } ، أي : المرجع للكل إلى ما أعد لهم : أعد للكافر النار ، وللمؤمن الجنة ؛ على ما ذكر في الآية . وجائز أن يكون إخبارا عن رجوع الكل إليه . ثم قوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } ، أريد به إنسان دون إنسان ؛ إذ لم يطغ كل إنسان ، ولا خلف يقع في خبر الله تعالى ؛ فكأن المراد منه : البعض ؛ ليعلم أن الفهم بظاهر الخطاب والعموم ليس بواجب ، ولكن على حسب قيام الدليل على المراد منه . وفيه أن المراد منه قد يكون مبينا مقرونا به ، وقد يكون مطلوبا غير مقرون به .