Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 9-19)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } : ذكر أهل التأويل أن الذي ينهى : أبو جهل - لعنه الله - { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه كان يصلي في الحجر ، فكان ينهاه أبو جهل ؛ فنزل : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } . [ و ] جائز أن يجمع هذا كله في الوعيد الذي ذكره على أثر ذلك ، وهو قوله : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ، كأنه قال : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، أرأيت الذي ينهى من كان على الهدى ، أو أمر بالتقوى ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهاه ذلك الكافر إذا صلى ، وينهاه عن الهدى ، وعن الأمر بالتقوى ، أرأيت الذي كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتولى عن طاعة الله تعالى ، ألم يعلم بأن الله يرى ؟ ! يدخل جميع ما ذكر في هذا الوعيد ؛ فيكون [ ذلك ] جوابا لما تقدم من قوله : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ … } إلى آخر ما ذكر . وجائز أن يكون جواب قوله : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } مسكوتا عنه ؛ ترك للفهم . ثم قوله : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ، أي : ألم يعلم بأن الله يرى ؛ فينتقم [ منه ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم . أو : ألم يعلم بأن الله يرى ؛ فيدفعه عما هم برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وعيد . ثم قوله : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } يحتمل وجهين : أحدهما : قد علم بأن الله يرى جميع ما يقوله ، ويفعله ، ويهم به ، لكنه فعل ذلك على المكابرة والعناد . والثاني : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } على نفي العلم له بذلك ؛ إذ لو علم بأن الله يرى ، ويعلم ما يفعله من النهي عن الصلاة والمكر به ، لكان لا يفعل ذلك به . وقوله - عز وجل - : { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } : أي : حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول الله { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } ، أي : لنأخذن بالناصية ؛ كأنه عبارة عن الأخذ الشديد ، والجر الشديد على الناصية . ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا : أنه لو لم ينته عما ذكر : فإن كان في الدنيا فتكون السفع كناية عن العذاب ، أي : لنعذبن . وقيل : قد أخذ بناصيته يوم بدر ، فألقي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا . وإن كان في الآخرة ، فهو عن حقيقة أخذ الناصية ؛ كقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً … } [ الإسراء : 97 ] ، وقوله : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ … } [ القمر : 48 ] . وقال أهل العربية : { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } ، أي : نقبض ، وسفعت ناصيته ، أي : قبضت ، ويقال : سفعه بالعصا ، أي : ضربه بها ، ويقال : أسفع بيده ، أي : خذ بيده . وقوله - عز وجل - : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } : يحتمل ما ذكر من قوله : { كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } كناية عن النفس . ويحتمل أن يكون كناية عن الناصية التي تقدم ذكرها . وقوله - عز وجل - : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } : أي : أبو جهل ، { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } ، أي : أهل مجلسه في الإعانة له بما يهم برسول الله صلى الله عليه وسلم . { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } نحن في الدفع عنه ؛ لنرى هل يقدر أن يفعل به ما هم به . ثم يحتمل ذلك في الدنيا ، وقد ذكر أنه قتل يوم بدر . وجائز أن يكون ذلك الدفع من الزبانية في الآخرة ، وسموا : زبانية للدفع ، أي : يدفعون أهل النار في النار . وقيل : الزبانية : الشرط ، والواحد : زبينة ، والنادي : المجلس ، يريد به : قومه . وقوله - عز وجل - : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } ، أي : لا تطع ذلك الكافر ، وكان ما ذكر ، لم يطعه حتى مات ؛ فكان فيه إثبات الرسالة . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } : يحتمل قوله : { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } أن يكون هذا خطابا للنبي - عليه السلام - أي : صل ، واقترب إلى الله عز وجل . ويحتمل أن يكون قوله : { وَٱسْجُدْ } خطابا للنبي - عليه السلام - أي : صل ، وقوله : { وَٱقْتَرِب } خطابا لأبي جهل ، أي : اقترب إلى محمد ؛ حتى ترى على سبيل الوعيد ؛ لما كان يقصد المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة . ثم على التأويل الظاهر الآية حجة لنا على أهل التشبيه ؛ فإنه لم يفهم من قوله : { وَٱقْتَرِب } : القرب من حيث المكان ، وقرب الذات ، ولكنْ قرب المنزلة والقدر ، وكذلك ما ذكر في بعض الأخبار : { ومن تقرَّب إليَّ شبرا ، تقربت إليه ذراعا } ، ونحو ذلك ، لا يفهم منه قرب الذات ، ولكن قرب المنزلة والقدر بالإجابة ، وكذلك جميع ما ذكر في القرآن من القرب : قرب المنزلة والقدر . ثم في هذه السورة السجدة ؛ لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها . وروي عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه قال : " سجد في { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } ، و { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } - أبو بكر ، وعمر ، ومَن هو خير منهما " . وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " في { ٱقْرَأْ } : من عزائم السجود " . و [ روى ] أبو عبيدة عن عبد الله أنه سجد فيها ، والله أعلم .